البكاء على عمرو كثير، اليوم ، فماذا يعني هذا ؟

قال الشاعر: دعوتُ على عمرٍو، فلمّا فقدته    وعاشرتُ أقواماً ، بكيتُ على عمرو! 

كم يستشهد الناس بهذا البيت ، وكم يذكرون عَمراً، ولكل منهم عَمره الخاصّ، فما الحكاية؟ 

الحكاية : أن عمراً ، على اختلاف روايات البيت ، صار رمزاً يَستشهد به كلّ من عاشر قوماً ، وعتب عليهم أو غضب منهم ، ثمّ ابتلي بأناس آخرين ، وجَد عمراً ، بالقياس أليهم ، رجلا يُبكى عليه ، ويَحزن عليه مَن يفتقده ! 

وهذا المثل صحيح في أصله ، وهو متعدّد الاستشهادات، في الحياة الاجتماعية والسياسية، وحتى في العلاقات الفردية بين شخصين ! 

ففي العلاقات الاجتماعية بين الناس : نجد شخصاً ما ، شديد الصلة بشخص آخر، شديد الثقة به ، بخلقه وبعلمه ، وبحسن معاشرته ! ثمّ تمرّ الأيام ، ويكتشف هذا المرتبط بذلك الشخص ، أنه كان متسرّعاً بثقته بصاحبه ، وأن هذا الصاحب ، لم يكن أهلاً للثقة التي أولاه إيّاها صاحبه ، فيتمثل صاحبه بهذا البيت ، بعد أن يكتشف خيبة أمله بذلك الشخص!  

وفي المجال السياسي : يُكثر الخبراء ؛ لاسيّما المعمّرون منهم ، الذين يتعرّفون على ساسة كثيرين ، في السلطة وفي المعارضة ، وفي الظروف السياسية المختلفة .. يكثر هؤلاء المعمّرون ، من الاستشهاد بهذا البيت ، بعد أن يجرّبوا أشخاصاً كثيرين ، ممّن حولهم ، من الساسة والعاملين في السياسة ! 

ولا يكاد بلد يخلو من المستشهدين بهذا البيت ، بعد أن تمرّ أجيال من الناس ، وأجيال من الساسة ، الذين يخيّبون آمال الأجيال بهم ، بعد أن يجرّبوهم ، ويقيسوهم إلى غيرهم ، من الساسة الماضين ! 

ويندر أن يجد المرء بلداً ، لايأسف كثير من أبنائه ، على أيامه الخالية ، وعلى الرجال الذين حكموا بلاده في تلك الأيام ! وكثيرون الذين يظهرون الأسف ، على من مضى من ساسة بلادهم ؛ سواء أكان المتأسّفون، على حقّ أم على باطل! مع التذكير بالمقولة السائدة: لكلّ زمان دولة ورجال ! 

وسوم: العدد 932