معركة سيف القدس امتداد لتاريخ الصراع

د.ناجي خليفة الدهان

fgsdf934.jpg 

لقد كانت معركة سيف القدس بمثابة الصدمة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث فرضت المقاومة نوع المعركة وطبيعتها وحققت المفاجئة الكبيرة، من خلال الرد بأساليب غير متوقعة.

 حيث حققت المقاومة الفلسطينية تطوُّراً مهمّاً في السنوات الأخيرة على صعيد أدائها السياسي والعسكري، ومعرفة أهمّ نقاط القوة والضعف لهذا الاحتلال، فإن هذا جعلها تحقّق مكتسبات متعددة من هذه المعركة، والأمر الذي سيجعلها تخرج بمكتسبات متعددة.

بينما تناول الإعلام العربي المعركة الأخيرة بمعزل عن تاريخ الصراع العربي الصهيوني وكأنه حدث آنيّ، ففي معركة سيف القدس (سمَّاها الصهاينة حارس الأسوار)، نجد التركيز على موضوع السعي الصهيوني لتهجير أحد أحياء مدينة القدس وهو حي الشيخ جرّاح، أو التركيز على الانتهاك الاستيطاني للأماكن المقدسة، وتجاهل جوهر الأمر الذي فجَّر الصراع وتجاوز أصل المشكلة وهي أن هناك وطن محتل وهناك استيطان صهيوني يقوم بتهجير الشعب بقوة السلاح والدعم الأمريكي الصهيوني، وعليه فإن جولات الصراع المستمرة منذ 1948 ستتواصل إلى حين اجتثاث سبب هذا الصراع التاريخي، وهو الاحتلال.. ويمكن ربط تداعيات معركة سيف القدس بجوانبها المختلفة بالاتجاه التاريخي للصراع، وسوف نوضح ذلك من خلال المحاور:

ما هي الرؤيا لمفهوم الصراع العربي الصهيوني وكيف يجب التعامل معه؟

هل معركة سيف القدس هي معركة آنية منفصلة عن تاريخ الصراع العربي الصهيوني؟

هل حققت المقاومة الفلسطينية الأهداف المرجوة منها؟

الموقف العربي من معركة سيف القدس هل يتجانس مع الحدث؟

 المفهوم الحقيقي للصراع

 أولت حكومة دونالد ترمب الاحتلال الإسرائيلي أهمية بالغة في تحقيق أهداف استراتيجية لها علاقة بقضايا مثل "ضم الضفة الغربية المحتلة ومنطقة الأغوار وإعلان القدس عاصمة للاحتلال". ولقد ساعد لاتخاذ هكذا مواقف تراجع مواقف الدول العربية تجاه قضية فلسطين، ولقد شجع هذا التراجع على أقدم بعض دول في التطبيع، التي حظيت بمكانة مهمة لا سيما على صعيد نفوذها الإقليمي أو ترشيحها بديلاً لتأمين الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

الموقف الامريكي للاحتلال الصهيوني لن يتغير بتغير الإدارة الأمريكية، فالكل من معدن واحد وإن اختلفت مسميات الأحزاب الأمريكية! ومن خلال تدقيق الإدارة الأمريكية الحالية والتي سبقتها في عهد ترامب على أقل تقدير، ستجد أن نسبة اليهود في المناصب الرئيسية التي تساهم في صنع القرار كبيرة، وأوضح تصريح للإدارة الأمريكية أدلى به الرئيس بايدن: ( لن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط إلا باعتراف الدول العربية في اسرائيل كدولة يهودية مستقلة)، والتصريح  يتضمن تهديدا واضحا للدول العربية، وبالمقابل نجد أن كل وسائل الإعلام العربي لا تشير إلى عبارة دولة يهودية، وتتكلم فقط على عبارة دولة مستقلة، ولا أدري هل هو خطأ لغوي أم هو تضليل للشعب العربي خدمة للمشروع الصهيوني!

وهذا المسمى -دولة يهودية- يعني يوجد ثلاثة ملايين فلسطيني (عرب 48) تحت الاحتلال في فلسطين التاريخية ومعهم الجنسية لسلطة الاحتلال يجب أن يخرجوا لأنهم ليسوا يهودا، ولذلك فإن دولة الاحتلال (ما يسمى إسرائيل) ليس فيها دستور لأن الدستور يعرف من هو المواطن في الدولة، و تصريح بايدن هو أخطر من وعد بلفور الذي كان يطلب للشعب لليهود وطن، وطبقا للتصريح الذي يكون مواطن في (اسرائيل) يجب أن يكون يهوديا، أي دولة دينية هذه أمريكا دولة الحريات والديمقراطية تدعم العنصرية الصهيونية، إذا كان جهاز الإدارة في عهد بايدن من اليهود، فلا يمكن لوسيط غير نزيه يحل مشكلة فيها طرف منحاز.

لكن التاريخ والجغرافية يقولون بأنها دولة فلسطين! وإن هناك سلطة احتلال كما سمتها الأمم المتحدة في قراراتها، والمطلوب من الإعلام العربي على الأقل تصحيح الخطاب ليس هناك دولة بل سلطة احتلال، كيف تكون القدس عاصمة لها وهي سلطة احتلال، لا يوجد قدس شرقية وغربية بل كل القدس عربية وعليكم تصحيح خطاباتكم أيها السياسيون العرب، يجب أن يتبنى الإعلام سلطة الاحتلال لإعادة تصحيح الخطاب للأجيال القادمة، إن تعريف الدولة يجب أن يكون لديها حدود وشعب، وهذا لا ينطبق عليها لأنها تدعي دولة دينية عنصرية وهي الوحيدة في العالم وهذا مخالف لكل القوانين والأعراف، والثاني بأنهم لا يعترفون في حدود كما يقول بن غورويا ( حدودك يا إسرائيل إلى حيث يصل جيشك) يجب ألا ننسى تصريحاتهم وأهدافهم والطمع في السيطرة على المنطقة.

ما بعد معركة سيف القدس

 ليس مطلوبا من صواريخ المقاومة أن ترسي التوازن الاستراتيجي، ومهمة هذه الصواريخ هي ردع إسرائيل عن العدوان، وعند توحيد القدرات قد تفعل هذا في المستقبل، وهو أمر غير مستبعد. والمطلوب منها اليوم أن تبث شحنةً من الخوف في المستوطن الذي يعتدي على الفلسطيني. يجب أن ينام خائفا على الأقل، ويعرف أن هناك شعبا مقاوما لن يتنازل عن حقوقه في فلسطين.

الجانب النفسي مهم جدا في هذه المعادلة. وقد تبين أثره سلاحا فعالا في كل الحروب، وحين سقطت الصواريخ القادمة من غزة، مساء يوم الإثنين 10 مايو 2021 الموافق 28 رمضان 1442، على محيط مدينة القدس للمرّة الأولى، شاهد العالم بالبث الحي، كيف أن الكنيست الإسرائيلي أوقف اجتماعه، وهرع نوابه يتراكضون إلى الشارع. وعلى الطرف الآخر، تلقى الشارع الفلسطيني في القدس جرعةً معنويةً عالية زادت من حماسة المرابطين والمتضامنين الذين كانوا يصلون من مناطق أخرى من فلسطين. وعلى الفور، اشتعلت مواجهاتٌ في مناطق أخرى بين الشباب الفلسطيني وجنود الاحتلال في عدة مناطق.

وشكّلت المظاهرات والاعتصامات والمشاركة الشعبية في التوجه نحو المسجد الأقصى من قبل فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، ظاهرة صدمت أغلب الخبراء والقيادات السياسية الصهيونية إلى الحد الذي حذر معه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين من حرب أهلية، بل بلغ الأمر حدّ فرض حظر التجول مما دفع بعض وسائل الإعلام الغربية إلى وصف ما يجري في هذه المدن بأنه «جبهة مواجهة ثانية» إلى جانب المواجهة مع غزة. أن هذا التطور سيكون له تداعيات استراتيجية أعمق مما يبدو للوهلة الأولى، فهذا التطور ليس منفصلاً عن تيار تاريخي توضحه مواجهات سابقة مع السلطات الصهيونية لعل أبرزها «يوم الأرض» عام 1976، والذي تحول لمناسبة سنوية يحييها الفلسطينيون في كل المناطق، وأصبحت تشكل عنصر تعميق لوحدة جغرافيا الشعب الفلسطيني وتنظر لها «إسرائيل» كظاهرة مقلقة وتعبير عن الترابط الفلسطيني، وكشفت معركة سيف القدس الواقع العربي والدولي وآثرها على الشعب المقاوم وكم يلي:

  1. وتكشف معركة سيف القدس أن الدول العربية انقسمت إلى ثلاث مجموعات؛ دول تعترف اعترافًا كاملاً بـ  «إسرائيل» وليست على استعداد لاتخاذ أيّ خطوات عملية ضد «إسرائيل» مهما تصاعدت حدة القتال، ودول تعمل في نطاق الدبلوماسية بالإنابة، والتي تعني أن الولايات المتحدة تكلف هذه الدول العربية بالتواصل مع خصوم واشنطن في المنطقة، أما المجموعة الثالثة فهي التي أبقت تأييدها للمقاومة الفلسطينية دون إجراءات فعّالة..
  2. المواجهة الأخيرة سوف تظهر تنامي مستوى تأييد للحقوق الفلسطينية منذ 1987 (الانتفاضة الأولى)، وقد كشفت الاستطلاعات عن تزايد التأييد «النسبي» للفلسطينيين في أوساط الحزب الديموقراطي الحاكم في واشنطن، ولدى الرأي العام الأمريكي بشكل عام، كما أن تأييد 14 دولة عضوًا في مجلس الأمن الدولي لبيان عارضته أمريكا وحدها يؤشر على هذا التغير النسبي.
  3. وضعت معركة سيف القدس دول التطبيع موضع الحرج أمام شعوبها والشعوب العربية بشكل عام، وقد دلت ردود الفعل الشعبية العربية والإسلامية على الهوة العميقة بين توجهات الإدارات العربية الرسمية وبين طموحات الشعوب العربية، وهو أمر تدرك قيادة الاحتلال أن له خطورة استراتيجية على المدى البعيد.
  4. تنامي الخبرة التقنية والتكتيكية لقدرات المقاومة العسكرية، وقد ظهر جليا في معركة سيف القدس على أن قدرة المقاومة من الناحية العسكرية تحسنت بقدر واضح وبشهادة الطرف المحتل، لكن ذلك لا ينفي أن ثمن المواجهة ليس هينًا، لكن متابعة الإعلام الصهيوني يدل بشكل واضح على نوع من «الإنهاك النفسي» للمجتمع الإسرائيلي الذي يشعر بأنه اسمرار الاشتباكًات منذ أكثر من 54 عامًا، خصوصًا مع تزايد تراجع تأييد الرأي العام الدولي لـ «إسرائيل» حتى في بعض الدول المؤيدة تقليديًا لها، وتنامي قدرة المقاومة، حيث أشار المعهد القومي الإسرائيلي للدراسات الأمنية التابع لجامعة تل أبيب إلى تطور صواريخ الفلسطينية في هذه الجولة من النواحي (تحسن في المستوى التقني ودقة إصابة الأهداف وتحسن في مستوى القيادة والسيطرة وارتفاع أعداد الصواريخ في الرشقة الواحدة ).
  5. ضرورة استثمار معركة سيف القدس استثمارا إعلاميًا وثقافيًا لتأكيد فعالية العمل المقاوم مقارنة بدبلوماسية أوسلو التي فشلت فشلاً ذريعًا، وهو ما يؤسس لتوسيع القاعدة الشعبية المساندة للمقاومة.
  6. العمل مع الحلفاء الإقليميين والدوليين على إعطاء الأمم المتحدة دورًا يتوازى في أضعف الاحتمالات مع دبلوماسية الإنابة (الوسطاء الاقليميين) إنْ لم تتوفر فرصة ترجيح دور الدبلوماسية الدولية، خصوصًا أن هناك عداءً شديدًا للأمم المتحدة من «إسرائيل» والولايات المتحدة..

يجب استثمار ما حققته معركة سيف القدس في كافة الجوانب وفي الأخص موقف الشعب الفلسطيني الموحد الذي حقق صدمة لقوات الاحتلال، والعمل على توافر إرادة سياسية إلى جانب أداة دفاع عن النفس، فإن المعادلة تختلف كليا، ويستطيع الطرف الفلسطيني أن يتحدّث بلهجةٍ عالية، ولا يتلقى الإملاءات الدولية.

عملت الانتفاضة الفلسطينية في المعركة على بناء وعي جديد لدى القوى الإقليمية والدولية عن حقيقة مكانة إسرائيل وقدراتها، وزيادة الثقة لدى المقدسيين والفلسطينيين أينما كانوا بأنهم قادرون على فرض الوقائع بالقوة، وهذا وحده كفيل بتكسير أنف سلطة الاحتلال (إسرائيل)، وشاهدنا بسالتهم وصمودهم، وهو خير دليل، وأضعفت ثقة الحلفاء بالعدو الصهيوني الذي أصبح بوليس المنطقة.

يجب تذكير العالم والمطبعين أن التاريخ والجغرافية يقول: إنها دولة فلسطين وهناك سلطة احتلال كما سمتها الأمم المتحدة في قراراتها، والمطلوب من الإعلام العربي على الأقل تصحيح الخطاب فليس هناك دولة بل سلطة احتلال، فكيف تكون القدس عاصمة لها وهي سلطة احتلال، والقدس عاصمة فلسطين وعليكم تصيح خطابكم أيها السياسيون العرب وعاشت فلسطين حرة عربية.

وسوم: العدد 934