حول مؤتمر روما للهجرة عبر المتوسط، والكلام الملحون !!

انعقد أول أمس ٢٣/ ٧/ ٢٠٢٣ في العاصمة الايطالية روما، مؤتمرا متوسطيا- عالميا؛ لمعالجة أمور الهجرة حول المتوسط، تحت رعاية رئيسة الوزراء الايطالية "ميلوني"

وحضر المؤتمر عشرون دولة متوسطية، وبعضٌ من وراء المتوسط، بمن فيهم ممثلو الاتحاد الأوربي، والبنك الدولي.

ومثّل هذه الدول في الاجتماع، الذي قد لا يبدو مهما نحو ستة عشر رئيسا أو رئيس حكومة، وكان من بين الحضور رئيس وزراء لبنان السيد ميقاتي، ووزير الخارجية التركي السيد هاقان..

وعلى الرغم من جدية جدول أعمال المؤتمر وأحقيته، إلا أن القائمين عليه راوغوا كثيرا حين قَصَرُوا أسباب التدفق البشري من دول بعينها إلى الغرب، الأوربي المتوسطي تحديدا، على الهجرة بدوافعها الاقتصادية!!

وأن هؤلاء المهاجرين إنما يهاجرون طلبا للحياة الأفضل، لانعدام فرص التنمية في بلادهم.

وأن يتم التركيز على المهربين على أنهم "متاجرون بالبشر" وينسى هؤلاء العقلاء الذين وسدت إليهم الشعوب أمرها، الدوافع الأمنية والسياسية للهجرة.

بالنسبة للاتجار بالبشر، بالأمس فقط كنت أنقل موثقا، عملية بيع طفلين عراقيين بألف دولار، في ظل الحكم الرشيد الذي أسس له الأمريكيون في العراق.

أنا لا أعلم كيف أجيب بلغة من العقلانية والعلمية والاحترام، على كلام السيد ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني حين يقول على منبر المؤتمر وبحضور هذا العدد من الزعماء: لقد انتهى الصراع في سورية.

والسيد ميقاتي يعلم ويعلم كل قادة لبنان أن لهم في سجون حافظ وبشار الاسد ١٦ ألف مفقود لبناني. نعم ستة عشر ألف مفقود لبناني، ربما ينتظرهم من ذويهم بنات وأحفاد!!

إن السوريين الذين لجؤوا من سورية إلى لبنان وإلى غير لبنان، لم يلجؤوا خوفا من السارين والكلور والبراميل المتفجرة فقط، بل لجؤوا أصلا وفرعا، فزعا وخوفا من سطوة "تسعة عشر" جهاز أمني وثق "القيصر السوري" وغيره للأمم المتحدة ماذا تفعل الأجهزة الأسدية بأجسادهم.

إن الذين يتحدثون عن انتهاء الحرب، وعودة الأمن إلى سورية، عليهم أن لا ينسوا في السياق سطوة الأجهزة الأمنية هناك. إن كل السوريين الذين طفح بهم الكيل، أو طفحت بهم بلادهم هم لاجئون خائفون طالبو أمن وأمان. وليسوا مهاجرين أو طالبي رغد عيش، أو مزيد من الترفيه.

وفي المناطق التي لا يسيطر عليها المستبد، ما يزال الطيران الأسدي- الروسي- والميليشيات المنادية بثارات الحسين، تفتك بالمجتمع السوري رجاله ونسائه وأطفاله على السواء. بوسع كل قوم أن يتجاهلوا الحقائق كيفما يريدون، ولكن الواقع لا يهذي كما يهذون!!

في الحكم المجتمعية يقولون "إذا أردت أن تكذب فأبعد شهودك" ولعلهم يفعلون.

ربما ببعض الملايين من الدولارات تستطيع دول غرب المتوسط أن تحدد مواصفات البشر المهاجرين، وتركب عدادات لسرعة تدفقهم، ولكنها بالتوقف عن دعم أنظمة الاستبداد والخوف والفساد، تستطيع أن تجعل بلدان شرق المتوسط، جاذبة للهجرة، وليس طاردة لها.

وهذه تركية التي كانت قبل أشهر فقط أمل المهاجرين واللاجئين أوضح دليل.

ما الذي يمنع أن تكون الشام والعراق ونحوهما بلدا جاذبا، غير عنصري الاستبداد والفساد.

الحلول الجذرية هي التي تليق بالعقلاء.

وحين تسمع كل الناس يتاجرون بورقة اللاجئين السوريين كل على طريقته..حتى بشار الأسد يسابقهم ، تتذكر حكاية الرجل الذي رأى الذئاب تجتمع على جسده فتنهش من لحمه، فأخذ ينهش من جسده هو الآخرى يقول: يخشى أن يفوته نصيبه منه...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1042