واجِه حياتك

 سيدي/ سيدتي، 

وقفة سريعة، لكنها ضرورة. 

وقفة سريعة، لكنها في حقيقتها منهج حياة. 

دعونا نصارح فيها أنفسنا، ونطبطب على ذواتنا بحب وصدق؛ فإذا صارحنا أنفسنا بصدق، ومعها تصالحنا، استطعنا مواجهة خشونة حياتنا. 

سيدي/ سيدتي، 

القصص (التراجيدية)، والموسيقا الحزينة، والعزلة والانطواء عن خلق الله، والنظرة التشاؤمية للأمور كلِّها، واستدعاء المواقف المبكية، وحشو الذاكرة بها، واستعمال الكلمات العميقة في الحزن السابحة فيه لحد الغرق، والاسترسال في استدعاء الذكريات المُرَّة والمؤلمة، والإحباط ودفن النفس والجسد حيًّا عند وقوع المشكلة.... 

  

سيدي/ سيدتي 

 توقفوا عن ذلك قدر الجهد والإمكان، تفاءلوا، كونوا إيجابيين، لا تتشاءموا؛ فمن كان الله معه لن يضيع، وما خلقَنا الله كي يعذِّبنا؛ فهو الغنيُّ عنا أجمعين، بل هو خلَقنا لمصلحتنا وسعادتنا نحن. 

أليست سعادتنا في: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. 

سعادتنا في عبادته وحده، وبها وكفى؛ فتلك أمُّ السعادة ورأسها؛ فحين تتحقق السعادة في عبادة الله فلا حاجة بنا إلى سعادة غيرها. 

سيدي/ سيدتي، 

اعلموا أنه كلما استدعيتم ذكرى مُرَّة، فإنه ستلاحقكم ذكرى أخرى أكثر مرارة؛ فاطردوا البؤس وحاربوا اليأس؛ فهذه جميعها أمور مهلكات منغِّصات محزنات. 

لسنا بحاجة إليها بقدر حاجتنا إلى كتابات تجعلنا نبتسم، لسنا بحاجة إليها بقدر حاجتنا إلى نفوس تجعلنا نبتسم، لسنا بحاجة إليها بقدر حاجتنا إلى قلوب تجعلنا نبتسم، لسنا بحاجة إليها بقدر حاجتنا إلى ذكريات تجعلنا نبتسم! 

  

سيدي/ سيدتي، 

نحن بحاجة إلى استدعاء ذكرى جميلة باسمة، أو تخيُّل للشاطئ الذي يجمعنا بمن نحبُّهم، فافتحوا دفتر مشاعركم وعواطفكم وكلماتكم الرقيقة الحنون، وافتحوا نوافذ قلوبكم؛ ليدخل منها مَن يحبُّونكم وتحبُّونهم، لا تبخلوا بمشاعركم وأحاسيسكم، ولا تدفنوها في قلوبكم، أخرجوها؛ فإخراجها حياةٌ لها ولكم، لا تكتموها؛ فكتمُها موتٌ لها ولكم! 

سيدي/ سيدتي، 

لا داعي مطلقًا أن تتلذذوا بتعذيب ذواتكم وقهر نفوسكم بأيديكم؛ فمن تعوَّد على تعذيب ذاته اعتاد على ذلك، وظلم ذاته المسكينة وأهلك نفسه، إذا وجدت نفسك تُحبِطك وتخجلك فلا تتحرَّج منها، ارحل عنها، واذهب إلى ربك؛ فمن ذهب إلى ربه فلن يجد عنده إلا كل جميل ومُسعدٍ ومريح، وقل: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الصافات: 99]. 

سيدي/ سيدتي، 

اهجروا بقوة، وابتعدوا بحزم ما استطعتم عن كلِّ منغِّص، طلِّقوا كل ما يمكن أن يعكِّر صَفْوَ أرواحكم، أَبِيدوا كلَّ ما يمكِن له أن يُقلق راحتكم، فارقوا كلَّ همِّ قد يمرضكم، وعن المسير يُقعدكم، استعينوا بربكم؛ فما خاب من استعان بخالقه؛ ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]. 

  

سيدي/ سيدتي، 

تميَّزوا بذَواتكم وأرواحكم في زمنٍ كَثرت فيه الخيبات، انظروا إلى السماء ولا تنظروا إلى الأرض؛ فمن تعوَّد النظر إلى السماء تعلَّق بها، وبه تعلَّقَتْ! ومن تعود النظر إلى الأرض شدَّته إليها وبه تعلَّقَتْ! 

اطلبوا العلياء من ربكم في نهاركم وليلكم، وفي كل أعمالكم. 

    

سيدي/ سيدتي، 

إذا أردتُم مواجهة خشونة الحياة، فواجِهوها بالإيجابية، وإذا أردتم المعنى الحقيقي للإيجابية فالتمسوها عند ربكم؛ فلن تندموا ولن تُعْدَموها، والتمِسوها عند نبيِّكم؛ فلن تندموا ولن تعدموها، والتمسوها بين سطور قرآنكم، ولن تندموا ولن تعدموها. 

    

تلمَّسوا الإيجابية، وواجهوا خشونة حياتكم بقراءة القرآن، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بصلاة الفرائض، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بالإكثار من النوافل، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بردِّ المظالم والحقوق، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بالاعتذار والحب والمودة، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بالأعمال المختبئات الخبيئات، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بتسبيحة، بتحميدة، بتكبيرة، بتهليلة... 

  

تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بإحسان تعاملكم مع الخلق وكفِّ الإيذاء عنهم، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم باستغفار وتوبة، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بمنح الكلمة الطيبة، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بالدعاء والابتهال إلى الله، تلمسوا الإيجابية وواجهوا خشونة حياتكم بدعوةٍ في السحر، بسجدة فيه، بقرآن مشهود... 

  

سيدي/ سيدتي، 

واجه حياتك، صارح نفسك، نظِّف قلبك، انظر إلى السماء، عانِد أرضك، أحبِب ذاتك، اقهَر قهرك! 

أخيرًا ولأني أحبك؛ أحب أن أخبرك أن الأمل والإيجابية الكبيرة هي أن تيئس من الشيء الذي اسمه (يأس) 

وسوم: العدد 927