هل أمريكا جادة في إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة مجرم الحرب بشار الأسد

تم طُرح -يوم الثلاثاء 20 من حزيران الماضي- مشروع قرار في مجلس النواب الأمريكي، والذي يدعو إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة النظام السوري على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري.

محمد غانم، رئيس قسم التخطيط السياسي في “المجلس السوري-الأمريكي”، نشر عبر “فيس بوك” نص البيان الصادر عن “التحالف الأمريكي لأجل سورية”، وجاء فيه "إن هذه الخطوة تأتي بدعم من منظمات التحالف الأمريكي لأجل سورية”.

ويسعى مشرع القرار إلى إنشاء آلية قضائية دولية مختصة بسورية عن طريق الجمعية العمومية للأمم المتحدة لتجاوز “حق النقض” الذي تستخدمه روسيا (الفيتو).

ويدعو المشروع الرئيس الأمريكي إلى توجيه السفيرة الأمريكية للأمم المتحدة لاستخدام “صوت وتصويت ونفوذ الولايات المتحدة للدعوة الفورية لإنشاء آلية دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية”.

كما ينوه مشروع القرار، وفق البيان، إلى توافر كم كبير من المعلومات تثبت ضلوع حكومة النظام السوري بقيادة “الدكتاتور بشار الأسد” بانتهاك عدد كبير من الاتفاقات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها سورية، كاتفاقية جنيف، منذ عام 2011.

ويلفت إلى أن إقامة محاكم خاصة من هذا النوع عبر الأمم المتحدة جرى بنجاح في حالات مشابهة للحالة السورية كيوغسلافيا ورواندا.

ما المطلوب؟

يطالب مشروع القرار بإعلان أمريكي يتضمن الدعوة الرسمية لإنشاء المحكمة، وأن تساعد واشنطن في وضع أصول إجرائية قضائية تمكن من إجراء محكمات علنية وعادلة للمتهمين باقتراف هذه الجرائم.

ويطالب بتعاون أمريكي مع هذه المحكمة الخاصة وتقديم الدعم والمعلومات لها، وحض جميع الدول الأخرى المعنية على إلقاء القبض على المتهمين.

وتضمنت رسالة أرسلها “التحالف” إلى أعضاء “الكونجرس” أن “بعض القوى الإقليمية سعت مؤخرًا إلى التغاضي عن الجرائم الوحشية التي ارتكبها سفاح سورية بشار الأسد، وإلى تطبيع العلاقات معه والترحيب به مجددًا وكأن شيئًا لم يحصل، وأن محاسبة الأسد وأعوانه على جرائمهم أمر ضروري لضمان عدم تكرار هذه الجرائم”.

كندا وهولندا من قبل

وتأتي هذه الخطوة بعد ما ذكرت محكمة العدل الدولية في 12 من حزيران، عبر بيان لها، أن حكومتي كندا وهولندا رفعتا دعوى مشتركة ضد النظام السوري لدى المحكمة بشأن تهم تعذيب بحق السوريين، وتطلبان من المحكمة الإشارة إلى “تدابير طارئة”.

وجاء في بيان المحكمة الدولية، أن كندا وهولندا ذكرتا طلبهما أن “سورية ارتكبت انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، بقمعها العنيف للمظاهرات المدنية”، وطالبتا باتخاذ تدابير طارئة لحماية المعرضين لخطر التعذيب.

كما سجل "التحالف الأمريكي لأجل سورية"، الذي يضم عدة منظمات في مقدمتها "المجلس السوري - الأمريكي"، عدة نجاحات مهمة عندما تمكن من تكريس "قانون قيصر" للعقوبات على النظام السوري بعد عراقيل عدة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ثم "قانون الكبتاغون" في عهد خلفه جو بايدن، ثم الضغط لتمرير قانون يحظر التطبيع مع النظام في مايو/أيار الماضي من قبل لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس، مع انتظار التصويت عليه.

وحالياً كشف التحالف عن مشروع جديد، وهو مشروع قرار لآلية خاصة بسورية تهدف لإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة النظام على العديد من الجرائم المتهم بارتكابها.

مشروع قرار لإنشاء محكمة دولية خاصة بسورية

وكشف "التحالف الأمريكي لأجل سورية"، أن مشروع القرار يدعو إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة النظام على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها بحق الشعب السوري، وذلك عن طريق إنشاء آلية قضائية دولية مختصة بسورية عن طريق الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك لتجاوز الفيتو الروسي في مجلس الأمن.

وأكد التحالف، الذي يشارك أعضاؤه المختصون بصياغة مسودات مثل هذه المشاريع، أن المشروع الجديد يدعو الرئيس الأمريكي إلى توجيه سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد لاستخدام "صوت، وتصويت، ونفوذ الولايات المتحدة للدعوة الفورية لإنشاء آلية دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم بحق الإنسانية، وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية".

ويؤكد المحلل السياسي محمد صبرا: "إذا مر القرار سيلزم كل إدارة أمريكية باعتبار بشار الأسد مجرم حرب مع وجوب ملاحقته".

ويشير مشروع القرار إلى توافر قدر كبير من المعلومات التي تثبت ضلوع "حكومة الجمهورية العربية السورية بقيادة الديكتاتور بشار الأسد بانتهاك عدد كبير من الاتفاقات والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها سورية، ومنها اتفاقيات جنيف، منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا". كما يشير إلى أن إقامة محاكم خاصة من هذا النوع عبر الأمم المتحدة قد جرت بنجاح في حالات مشابهة للحالة السورية كيوغسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون.

كما يطلب مشروع القرار، أن تعلن الولايات المتحدة دعوتها لذلك رسمياً، وأن تساعد في وضع أصول إجرائية قضائية تمكّن من إجراء محاكمات علنية وعادلة للمتهمين باقتراف هذه الجرائم، وأن تتعاون مع هذه المحكمة الخاصة وتُقدم لها الدعم والمعلومات، وأن تحض جميع الدول الأخرى المعنية على إلقاء القبض على المتهمين.

وجاء في الرسالة التي وُجّهت إلى أعضاء الكونجرس لدعوتهم لتبنّي مشروع القرار هذا، أن بعض القوى الإقليمية قد سعت في الأشهر الأخيرة إلى التغاضي عن "الجرائم الوحشية" التي ارتكبها النظام، وذهبت نحو ‫تطبيع العلاقات معه والترحيب به مجدداً وكأن شيئاً لم يحصل، وأن محاسبة الأسد وحاشيته على جرائمهم أمر ضروري لضمان عدم تكرار هذه الجرائم.

تحرك غربي لتثبيت عزلة الأسد

ومنذ كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في 6 فبراير/شباط الماضي، والانفتاح على النظام إقليمياً وعربياً من باب تقديم المساعدة وصولاً إلى إعادته للجامعة العربية وحضور بشار الأسد قمة زعمائها الأخيرة في 19 مايو/أيار الماضي، لوحظ تحرك غربي لتثبيت عزلة مجرم الحرب بشار الأسد من جديد، وعلى الأقل عدم وصوله للتعويم الدولي.

فصدر "قانون الكبتاغون" الذي يحاول الأسد إيقاف تنفيذه، أو عرقلته على الأقل، وفرضت دول أوروبية عقوبات جديدة على النظام، وقدّم نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة مشروع قانون يمنع التطبيع مع النظام، من المتوقع مروره وتصديق بايدن عليه قبل نهاية العام الحالي.

كما تشير كل هذه الخطوات إلى عدم أهمية إعادة النظام "المشروطة" أساساً إلى الجامعة العربية، التي تنتظر التقرير الأول من اللجنة الوزارية العربية، التي اعتمدها بيان عمّان، وتبناها القرار 8914 من الجامعة العربية، الذي أعاد النظام إلى مقعد سورية في الجامعة.

ومن المرتقب أن يوضح التقرير ما إذا كان النظام قد اتخذ خطوات لإزالة المخاوف العربية والغربية، حيال الحل السياسي والملف الأمني بما في ذلك تصنيع وترويج وتصدير المخدرات، إضافة إلى مسألة إعادة اللاجئين. غير أن مسألة طرح فكرة المحكمة الدولية من إحدى أهم عواصم صنع القرار في العالم، خلطت الأوراق في الملف السوري من جديد.

وأكد محمد علاء غانم، المسؤول عن التخطيط السياسي في "المجلس السوري -الأمريكي" و"التحالف الأمريكي لأجل سورية"، أن المسودة التي أعدت وأعلن عن بعض تفاصيلها هي لمشروع قرار وليست لقانون.

وكشف غانم في حديثٍ مع "العربي الجديد" أنه كان من المفترض أن يقدّم مشروع القرار للكونغرس الثلاثاء مايو/أيار، لكن بسبب وجود عطلة طويلة في الولايات المتحدة تأجل طرح المشروع إلى مساء الخميس أيار/مايو، ليأخذ النواب العائدون من الإجازة وقتهم في دراسته ووضع الملاحظات عليه إن وجدت.

ولفت غانم إلى أن تقديم مشروع القرار إلى الكونجرس لا يعني التصويت عليه، وإنما يتم اعتماده كمسودة رسمية وإلحاقه برقم وقيدٍ، مشيراً إلى أن عملية التصويت والإجراءات التي تعتمد القرار وتجعله نافذاً هي إجراءات لاحقة.

النظام استخدم الأسلحة المحرمة دولياً 262 مرة في سورية

وحول ما إذا كانت كثرة المشاريع التي يساهم بها التحالف لتقديمها والدفع بها إلى الكونجرس، ستشتت جهود حصار النظام ومحاسبته فيما بينها، أشار غانم إلى أنه "لا يمكننا الاعتماد على خط واحد، والعمل بالنسبة لنا تراكمي وعلى أكثر من مسار، فكلما كثرت هذه المشاريع، سواء من خلال قانون الكبتاغون، أو منع التطبيع، أو العقوبات بشكل عام، وصولاً إلى مشروع هذا القرار، أصبح الأمر أصعب أمام من يحاول طمس الجرائم ويلهث للتطبيع مع النظام وتعويمه".

محاسبة النظام على المستوى الدولي

وتبدو مسألة محاسبة النظام على المستوى الدولي، هدفاً غربياً، سواء في أوروبا أم أمريكا، إذ كانت محكمة العدل الدولية في لاهاي، أعلنت في 12 يونيو/حزيران الحالي أن حكومتي كندا وهولندا رفعتا دعوى مشتركة ضد النظام السوري لدى المحكمة بشأن تعذيب سوريين.

وأشارت المحكمة إلى أن الطلب أكد أن النظام في دمشق ارتكب: "انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، بقمعه العنيف للتظاهرات المدنية"، وطالبتا باتخاذ تدابير طارئة لحماية المعرضين لخطر التعذيب.

ورأى كبير المفاوضين الأسبق في "هيئة التفاوض" المعارضة، الخبير القانوني محمد صبرا، أنه يجب التفريق بين أمرين، الأول مشروع القرار الأمريكي، والثاني إمكانية إنشاء محكمة خاصة في سورية.

وأوضح في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن مشروع القرار له أهمية سياسية كبيرة، وفي حال مروره من غرفتي الكونجرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) ثم مصادقة الرئيس عليه، سيلزم الإدارة الأمريكية من أي توجّه كانت، أن تعتبر بشار الأسد مجرم حرب مع وجوب ملاحقته، وهو ما يمنع أي إدارة من التساهل مع النظام، وسيلزمها ببذل جهودها لطرح إنشاء محكمة دولية خاصة بالنظام في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

ولفت صبرا إلى أن "مشروع القرار في حال صدوره، سيلزم الإدارة ببذل عناية لا تحقيق غاية، أي أن الإدارة تبذل جهداً في مؤسسات الأمم المتحدة أو غيرها، لإنشاء آلية خاصة لمحاسبة النظام. وهنا يجب ألا يغيب عنا أن الولايات المتحدة لا تملك النفوذ الكافي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فتركيبة الجمعية معظمها من دول العالم الثالث والكثير من حكوماتها تعد أنظمة ديكتاتورية ومنها متهمة أو مشاركة بارتكاب جرائم حرب".

وأضاف: "هذه الأنظمة عادة ما تقاوم أي آليات محاسبة، وبالتالي تمرير مشروع كهذا في الجمعية العامة ليس مضموناً أو سهلاً، وهو ليس صعباً بطبيعة الحال، ولكن كل ذلك لا يلغي أهمية مشروع القرار الأميركي الذي يجري الإعداد له حالياً، لا سيما على المستوى السياسي على الأقل".

طبيعة المحكمة الخاصة

وحول إمكانية اتخاذ الجمعية العامة قرار إنشاء محكمة خاصة، وما هي طبيعة هذه المحكمة في حال تحقيق وجودها، أشار صبرا إلى أن أول محاكمة كانت في هذا الإطار هي المحكمة الخاصة برواندا عام 1994 وهي بطبيعة الحال قبل أن تنشأ المحكمة الجنائية الدولية. وتضمن محكمة رواندا الخاصة نظامها الأساسي محاكمة مسؤولين رفيعي المستوى، وكان ذلك سابقة مهمة عما كان قبله.

ورأى صبرا: "الآن وضمن المعطيات في القضية السورية، هل يمكن للجمعية العامة أن تتخذ مثل هذا القرار لإنشاء محكمة خاصة؟ الجواب نعم، استناداً إلى قرار الجمعية العامة (377 / د) لعام 1950، والمعروف بقرار الاتحاد من أجل السلام".

وأوضح أنه "بموجب هذا القرار، عندما يتم إغلاق مجلس الأمن أمام ممارسة اختصاصاته في حماية الأمن والسلم الدوليين، سواء لتورط أحد أعضاء المجلس بالنزاع أو تعطيله القرار بموجب حق النقض (الفيتو) بشكل مستمر، فإنه يتم نقل الحالة إلى الجمعية العامة لتنوب عن مجلس الأمن لاتخاذ قرار".

المصدر

 

*عنب بلدي-20/6/2023

*العربي الجديد-23/6/2023

*تلفزيون سوريا-20/6/2023

*طيف بوست-23/6/2023

وسوم: العدد 1043