منوعات 934

الرِّضَا بقضاء الله تعالى وقَدَره.

يقول سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - : أعطى النبيُّ -ﷺ- رجالاً مالاً وأنا جالسٌ عنده، ولم يُعطِ رجلاً هو أفضلهم في نظري.

فقلتُ: يا رسول الله، ما لكَ عن فُلانٍ، فواللهِ إني لأراه مؤمناً؟

فسكتَ ولم يُجبني! ثم غلبَ عليَّ ما أعلمه من صلاح الرجل، فعدتُ لمقالتي، فقلتُ: يا رسول الله، ما لكَ عن فُلانٍ، فواللهِ إني لأراه مؤمناً؟

فسكتَ ولم يُجبني!

فسكتُّ قليلاً، ثم عدتُ لمقالتي..

فقال لي: يا سعد، إني لأعطي الرجل، وغيره أحبُّ إلىَّ منه، خشية أن يكبَّه الله في النار!

حديث عظيم لو فهمناه لهانَ علينا فهمُ حكمة الله تعالى في الأرزاق!

كان النبيُّ -ﷺ- يُعطي بعض الناس مالاً لما يعرفُ من ضعف إيمانهم، وأنه إذا لم يُعطهم لربما لم يصبروا على إسلامهم، فكان عطاؤه لهم رحمةً منه عليهم، ويمنعُ بعض أصحابه وهم أحبُّ إليه ممن أعطاهم لأنه يعرف أن الإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي، لا يزيد بعطاء، ولا ينقص بمنع!

وهكذا قدر الله في الأرزاق!

إنَّ الله سبحانه يُعطي أُناساً من خلقه مالاً رحمةً بهم، لأنه سبقَ بعلمه أن هؤلاء لا يصلحهم إلا الغِنى، وكذلكَ فإنه يمنعُ عباداً له يُحبهم من كثير المال لأنه يعلمُ أن هؤلاء لا يصلحهم إلا الفقر!

أرسلَ الله تعالى الخضر وموسى - عليهما السَّلام - لثقب سفينة المساكين التي لو لم تُثقب لأخذها منهم الملكُ عنوة، تخيلوا كم كانوا أعزاء على الله حتى يرسل إليهم الخضر العبد الصالح، وكليمه موسى ليحفظ عليهم مصدر رزقهم الذي يبقيهم فقراء ومساكين، فلا هو أغناهم وكان قادراً، ولا قطع رزقهم وكان قادراً، ولكنه علم على حبه لهم أنَّ هذا هو أفضل لهم!

فإنْ ضاقَ رزقكَ فتعزَّ بهم! فربما هذا أصلح لكَ، وفي قلة ذات يدك رقة لقلبك، ولين في طبعك، وهو خير لكَ في آخرتك من مالٍ يُطغيك ويصرفكَ عن ربكَ!

خيرة اللهِ لعبده خير من خيرة العبد لنفسه، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : لو فُتحت حُجب الغيب ما اختار الإنسان لنفسه إلا ما اختاره له ربه!

اللهمَّ رضِّنا بقضائِك،وصبِّرْنا على بلائكَ.

*************************************

مصيبة كبرى، وكارثة عظمى، وقعت بها الأمة

عبد الرحمن سعيد كوكي

بل هي والله مصيبة المصائب، وكارثة الكوارث.

مصيبة إذا استمرت جلبت عاراً وشناراً، وذلاً وهواناً على الأمة.

مصيبة إذا وصلت إلى نهايتها، وتحقق مراد خبثائها، فستخرب الدين، وتدمر الأخلاق، وتهدم الأسرة.

مصيبة تطوح بالمجتمعات، وتضيع الأوطان، ويخسر الجميع فيها الدنيا والآخرة.

إنها مصيبة: (تقديس التفاهة والمعاصي، وتعظيم أصحابها).

فالأصل في أهل العصيان أن ننصحهم وننبههم، ومع نصحهم لابد من تقبيح المعصية في عيونهم.

ولابد من الحط من مكانة قادتها، والداعين لها، والمصرين على فعلها، والرافضين للنصح والإرشاد.

ولكن  ..  وللأسف الشديد

صرنا نرى فتاة تصاب بانهيار عصبي كامل، لمجرد أن رأت مغنياً تافهاً، أو راقصاً فاسقاً.

صرنا نسمع عن فتاة تصاب بحالة هستيرية، وتجتاحها نوبة بكاء صاعقة، لمجرد رؤيتها لفنان ماجن، أو مغن حشاش يتعاطى المخدرات.

صرنا نسمع أن فتاة أغمي عليها، لمجرد أن سمح لها فنان بلا كرامة أن تقبله، أو تتصور معه.

ومن تقديس التفاهة .. تقليد بعض الشباب لبعض الفنانين والفنانات في لباسهم الفوضوي المشرشح البشع، تحت مسمى: (هيك الموضة).

صرنا نرى بعض المجانين والحمقى والسفهاء يضربون حاجبهم بالشفرة لأن أحد المجانين من الفنانين فعل ذلك.

صرنا نسمع أن بعض السفهاء من الشباب والفتيات يلبسون البناطيل الممزقة، التي تظهر اللحم الرخيص من تحت تلك الفتحات، والتي هي صورة عن فتحات أكبر في شرفهم وكرامتهم وعقولهم وأخلاقهم ودينهم.

صرنا نسمع تعظيم الجنون، وتقديس الخبل، والثناء على التفاهة، والتباهي بالذوق الفاسد، والإعجاب بالبهدلة في الثياب والمظهر!!!!!!

أي مصيبة هذه؟!!!!!

وأي انحدار أكبر من هذا؟!!!!

انحدار في الذوق والأخلاق والشرف والقيم والدين.

خلل في المنهج، وضياع في العقل، وانحراف تام عن الهدف من هذه الحياة.

فلا هم يفلحون في الدنيا، ولا هم يصلحون في الدين.

ولكن ... وقعت مصيبة كارثية نتجت عن كل ما سبق.

مصيبة تاريخية من أخطر المصائب في تاريخ الأمة.

لقد وصل الحد بالبعض إلى إشاعة ما يسمى:

(المطالبة بحقوق الشواذ).

أصبحنا في بلاد الإسلام نسمع غربان تنعق بأصواتها تطالب بما يسمى:

حقوق القذرين الوسخين المجرمين!!!

حقوق العصاة الفاسقين!!!

حقوق اللوطيين!!!

وبدأنا نسمع في لبنان وفي بعض البلدان عمن يطالب علناً بتشريع قانون يسمح بتعاطي الحشيشة!!!!!

نعم .. هناك من يطالب بقانون يسمح بتناول ما يدمر العقل ويذهب النخوة والشرف.

وبدأنا نسمع بالقوادين الساقطين، والمنحلين أخلاقياً يطالبون بتشريع قانون يسمح بالدعارة!!!!

ولا أدري .. هل هذا القانون يتناول أمه وأخته وبنته وزوجته؟!!!!!

وهل سيأتي يوم يطالبون فيه بحقوق السارقين وأن يقوم السارقون بسرقة بيوتهم دون عقاب؟!!!

وهل سيأتي زمان يطالبون فيه بحرية القتل وسفك الدماء وأنه ليس على القاتل أي عقوبة؟!!!!

وهل سيطالبون بحرية السلب والنهب والسطو المسلح وأن من يفعل ذلك لايساءل ولا يحاسب ولا يعاقب؟!!!!

وهل سيطالبون بحرية النصب والاحتيال والاختلاس والرشوة وأن من ينصب عليهم أموالهم ليس عليه عقاب ولا عتاب ولا يعيد إليهم أموالهم؟!!!!!

لابد من وقفة جادة شريفة في وجه هؤلاء المجرمين من دعاة الإباحية والشذوذ.

لابد من وقفة عظيمة صادقة في وجه هؤلاء الفاسقين المجرمين.

لابد من إعادة التفاهة إلى مكانها في زبالة التاريخ.

ولابد من إعادة التافهين إلى مكانهم الطبيعي خلف العلماء والعظماء في ذيل قائمة الأمة.

وإلا .. فإن أوطانكم، ودينكم وأخلاقكم، وبناتكم وأحفادكم وأجيالكم في خطر عظيم.

*************************************

 كان الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله تعالى يقول لطلابه دائما:

نريد الطبيب الفقيه... والتاجر الفقيه ... والمهندس الفقيه... وهكذا..

لا تتعجب من عطاء الله...

نعم ...

قليلا ما ترى في الدنيا  مثل دمشق الشام ...

مرض رجل  يوماً  فسأل  عن طبيب متخصص فدلوه على

طبيب اسمه  الدكتور  سامر النص  الحائز  على  شهادة البورد في أمراض القلب وجراحتها، وعندما دخل العيادة قبل الموعد بمدة  سمع  تلاوة للقرآن الكريم، وكأنها تلاوة حية وليست مسجلة، فنظر إلى مرافقه متسائلا؟

فأجابني بالنفي ..أي لا يعلم ..

علم فيما بعد أن الصوت هو لطالب يجمع القراآت العشر على الدكتور في فترة الاستراحة، وعلم أيضا أن هذا الطبيب يؤم الناس في صلاة التراويح في جامع المرابط ويقرأ ختمة كاملة، وهو صهر العلامة المقرئ شيخ مشايخ القراء العلامة المقرئ المتقن محمد طه سكر ..

أرسله  الطبيب بعد الفحص لإجراء بعض التحاليل وكان قدرا أن يجريها في مخبر "علبي وبزرة"  دخل يومها ليرى صاحب المخبر الشيخ  الدكتور خالد العلبي المقرئ الحافظ الجامع إمام مسجد التوبة وهو الاستاذ  الفقيه  يقوم بإجراء التحاليل للمرضى

  • • وقال أحدهم صدف  أن حضرت مرة حفلا في جامع الإيمان يكرمون فيه الطلاب الذين جمعوا القراءات، وإذا ثلاثة منهم في نفس السنة هم الأوائل الثلاثة في كلية الطب بلا منازع ..

وقبل أن تقول وأين العجب ؟

أبادر فأقول :

لاعجب إن كانت هذه نوادر في الناس لكن العجب أن تكون هي السنة المضطردة فيهم والكثرة الكاثرة .

قد تشاهد المستحيلات الستة، لكن لايمكن أن تشاهد عائلة شامية أصيلة إلا وفيها أكثر من حافظ للقرآن الكريم، أو عالم أو داعية  ..

كثيرا ما ترى حافظا وجامع للقراءات العشر أو إماما وخطيبا وداعية وهو طبيب أو صيدلي او مهندس أو محام أو قاض أو بائع لحم وخضار أو نجار  أو بائع يأكل من كسب يده ويتقوت من عمله وعرق جبينه أو ..

كان ابن أبي أصيبعة طبيبا مؤرخا عالما، وكان الشيخ

علي الطنطاوي الأديب الفقيه قاضيا ورئيس محكمة،

وكان الشيخ العلامة أبو اليسر عابدين طبيبا ومفتيا لسوريا، وكان أبو عثمان الدمشقي طبيبا عالما  ،

وكان شيخ مشايخنا الشيخ صالح فرفور نجارا، يأكل من كسب يده، وكان تلميذه شيخنا الشيخ عبد الرزاق الحلبي المقرئ الجامع والعالم العامل شيخ الشام عاملا في معمل سجاد عند أخواله وابنه الشيخ العالم الدكتور سالم الحلبي الحاصل على البورد من أمريكا أهم طبيب جراح للأعصاب في سوريا بل والعالم العربي .. وكان العلامة شيخنا أديب الكلاس طيانا وابنه العالم الفاضل والمهندس الكهربائي الفقيه الداعية أحمد الكلاس، وكان امام المسجد الاموي الكبير الشيخ نزار الخطيب بائع قماش في سوق الحرير بجوار المسجد الجامع يخرج من الدكان ليؤم ويخطب الناس في أعظم مساجد الأرض مسجد بني أمية الكبير، ثم يعود الى دكانه ..

كذا كان الشيخ محمد سكر بائع قماش، وكان من طلابه الدكتور سامر النص والدكتور أحمد تقي والدكتور عادل أبو شعر والدكتور خالد العلبي وكثيرون، وكان الشيخ خليل هبة كذلك، والشيخ أحمد هبة، أعظم شيوخ الإقراء في دمشق وكثرة كاثرة رحمهم الله ..

كان شيخ مشايخنا الشيخ أبو الحسن الكردي رحمه الله تعالى "جزار بقر" وكان مع ذلك حافظا جامعا أخذ عنه أكابر القراء اليوم منهم الدكتور أيمن رشدي سويد والدكتور أيمن دعدع والدكتور حمامي والزعبي وكرزون والطباع وبركات وغيرهم ..

كان معظم طلابهم وتلاميذهم أصحاب شهادات علمية واختصاصات دنيوية وأعمال تجارية، لذلك كانو أعزة ..

كلمتهم من رأسهم، لهم منزلة عند الناس ومحبة وإجلال لتعظيمهم ما بينهم وبين الله ..

هؤلاء كلهم ليسوا عبق التاريخ بل ممن عاصرناهم وقرأنا عليهم ورشفتا من علمهم ...

كانوا كما كان أئمة التاريخ الغابر .. 

أما عن التاريخ فهذه دمشق الشام التي خرجت الإمام النووي والإمام ابن عساكر والإمام الذهبي والإمام ابن تيمية وابن كثير وابن سينا والفارابي والبيقوني وابن قيم الجوزية والحافظ المزي والغزي والسبكي وغيرهم

الكثير الكثير من أئمة الدين الدنيا ..

تلكم هي الشام التي خرجت عشرات آلاف العلماء والدعاة وأرسلتهم إلى الدنيا شرقا وغربا فلا تكاد تزور بلدا إلا وفيه عالم أو داعية أو إمام تخرج من دمشق ..

تلكم الشام الضاربة الجذور في تاريخ البشرية علماً وفقهاً وعقيدة رسوخ الجبال  رغم ما مر عليها  من صنوف البلاء والمستعمرين من تتار ومغول وحملات صليبية  واحتلال فرنسي،

نعم دحروا جميعاً وذهبوا

وبقيت دمشق عامرة بدينها ومنهجها القويم ...

المجتمع الدولي عرف قيمة دمشق  ومكانتها  من حاضر العالم الاسلامي وادرك أنها معادلة صعبة ورقم مستحيل لا بد من ضربها لأن ضرب أطراف العالم الاسلامي لايؤثر تأثيره كما لو ضرب قلبه أي دمشق

تلكم الشام عاصمة  بني أمية التي خرجت منها فتوح المغرب العربي ابتداء  من مصر وانتهاء بالاندلس.

نرجو الله تعالى ان يفرج عن دمشق وعن سورية وعن بلاد المسلمين...

وان يعيد دمشق الى ما كانت عليه  منارة علم وفقه  وهدى

واشعاع نور يضيء ارجاء المعمورة

انه رب ذلك ومليكه 

*************************************

حين تسمع للعالم الشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي وهو يقول أنّ كتبا كثيرة في مكتبتهم نسختها جدّته بخطّ يدها لتختصر على الأبناء وطلاب العلم شراء الكتاب أو تريحهم من عناء الكتابة على اللوح، وأن أحد هذه الكتب يساوي سبع مجلّدات كبار وما تزال عنده إلى اليوم!

حين تستمع لهذا تتعجّب كيف أنّ الجدات عندهم في صحراء بلاد شنقيط «مُوريتانيا» في القرن الماضي كنّ يقرأن ويكتبن ويفهمن ويعلّمن أولادهنّ العلوم العربية والشرعية ، ونحن نظنّ أننا أكثر تحضّرًا وعلمًا غير متخلفين، نعم نحن أكثر حضارة تكنولوجية وتغربًا ولكن أكثر جهلًا ودينًا!

أين دور المرأة عندنا في تعليم أطفالها؟

  • يُجيبُك الشّيخ الددو:

«كل شيوخي في الطفولة هنّ نساء، أمي وعمة أمي وعمّتي!»

أخذ مبادئ العلوم كلّها من أفواه النساء المربيات، ثم بعدما شبّ وحفظ القرآن وهو ابن 7 سنوات، أخذ رواية ورش عن أبيه بسنده ..

أما حين تسمع الددو يقول أنه لا يزال يذكر في صباه وهو ابن 6 سنوات أن أمّه قالت له أعرب: «شجاكَ أظنّ ربع الظاعنين». فقالَ: شجاك، فعل ماضٍ فاعله مستتر ومفعوله الكاف. فضحكن منه أخواته لأنّ شجاك ههنا تكون مصدرًا مضافًا وإن جاز أن تكون شجاك فعل لأول وهلة. فيقول الددو: ولا أزال أذكر بكائي من سخريتهنّ يومئذ!

حين يقول هذا، لا شكّ أنك تمسك دمعك أن يتحدّر حزنًا على الجهل المهيمن على شبابنا في اللغة العربية والعلوم الدينية والتغريب المسيطر على الأمهات اليوم فلا يكدن يعلمهن أولادهن إلا "ثانك يو" و"إكسيكيوزمي"، ولا يهتممن ويغتممن إلا بالموضات وفواتها والمسلسلات وقنواتها..

والله المستعان..

وسوم: العدد 934