خطاب القسم: يوم طويل في حياة السوريين… وشيرين تؤدي التحية العسكرية للسيسي!

وقت طويل استغرقَه المتابع لحفل خطاب قَسَم بشار الأسد قبيل الوصول إلى المنبر. كان علينا أن نتابع الأوتوستراد العريض والخالي المفضي إلى القصر، والمساحات الهائلة الفارغة، ثم مشيته وحيداً على السجاد الأحمر المديد. طقس منسوخ، مرة أخرى، من حفل قَسَم الرئيس الروسي بوتين، مع فارق في كل شيء، حيث قصور بوتين العملاقة والأبواب والأعمال الفنية على جدران الممرات، والأهم حيوية وكاريزما لن تجدها في النسخة السورية، بل سيلفتك هذا البطء الذي يعكس تراخياً، إن لم نقل خشية من اختلال التوازن.

حرِصَ رأس النظام على اتباع مسار خاص، من دون أي مصافحة أو اقتراب من حشد المستمعين. أنهى خطابه وحثّ الخطى خارجاً مقفلاً الباب وراءه، تاركاً نائبته نجاح العطار، في مشهد مشفق، تجهد في الوصول من دون أمل.

في كتاب الطاغية حيلٌ لا تحصى لحكم الناس، ليس مهماً إن بدت مقنعة أم لا، ليس مهماً إن بدت مكشوفة إلى هذا الحدّ أو ذاك، لأن الكتاب برمّته، والحيل كلّها، ستكون بلا معنى من دون سلاحٍ وحيلةٍ أمضى: الخوف.

الكتلة المتروكة في القاعة ستتنفس الآن، تبدأ بالانفراط والتقاط الصور. هؤلاء الذين كانوا للتوّ مرتّبين مثل «صفط» البيض (مصفّطين) ممنوعين من أي حركة أو التفاتة أو نَفَس، بدأوا الآن بالتقاط الصور كي يثبتوا لزملائهم قليلي الحظ أنهم من بين الأثيرين لدى القصر.

رأس النظام الذي حرصَ على الانفصال عن حاشيته، إن لم نقل على احتقارهم، سيحاول أن يسلك طريقاً آخر تجاه الشعب في مساء اليوم ذاته؛ سيمضي مع عائلته إلى أكثر الأسواق الدمشقية ازدحاماً والتقاط صور يتلاحم فيها مع الناس، على تضاد مع صور القصر. لا جديد بالطبع، إنه يقرأ في كتاب الطاغية الذي نهل منه هتلر وعيدي أمين وصدام حسين والقذافي… في الظاهر هو مع الناس، يأكل ويحادثهم بل ويمازحهم (سألَ المصوّرَ ضاحكاً: «هذا الفيديو لوين رايح؟». في إشارة لا تخفى عن أن كل صورة هي جزء من مؤامرة كونية، وأن الفيديو ذاهب حتماً إلى جهة مشبوهة. للمصادفة سيأتي جواب المصور/ العامل: «لعند الحجي صاحب المحل، بتركيا»). لكن جميعنا يعرف أن هذه الزحمة مدروسة ومحسوبة، وأن حول المكان طبقات من الحراس والأسلحة والمنع من الاقتراب والتصوير إلا بحساب. ما يعني مجدداً أن الرئيس كان وحده مرة أخرى في حيّ الجزماتية، في مسار منفصل تماماً عن الناس، كما في طريقه إلى القصر.

هنالك، في كتاب الطاغية، حيل لا تحصى لحكم الناس، ليس مهماً إن بدت مقنعة أم لا، ليس مهماً إن بدت مكشوفة إلى هذا الحد أو ذاك، لأن الكتاب برمّته، والحيل كلّها، ستكون بلا معنى من دون سلاحٍ وحيلةٍ أمضى: الخوف.

غدر ونفاق!

تقتطع «سانا» وكالة أنباء النظام السوري جزءاً من خطاب بشار الأسد وتبثّه، إلى جانب مقاطع بعناوين أخرى، تحت عنوان «ماذا قال الرئيس الأسد عن القضية الفلسطينية والجولان؟» يقول فيه: «الفلسطينيون هم أشقاؤنا، وإن التزامنا تجاه قضيتهم وحقوقهم ثابت لا تبدّله أحداث أو ظروف أو غدر أو نفاق»..

بشار الأسد: «الفلسطينيون هم أشقاؤنا، وإن التزامنا تجاه قضيتهم وحقوقهم ثابت لا تبدّله أحداث أو ظروف أو غدر أو نفاق»!

الحديث عن غدر أو نفاق، هكذا من دون تحديد الجهة المعنية، مخيف، وسيعني كلّ الفلسطينيين، وقد يشكّل تعبئة ضد الفلسطينيين، المقيمين في سوريا خصوصاً، هذا إن سلّمنا في الأساس بحق النظام في وصم المعارضين لجرائمه بالغدر والنفاق!

على الأقل فإن الخطاب لا يساوي بين الفلسطينيين وأهل الجولان في العبارة التالية مباشرة «أهلنا في الجولان الذين ضربوا أروع مثل في الانتماء للوطن والتمسك بهويتهم،.. وأثبتوا أنهم سيبقون مخرزاً عيون الطارئين من الغزاة في أرضنا».

شيرين تؤدي التحية العسكرية

تماماً في الوقت الذي يعتقل الكاتب المصري عبد الناصر سلامة (رئيس تحرير سابق لـ «الأهرام») بسبب مقال يدعو فيه السيسي للتنحي ووضع نفسه أمام القضاء لمحاكمته على جناياته العديدة بحق مصر، وأبرزها هزيمة معركة النيل أمام أثيوبيا، تغرّد مواطنته المغنية شيرين عبدالوهاب معبرة عن سعادتها بالغناء أمام السيسي، كما تتناقل الأخبار صورتها مؤدية له التحية العسكرية أثناء الأغنية. تقول شيرين في تغريدتها: «اتشرفت اني غنيت قدام سيادتك، و شاركت في حدث عظيم انشالله لأول مرة هيرفع عن ملايين من اهلنا المعاناة و يوصلهم لحياة كريمة يستحقوها. ربنا يخليك ويحفظك لمصر و لينا. و ذكرك لربنا في كل خطابات سيادتك بجد حاجة من اجمل و اغلى ما اسمع و اكثر شيء بيطمنني على بلدي».

لو تُرك الناس على سجيّتهم لقالوا الكثير، لكن حين تفلت عليهم كلاب المخابرات ونقاباتها سيصيرون شيرين عبدالوهاب.

ما لفتَ المعلقين على تغريدتها وأغنيتها الوقفة الواثقة، ولا كأنها تمرّ بمحنة تسريب تسجيل صوتي لها، وتطرّقٍ إلى حياتها الخاصة في أخبار الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي!

تطلّ شيرين متماسكة أكثر من أي وقت مضى، في وقت كان ينتظر ويتوقع كثيرون انهيارها. فهل هذا هو الثمن الذي كان عليها أن تدفعه؟ الركوع أمام الطاغية كي يهش عنها الألسنة؟ وهي قد عانت منها مراراً منذ تعليقها بخصوص مياه النيل التي تصيب بالبلهارسيا.

في بلاد المخابرات، منذ صلاح نصر وحتى عبدالفتاح السيسي، يصعب أن يبقى نجم، مهما سطع، خارج دائرة المطبّلين، وإلا سيدفع الثمن باهظاً، أقلّه أنه لن يعود نجماً، سيغدو شيئاً لا يذكر.

ليس هذا تبريراً لشيرين بالطبع، فالضمير والكلمة الحرة الصادقة يستحق أن يدفع المرء حياته، لا نجوميته فحسب، من أجلها. إنما الفكرة في أن الناس لو تركوا على سجيتهم لقالوا الكثير، وإنهم حين تفلت عليهم كلاب المخابرات ونقاباتها سيصيرون شيرين عبدالوهاب.

وسوم: العدد 938