وقال ربكم : ادعوني أستجبْ لكم

إنَّ للدعاء قدسية تبعث على الطمأنينة ، وتمنح مَن يدعو ربَّه راحة البال ، وتفاؤلا يشيع في نفسه فرحا داخليا ، لِمـا يرجوه من ربه ساعات الليل وأطراف النهار ، ويكاد يكون الدعاء ملازما حياة المسلم كلَّ حياته . وإن الله سبحانه وتعالى أمر عباده أن يسألوه ، ووعدهم بالإجابة ، إن هم أخذوا بأسباب استجابة الدعاء . فالآيات  الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بيَّنت أسباب إجابة الدعاء ، يقول الله تعالى في سورة البقرة (وإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) . والمسلم والمسلمة يحتاج كل منهما إلى الدعاء كثيرا ، وتلك حال العبودية لله عزَّ وجلَّ ،  ولا يستغني أحدهما عن الدعاء في ساعات الشدة ، أو أيام الرخاء ، فالإنسان معرض في كل حين للصعوبات في حياته من مرض أو فاقة أو بحث عن عمل أو خروج من شدَّة ... وما إلى هنالك من مواقف يضطر الإنسان فيها إلى الدعاء ، والله سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء . وكذلك الأمة بمجموعها تضطر إلى الدعاء واللجوء إليه سبحانه في حالات عديدة ، فإذا تفشى الوباء وانتشر وامتد أذاه لجأت الأمة إلى الله مستغيثة أن يكشف عنها . وكذلك لو داهـم العدو ديارهـا ، وأراد النيل من كرامتها التجأت إلى ربها ، ففي سورة آل عمران : ( وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين  فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( ، ونلاحظ اعتراف الأمة بتقصيرها وإسرافها في أمرها ، وهجرها لكتاب ربها ، وتلك عودة ميمونة يقبلها الله ، ويؤتي الأمة من الخير والفتح والنصر ما شاء  . ولعل الاعتراف بالتقصير وارتكاب الآثام عن صدق النية ، هي من أسباب استجابة الدعاء للأمة ، وللفرد إذا ارتكب مايخالف أمر ربِّه ، كما جرى لآدم وحواء عليهما السلام ، ففي سورة الأعراف : ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ، فتُرجى النجاة من الظلم منه سبحانه ، وفي سورة يونس : ( وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (وتُرجى إجابة دعاء الأبناء لآبائهم وأمهاتهم  ، ففي سورة الإسراء : ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) ، وإن في الابتلاءات اختبارا للإنسان ، ليدعو ربَّه ويتبتل إليه ، ويلتجئ إليه آناء الليل وأطراف النهار ، ولقد اعترى الابتلاء حتى أنبياء الله فقاموا في محاريب خشوعهم له جلَّ وعلا يسألونه رحمته ، ففي سورة الأنبياء : (  أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  ( . ولقد حثَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقبال على الله سبحانه بالدعـــــاء والتضـــــرع رغبا ورهبا ، وبيَّن لنـــــا أوقات الإجابـــــة في مختلف الأحيـــــــــان ، وهو بين ظهراني أصحابــــــــه الأبرار رضي الله عنهـــــم أجمعين . كساعة الإجـــــــابة فيما بين الظُّهر والعصر من يوم الأربعـــــــــــاء، يدل على ذلك ، ما جاء عن جابـــــر بن عبدالله رضي الله عنــــــــــه، أنَّ النبي صلى الله عليه وســـــلم دَعا في مسجد الفتــــح ثلاثًا، يــوم الاثنين ويوم الثُّلاثاء ويوم الأربعاء، فاستُجيب له يوم الأربعاء بين الصَّلاتين، فعُرف البِشْرُ في وجهه صلى الله عليه وسلم . قال جابر : فلم يَنزِلْ بي أمرٌ مُهمٌّ غليظٌ إلا توخَّيتُ تلك الساعة فأدعو فيها فأعرفُ الإجابة ، رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد وغيرهم . وأوقات الإجابة  التي بينها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم للأمة لاتخفى على أحد ، وكتب السيرة النبوية ، وكتب الصحاح كثيرة ومبثوثة ، ومن هذه الأوقات ما جاء عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَنزل اللهُ تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا في رواية: إذا ذهب ثُلُث الليل الأول ، وفي رواية: (إذا مضى شَطر الليل أو ثلثاه) ، وفي رواية: (حين يَبقى ثُلث الليل الآخر ) . وكلها صحيحة، وتَعدُّد النزول هذا من رحمة الله سبحانه بعباده، وإكرامه لهم ، فيقولُ: أنا الملِك، أنا الملِك:

* هل مِن داعٍ يدعوني فأستجيبَ له؟

*هل من سائلٍ يسألُني فأُعطيَه؟

*هل من مستغفر يَستغفرني فأغفرَ له؟

*هل من مذنِب يتوب فأتوبَ عليه؟

من ذا الذي يَسترزقني فأرزقَه؟*

*من ذا الذي يَستكشفُ الضرَّ فأكشفَه عنه؟

ومن يعرف الله يجيد أداء العبادات له سبحانه وتعالى ، فللصلاة خشوع وتوجه إليه سبحانه ، وللصيام قيم عالية ، وللزكاة معانِ غالية ، وللحج نفائس ، وكذلك لتلاوة القرآن الكريم ، وذكر الله ، وبالتالي حسن الوقوف بين يديه جلَّ في علاه آداب وأشواق لايشوبها  برود ، ولا يعتريها نكوص ، فالعبد هو عبد لله وحده ، وليس لأي بضاعة دنيوية مهما غلا سعرُها أن تحجب نور العبودية عن الإنسان إذا عرف الله ، ففي الدنيا نكبات ورزايا ومصائب أي ظلمات قد تحدق بالإنسان فلا يكاد يرى أو يسمع مَن حوله ، ومن هنا يكون اللجوء إلى الله متوهجا بالتسليم الخالص لله : ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .

فالنجاة هنا بالدعاء ، وليس ينجي إذا اشتدت الظلمات ، وزمجرت الآفات ، وفاضت العبرات ... إلا ربُّ الأرض والسماوات .

وسوم: العدد 920