قراءة في ترابط الأحداث وتراتبيتها وتماهي أنساقها في عواصم الإقليم خلال الأسبوعين الماضيين

علي عبد اللطيف اللافي

هل هي ليس الصدفة أن تتزامن أحداث إقليمية كلها مع بعضها في نفس التوقيت وهل الصدفة أن تترابط التطورات والأحداث في "أنقرة" و"عَمّان" و"القاهرة"و"طرابلس الغرب" وبقية عواصم أخرى؟، والغريب أن تتشابك تلك الاحداث وتتشابه حد التطابق بل وتتماهى أنساقها في كل تلك العواصم خلال الأسبوعين الماضيين؟    

تراتبية الأحداث وتماهي أنساقها في عواصم الإقليم الرئيسية    

  • تزامن الأحداث وتراتبيتها في أكثر من عاصمة في الإقليم خلال الأسبوعين الماضيين ليس صدفة خاصة في ظل تماهي الأحداث بين عاصمة وأخرى وبين طبيعة أنساق تلك الأحداث في المجالات الثقافية والفنية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية، وهو أمر وإن كان ليس بجديد خلال العقود الثلاث الماضية، فإنه أيضا مبني على أن الفاعل الدولي سواء كمُنفذ لسياسات أو كصانع ومرتب لها على مدى سنوات بل وعقود، لم يُغيّر مفهومه للمنطقة بل ويعتبرها وحدة متكاملة الأنساق وفي تركيبتها الاجتماعية والثقافية بغض النظر عن الانقسام السياسي والاقتصادي الحاصل والمرتب من طرفه أساسا وإن كان عبر أدوات وظيفية محلية وإقليمية...
  • الثابت أنه ومنذ أشهر توجد عمليات تنسيق أمني واستخباراتي بين القاهرة وأنقرة وهي خطوات قائمة وتبحث عن مسالك للتطوير منذ صائفة 2018 وتدعمت بعد فشل "حفتر" في دخول العاصمة الليبية طرابلس في افريل 2019، وتكرست وتنامت بعد رفضه مقترحا روسيا/تركيا يقضي بوقف إطلاق النار في موسكو في 12 جانفي/يناير 2020 ...
  • عمليا وصلت المفاوضات بين أنقرة والقاهرة إلى مربعات قطع خطوات عملية من قبل الطرفين كخطوات حُسن نية وكمعبر أولي نحو محطة ثانية في الخطوات التنسيقية وارجاع العلاقات الى ما كانت عليه قبل يوليو 2013 وهي مفاوضات لم ترتح لها أطراف دولية حليفة للإماراتيين كما لم ترتح لها الرياض، فيما راقبتها موسكو بحذر ولكنها اطمأنت إلى نتائجها...
  • السؤال هنا هل تقاطعت الأحداث وهل تم التهديد بقطع المفاوضات من طرف القاهرة أو من طرف أنقرة، أو أن هناك عواصم سعت لتعطيلها ومن ثم نسفها من الأساس، وخاصة بعد الاتفاق الحاصل بين العاصمتين بتخفيف لغة الهجوم على مصر سواء في القنوات المقيمة في الأراضي التركية أو مواقع معارضيه ككل مقابل توجيه أوامر للإعلام المصري بعدم انتقاد تركيا مثلما كان يجري في السابق فيما تم التكتم حتى الآن على خطوات أخرى عديدة...
  • في غضون ذلك انشغلت تركيا بقضية 14 أميرالا متقاعدا من البحرية التركية أمضوا بيانا بصحبة عشرات آخرين (بعضهم أمضى البيان بدون أي خلفية وبعضهم أمضى مجاملة أو بدون تبيّن المضمون وخلفياته)، والخلاصة أن البيان يؤكد على رفض قرار الحكومة التركية القاضي بتوسيع قناة قديمة تجارية صغيرة مقابل مجرى القناة البحرية المركزية لإسطنبول، و كانت السلطات التركية تمهد لتحضيره بمجرد انتهاء معاهدة لوزان أي سنة 2023 (الاتفاقية أمضيت سنة 1923)، وقد تبيَّن فيما بعد أن مجموعة من العسكريين الأتراك المتقاعدين بناء على ترابط علاقاتهم ورؤيتهم مع أطراف دولية وربما إقليمية، قد أنزلوا بيان احتجاج ضد حكومة بلادهم ويؤكدون فيه معارضتهم لذلك التوسيع، ومعلوم أن ذلك التوسيع ليس فقط يضر بالمصالح الأجنبية بل هو يقتل فعليا ونهائيا موانئ عربية وغربية بلدانها داعمة موضوعيا للثورات المضادة في المنطقة، و قد رأى البعض في كل ذلك أن محاولة انقلابية ثانية شبيهة بمحاولة 15 جولية/يوليو  هي حسب رأيهم كانت جارية وقيد التحضير في تركيا بتعلات عدة من بينها موضوع القناة، ولا يمكن طبعا إغفال معطيات عدة في تركيا، على غرار أزمة الليرة المتفاقمة وهبطوها المتكرر والتي انجر عليها مثلا تغيير محافظ المركزي التركي مرتين في مدة وجيزة، إضافة الى وجود خلافات وتجاذبات داخلية على هوية الحكومة المقبلة ومدى مجال أي تحوير حكومي وطبيعته مقابل فرضية الدعوة لانتخابات مبكرة (مطلب المعارضة الرئيسي حاليا)، إضافة لتباين الرؤى في مركزية حزب العدالة والتنمية في أكثر من ملف حارق، ولكن كل ذلك لم يمنع من رفض المجتمع المدني التركي والمعارضة أيضا لطبيعة ذلك البيان الغامض ولهجته وطريقة تنزيله، وهو ما سمح لاحقا بتقبل إيقاف الـــ 14 أميرالا أي المُمضين الرئيسيين على البيان ومن ثم بداية محاكمتهم.... 
  • تزامن ما سبق في تركيا والقاهرة مع محاولة انقلابية في الأردن وقد كانت هذه المحاولة الانقلابية من بين أسبابها تخفيف الضغط على "بن سلمان" مع تسريع السعودية بالتطبيع في بحث عن قطع الطريق على دعم غربي لشقيقه "خالد" أو الأمير "محمد بن نايف" بدلا عنه، و هذا ما لا ترغبه أطراف دولية وأخرى إقليمية، ومما لا شك أن السعوديين والإماراتيين وبعض أطراف دولية غير مرتاحة لمواقف وسياسيات الملك عبدالله والذي نُقل عن مسؤولين في "الرياض" و"أبو ظبي"، أنه لا يُريد ان يكون خاتما على المقاس وأنه عاد الى مربعات مواقف والده في أكثر من ملف، غير أن السبب الرئيسي في البحث عن الانقلاب أو حتى ربما محاولة اغتيال ملك الأردن التغطية عما سيحدث في تركيا من انقلاب البحرية وحينها يسهل الانقلاب في ليبيا وتونس ربما التخطي لمربعات أخرى في القارة الأفريقية أكثر وزنا وعمقا...
  • رغم وجود رواية مُروجة مفادها تفطن المخابرات التركية لذلك ومسارعتها لأخبار ملك الأردن أنه مستهدف بالاغتيال وعليه عدم مغادرة قصره لحين إجهاضه، فإننا نعتقد جازمين أنها رواية ضعيفة ليس إلا، ذلك أن وجهة الأحداث الحقيقية هي ليبيا وما مربع الأردن سوى مربع تكتيكي ومرحلي كان ينتهي بتوجيه رسالة أولية للملك ومعاقبة له ثانيا على بعض مواقفه في قضايا عدة خلال الأربع سنوات الماضية...
  • في نفس الفترة وجد تقييم إقليمي قريب من الإمارات ومن المسؤولين الرئيسيين فيها مفاده أن "القاهرة هي بصدد توسيع التباين معهم في قضايا عدة وأنها حولت ما يسمى المقهى الأمني لقاعدة تشاور تتجاوزهم وخاصة في ملفات ليبيا وتونس وبعض دول افريقية أخرى"[1]، وبالتالي تحركات دحلان ووفد إماراتي كانت غايته الرئيسية هو العودة بمصر لنفس المربعات وبالتالي أن تمر سياسيات القاهرة عبرهم وأن تكون شريكا في وأد ما تبقى من تجارب الانتقال الديمقراطي من أجل إحياء فكرة إقامة أنظمة عسكرية في كل المنطقة الشمال أفريقية وعدم السماح بتمدد النموذج التونسي في اتجاه دول أفريقية أخرى والسؤال هو ما سر وجود دحلان و صدام نجل حفتر في القاهرة وبعض عواصم عربية أخرى في نفس الفترة وهي نفس الفترة الزمنية ( أيام محددة ) مع زيارة رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدُبَيْبة إلى الإمارات، و قد كانت زيارة الدبيبة إلى الأمارات سابقة لزيارته لأنقرة وإمضائه لاتفاقيات استارتيجية مع الاتراك وبحضو أكثر من نصف حكومته ( 14 وزيرا )
  • السؤال الرئيسي هو لماذا زار الدبيبة الإمارات إذن؟ ولماذا كان معه فقط بعض مستشاريه وأقربائه ووزير المالية فقط دون غيرهم؟، ربما الإجابة الأقرب هي أن الدبيبة كان يأمل فعلا في مصالحة شاملة في ليبيا حتى مع "حفتر" (روي أنه وقع استدعاؤه من الإمارات بحضور فرنسي بشأن هذه المصالحة و تبادل الأسرى)ولكن لاحقا تحرك الشارع الليبي ضد "الدبيبة" ( بتدبير ربما أو بإيعاز من أطراف بعينها على غرار الناطق الرسمي لحكومة الوفاق السابق محمد قنونو الذي صارح الشعب الليبي إلى أن "الدبيبة" يريد عقد مصالحة مع المجرم حفتر)، وهناك من روى وقال أن "الدبيبة" وجه تنيبها لقنونو بأخذ الأوامر منه شخصيا لا من أحد غيره)، والثابت أن "دبيبة" رفض مطلبا اماراتيا مفاده تسليم كل المؤسسة العسكرية لحفتر مقدما مقترحا آخر مفاده أن حفتر مسؤولياته العسكرية هي مربعات المنطقة الشرقية باعتباره مقبول مؤقتا هناك في انتظار تطورات الأحداث، وهنا لابد من القول ان اسم وزير الدافع معلوم في الحقيقة منذ أسبوع ومقبول من كل الفرقاء وسيقبل به الأتراك والمصريين أيضا وقد يكون نتيجة مفاوضات خاصة تمت في القاهرة، والثابت أيضا أنه قبل زيارة "دبيبة" للإمارات اعتذر السعوديون والقطريون عن استقباله، واكتفى في زياراته الخليجية بزيارة الإمارات والكويت...
  • مما لا شك فيه أن "الدبيبة" تفاجأ من هول المطالب الإماراتية المُشطة حيث طلب الإماراتيون منه مثلا إسناد وزارة الدفاع إلى "حفتر" مع إعطاء الجنسية الليبية إلى مسلحي "الفاغنر" والذين يعملون تحت إمرة الجنرال المتقاعد منذ أكثر من سنتين مع إعطاء فرنسا مساحات أكبر في الاستثمارات الليبية وعملية إعادة الاعمار ...

         قراءة في ترابط وتطور الأحداث بين أنقرة وعمان وأبوظبي والقاهرة 

  الثابت الأكيد أن الإماراتيين وحلفاء دوليين وإقليميين لهم رغبوا منذ الصائفة الماضية أن لا تحتفل الثورتين التونسية والليبية بذكراهما العاشرة (أي إسقاط كل منهما قبل 14 جانفي 2021 و 17 فبراير 2021)، وأن يتحول البلدان لاحقا إلى نموذجين مصريين وفي ما يعرف أن "حفتر" كان يُهيئ منذ 2015 ليكون "القذافي2" أو "سيسي ليبيا"، فان الأمل في البحث عن سيسي تونس أمر حيَّر الغُرف الإقليمية، حيث تبين أنه لا يوجد سياسي واحد من الممكن أن يلعب ذلك الدور، إضافة أن كل الطرق مغلقة لاستمالة قيادات المؤسستين العسكرية والأمنية في تونس، وبالتالي تقتضي الخطة طرف معطل ومربك في تونس ("عبير" وآخرين كُثر...)، حتى يتم دفن الثورة الليبية أولا وإرباك الجزائر ثانيا وتعديل أوتار المقهى الأمني في القاهرة ثالثا وأن يمر السيسي عبر الإقليم في اتجاه الدولي لا أن يكون خيط رابط رئيسي للسياسيات الأمريكية ثم يلعب أدوار مع الإقليم رابعا، ثم يتم حينئذ قبر وهدم التجربة التونسية ي وقت لاحق...

  • وهنا يطرح السؤال الأهم وهو، هل تم استمالة السيسي مُجددا؟ وهل يمكن لواشنطن أن تسمح بذلك أو في حد أدنى أن تعطي الضوء الأصفر الرفاف؟، وهل تعطلت عملية التقارب بين أنقرة والقاهرة؟، ويبدو أن ما خفي سيتوضح خلال الأسبوعين القادمين لتحصد بعض قوى إقليمية هشيم رياح سياساتها الخرقاء مجددا، ولتبقى تبحث عن أدوار أخرى في انتظار تمطيط حلمها بعودة ترامب سنة 2024 لتتمكن وفقا لذلك الحلم من إعادة تشكيل الخارطة العربية والإقليمية وفقا لأهواء بعض أمراء، هذا إن لم تتغير كل المنطقة وخاصة بين سنتي 2023 و2024 وأكبر ترهات أولئك هي في تغييبهم للاعب الصمت والذي استغلت ماكينات فاعليته الإقليمية ألا وهو الجزائر؟ مقابل ذلك تحلم نخب بعكش ذلك تماما...
  • الثابت اليوم أن يمكن الجزم أن:
  • تركيا قطار انطلق منذ 2002 ولم ولن يتوقف لأنه يعرف حدود طموحاته وحجمها المسموح به وهو أمر ترتب على فهم محاولة الانقلاب سنة 2016 ومساحات فعله ستمتد في افريقيا أولا وفي العالم العربي ثانيا  بسرعة أقل طبعا بناء على عوامل ترسخت خلال العقود الماضية وبناء على غياب الأتراك عن المنطقة لمدة قاربت 80 سنة
  • ما حدث في الأردن سيجعله يعيد حساباته والتي بدأت بخطوات ترتيب أمور العائلة، واللبد الذي وصفه خبير الاستراتيجيات بأنه الشركة الأمنية سيتخلص من طبيعته الوظيفية للإقليم مع تغيير ملامحها مع القوى الدولية لأنه أولا وأخيرا دولة وظيفية، ولكن الملك عبد الله سيحذو حذو والده في قراءة تموقع الأردن في الإقليم مستقبلا حتى لا يتكرر ما حدث منذ أسبوعين وستكون علاقاته مع القاهرة وأنقرة على حساب علاقاته الخليجية مع تقارب محسوب مع سلطنة عمان أولا ومع الكويتيين والقطريين ثانيا...
  • أي عودة لمربع عقلية الانقلاب في العلاقة مع تونس وليبيا ستقابل في القاهرة باهتزازات داخلية وامكانيات التغيير السياسي المرحلي وتنامي الهزات الاجتماعية قبل ذلك أيضا،
  • المؤسسة العسكرية المصرية والتي عادت للمسرح بثبات وبقوة لم ولن تسمح بأيّ أدوار خارج مربعاتها، وبالتالي نعتقد جازمين أن "السيسي" قد يكون واقعيا بحث عن الاستفادة من مربعي تونس وطرابلس وأن كل ما قيل في الإعلام كان للتغطية ليس إلا وأنه سيواصل التباين مع الإماراتيين كما سيواصل التخلي المرحلي والناعم عن حلفائه السابقين في شرق ليبيا وأولهم "حفتر" لأنَّه في الأخير سيُخيَّر أن يكون متحوطا في رؤية الأمريكيين للمنطقة وثانيا سيتكيَّف مع سياسات "بادين" في دعم تجارب الانتقال الديمقراطي وبالتالي ستكون أنقرة طرفا أولي ليتراجع خطوات للخلف في ملفات "حقوق الإنسان" و"الحريات" و"القيام بإصلاحات ديمقراطية ضرورية لمصر القرن 21" ومما لا شك أنه يعلم أن "واشنطن" قد تكون طلبت من السعودية إطلاق سراح العلماء الموقوفين منذ أكثر من سنتين...  

___________________

أ.علي عبد اللطيف اللافي: كاتب مختص في الشؤون الأفريقية.

المراجع

[1]  نص تدوينة للكاتب في متبعة منه لتطورات الأحداث. 

وسوم: العدد 924