تحية من سورية الجريحة إلى جنين البطولة والفداء

نستلهم من جنين الشموخ والفخر والتضحية والصبر والصمود والعزيمة والعزة والشموخ والنصر، جنين علمتنا كيف يكون الصمود لحماية قلاعنا من السقوط، وعلمنا شعبها البطل معنى الشهادة والتضحية والفداء، لمواصلة المسيرة، مسيرة التحرير حتى زوال الاحتلال عن فلسطين؛ كل فلسطين من النهر إلى البحر، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

جراحنا التي لا تزال تنزف منذ ما يزيد على اثني عشر عاماً لم تنسنا جراحات أهلنا في فلسطين، لأنها تعشعش في وجداننا وخفقات قلوبنا، فدماؤنا دماؤهم ودماؤهم دماؤنا تسري وتتفجر من ينبوع واحد يجمعنا اسمه "الشآم"، فإذا ما شغلتنا جراحنا الممتدة على خريطة بلاد الشام فإنها لن تشغلنا عما يجري في فلسطين الطهر والقدسية لبلاد الشآم.

سلام لكل شهداء جنين؛ وسلام لهم يوم وُلدوا ويوم يُبعثون، ففي جنين الثورة والثوار كانت التضحية والفداء هي العنوان، لقد عودتنا جنين دائما أن تعزف لحن الوفاء إنها جنين.. المعركة والخلود.. إنها جنين.. التحدي والصمود.

جنين تفوح رائحة البارود والرصاص في كل مكان من أحيائها وأزقتها، ويعيش سكانها حياتهم بطرقهم الخاصة، شهيد يودع شهيد وشهيد يوصي بشهيد، شهداء جنين حالهم وشكلهم يختلف عن باقي شهداء فلسطين، ففي شوارع وأزقة جنين تشتم رائحة الدم الطاهر في كل مكان، في كل بيوت وشوارع وأحياء جنين تعيش الموت وتودع أبناءها الشهداء بالزغاريد في مواكب جنائزية مُهيبة، ولكن للحياة في جنين طعم آخر فهي محاطة بوابل من الآلام والآمال معاً.

معركة بطولية عظيمة سجلتها الجماهير بكل قوة وبكل عنفوان، وهذا ما جعل المعركة تطول أمام الآلة الصهيونية الحاقدة، اليوم لقنت جنين المحتلين الغزاة دروساً قاسية سوف يكتبها التاريخ بأحرف من نور، حيث انطلق أبناؤها كالأسود الثائرة يضربون العدو في كل مكان، حتى جعلوه يعيش في حيرة من هذه المواجهة وهذا التحدي وهذا الصمود.

إن معركة مخيم جنين هي معركة الدفاع عن الكرامة وهي معركة الصمود والبطولة والتضحية والتصدي لآلة الحرب الصهيونية المتوحشة، شهداء حفروا أسماءهم في سجل الخالدين؛ وسطروا بدمائهم الطاهرة حكايات مجد وفخر وشرف، معركة مخيم جنين أحد أهم ملاحم الكفاح والتضحية والصمود الفلسطيني.

لقد جن جنون الصهاينة فاقتحموا المدينة لكنهم فوجئوا بأبناء جنين الأشاوس موحدين يدافعون بشراسة عن مدينتهم إنها وحدة الكلمة والموقف ووحدة الصف، مما جعل العدو الصهيوني يصاب بهستيريا وجنون وفقدان الوعي، فلا فرق بين أبيض وأسود وأصفر فكل الألوان سواسية، والتي تمثل الحق أمام لون الحقد والكراهية والجنون والقتل والدمار، والذي لا يمثل إلا باطل لا معنى للألوان فيه إن لم تكن موحدة في صف واحد أمام غطرسة وجبروت عدو ماكر ومُخادع ومتوحش، ولا يعرف إلا القهر والظلم والاستبداد.

إن العجز والصمت الدولي هو ما يشجع حكومة الاحتلال على ارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني على مرأى العالم ومسمعه، وما يزال هذا المجتمع الصامت يستخف بحياة الفلسطينيين، ويعبث بالأمن والاستقرار عبر مواصلته لسياسة القتل والبطش والاعتقال والسجن والتدمير.

معركة مخيم جنين تعتبر من أهم ملاحم الكفاح والتضحية والصمود الفلسطيني، خاضتها كل الفصائل من المجاهدين فحققت النصر المشترك، إنه النصر الفلسطيني المشترك من كل التشكيلات الفلسطينية المسلحة التابعة لفصائل المقاومة الوطنية والإسلامية في جنين ومخيمها.

العربدة الصهيونية والاقتحامات المتواصلة لمدن الضفة، والتي تؤكد بأنه لا سبيل أمام الفلسطينيين إلا التصدي لهذه العربدة وهذه الوحشية بكل أشكال المقاومة مهما غلت التضحيات وكثر التنكيل والهدم والاعتقال والسجن، وارتكاب المجازر التي تنفذها عصابات الاحتلال الصهيونية في ظل صمت دولي مريب.

إن دماء المسلمين في فلسطين اصبحت بازاراً للمزايدات بين الأحزاب الصهيونية (نتنياهو وبن غفير ولابيد وغانتس وسومتريتش) لذا على شعبنا حسم خياراته، فالمقاومة بكل أشكالها وأساليبها هي السبيل للخلاص الوطني، وأنه لا عودة عن المقاومة إلا برحيل آخر جندي ومستوطن عن الأرض الفلسطينية، واستعادة كل شبر من أرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، وما كان ارتقاء شهداء جنين إلا رعبون الخلاص والتحرر وعهد على استمرار المقاومة والكفاح المسلح والتصدي لإرهاب الاحتلال.

ستبقى جنين خزان الثورة والانتفاضة الفلسطينية، وستبقى جنين أيقونة الكفاح، وتقدم العطاء والتضحية، ولها أن تفخر بأبنائها الشهداء ففيها استشهد عز الدين القسام في جبال يعبد وفيها ولد وترعرع الشهيد خالد نزال واستشهدت الطالبة منتهى الحوراني بعد دهسها من إحدى آليات الاحتلال خلال قيادتها مسيرة طلابية عام 1974 وفيها استشهدت أيقونة الصحافة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة وفي جنين ولد وترعرع أسرى سجن جلبوع، وتصحو كل يوم في جنين على خبر شهيد أو معتقل أو جريح، أو هدم بيت، وهي التي قدمت في الانتفاضة الوطنية الكبرى «انتفاضة الحجارة» وحدها قرابة 220 شهيداً وأكثر من 14 ألف جريح، جنين لا تستطيع أن تصفها الكلمات والمرادفات، والتي عبر عنها المخرج الفلسطيني محمد البكري وهو صاحب الفيلم الشهير (جنين جنين) قائلاً: «ليس فقط الموت، كانت التفاصيل الصغيرة تقتلني، أتذكر ذلك اللاجئ الذي قال لي عن صدمته عندما أفاق صباحاً ووجد منزل جاره كومة حجارة .

ستبقى جنين رمز البطولة ورمز الكفاح والفداء، جنين الشهداء والجرحى والأسرى، جنين العز والكرامة والاستبسال، جنين التضحية والإقدام، جنين التي لم تنتظر مساعدة من أحد، جنين الشباب والأطفال الذين يضحون بأرواحهم في سبيل الدفاع عن تراب فلسطين، جنين وغيرها من المدن الفلسطينية تحتاج إلى وقفة عربية وإسلامية ودولية ضد الاحتلال الصهيوني، وتحتاج إلى فعل لحماية هذا الشعب الذي يُضطهد ويُستباح دمه كل يوم، الشعب الفلسطيني يحتاج إلى حماية دولية فورية عاجلة ودائمة حتى دحر هذا الاحتلال من أرض فلسطين ونيل الاستقلال التام والحرية.

جنين القسام اسمها مِن فِعلها المُقاوم الذي احتضَن رِجال المُقاومة مُنذ بدايةِ الاحتلال، ومن تاريخِ عَوائلها المُجاهدة التي شَاركتْ منذُ بدايةِ الاحتلال الصهيوني في صُفوفِ الفِدائيين فَقدمت الكثيرْ من شهداءِها في المعاركِ ضد الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية، هذه المكانةَ تُوجت حين احتَضَنت أحراشها الشيخ المُجاهد عز الدين القسام ورفاقه المجاهدين الذي خاضوا بطولات سَجلها التاريخ المُعاصر بمدادِ من نُور في مُواجهةِ الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني، ولم يَكن مستغرباً أن يُطلق على جِنين لقَب ” جنين القسام” وهي التي قَدمت ودَعمتْ وسَاندت ثورة الشيخ القَسام والشَيخ السعدي في جِهادِهما البطولي.

جِنين بمُخيمِها وقُراها حَاضرة وبقوةٍ في فَعاليات الانتفاضة مِن خلالِ العمل الفدائي اللافتْ، لاسيما في مخيمِ جنين الذي خاضَ معركةِ البطولةِ والفِداء وأفشلَ مُخططات شارون ورئيسِ أركانِ جيشهِ شاؤول موفاز في اجتثاث المُقاومة على الرغمِ من الثمنِ الكبير الذي دفعهُ المُخيم من شهداءهِ وجَرحاه وأسرّاه، ففي كلِ مرةٍ ظنً فيها الاحتلال أنهُ أخْمدّ وهْج المُقاومة في جنين.

المصدر

*مدى نيوز-28/6/2023

وسوم: العدد 1040