نكران الجميل

من عادتي في كتاباتي  أن أركز على الأبعاد الجمالية في الأخلاق و السلوك ، و لكن أحيانا تشدني مواقف حياتية لها انعكاسات سلبية ، فأحاول كذاك الصحابي الجليل الذي كان يسأل عن الشر مخافة أن يدركه  .

من السلوكيات المرفوضة في الأخلاق و الذوق نكران الجميل .

فليس من الأخلاق و الذوق الحسن غض يد امتدت لخدمتك يوما ما، ليس انتظار تسديد الجزاء ، و لكنه حسّ أدبي راقٍ ، أن نقول للمحسن أحسنت ، جزاك الله خيرا ، إن عجزنا ردّ المعروف المسدى  ، كي  يطيب به خاطر المحسن   ، و هي لا تخرج من سلوكيات المعاملة الراقية .

إن النكران يولد جرحا خفيا في نفس الإنسان ، فالخير عند المنصفين يعود لأصحابه ، في شكل باقات ورود روحية .

 و لعل أقبح صور ذلك  النكران ، أن لا  نرد إحسان المنعم  سبحانه و تعالى ، فنقابل النعم بالنكران و الجحود و اتيان المعاصي .و المعاصي تخدش الإيمان ، فتترك فيه بقعا سوداء .

و من صور النكران خيانة العشرة ، و هدم بنائها ، و تعكير صفوها ، تمضي الحسنات في السحاب ، كأن آثارها ماضية منقوضة، و عهودها ملغية .

و قد وجدت من موروثنا كلمات تهز القلوب ، سجلها الأجداد في أمثال محفوظة  .

ناكر الجميل يصفه المثل ( يأكل الغلة،  و يسب الملة ).

بل يشبّه كالكلب الغدّار،  (يعضّ اليد التي امتدّت إليه )

بل يسجّل لها الأجداد وسام شرف حين يرسمون من  صور الوفاء  أمثالا  (الذي تأكل ملحه ، ما تخونه ) . فالأجداد يعدون ناكر الجميل مثل الخائن الغدّار.

و من صور نكران الجميل  ، قلب الظّهر  لمسدي النصيحة ، كالسّارق يسرق المتاع و يختفي .

و طبع الحرّ يرعى الوفاء ، و يصون العهد  ، يعدّد حسنات الناس ، يردّ المعروف بالإحسان .

قد يظنّ ناكر الجميل أن  أحواله مستورة ، لكن فعله مفضوح ، يشم الفاضل  رائحته و لا يفضحها ، لنبل أخلاق الكبار ، يرى العيب فيستره .

و يعلمنا حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم،  يعلمنا أدب الذوق و حسن المعاملة .

يقول  عليه الصلاة والسلام :  في الحديث الصحيح  ( من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه؛ فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ).

وسوم: العدد 1046