فضل المعلم

قصة الحروف حكاية ممتعة ، يعيش فصول قصتها أناس مخصصون ، ارتبطت حياتهم مع الحروف الهجائية ، يعيشون مع الحروف في تناغم ووفاق طيلة فصول السنة ، يصنعون من الحرف الهجائي  مصنعا  للرجال ، فيولد  الطبيب والطيار والمهندس ، ويولد  الخبير والحاكم والمحكوم ،  والإمام والقاضي،  والكاتب والروائي  والأديب  وغيرهم كثير ؛ لولا حرفة صناعة الحرف التي كان صانعها شخص بسيط اسمه المعلم ، لما كان لهؤلاء  في عالم الوجود خبر .

أن متعة التعليم والتعلم لا يذوق حلاوتها ويدرك فضلها سوى ذلك الإنسان الذي لا يكل ولا يمل ، يقضي في قسمه ساعات طوال ، يهذب ويربي ،  يعلّم ويرقي  ، فلا يهنأ له بال حتى يثمر غرسه ، وتقطف ثمره   . 

هل جربت عزيزي القاري ،  أن تنطق  الحرف الصامت ليكون له صوت، حتى  يكون  للأصوات  حركة و حياة ؟!

بل يصير لتلك الحروف معاني من  خيال وجمال.

وهل جربت أن تستمتع بأصوات الحروف وهي تتراقص في الشفاه الصبية  ، لتخرج لنا أجمل مقاطع أصوات الموسيقى ؟!

هي أصوات عذبة يردد لحنها  أطفال صغار .

وهل جربت أن تتمتع بأول باكورة يجنيها حقلك ، فتعطي جهوده  ثمارا لا يعرف  طعمها ونكهة متعتها سواه ؟! حين تخرج  لنا كلمات النصوص الأولى  قراءة عذبة .

 إن متعتها  يرتشف من كأسها شهدا ،  يستمتع  به صغار يبدأون مفاتيح القراءة الأولى ،  وهم يتعثرون بالقراءة ، وهم يتهجون الأصوات بصعوبة ، ترافقهم   عينه الساهرة تصوب وتعدل العثرات ، وفي نفسه  خوف على النبتة الطرية من الذبول  .

 يظل  يرعى ويتعهد  الرعاية   مرافقا  ، حتى يزول  ذلك الخوف .

يرافقهم   في التجوال بين الصفوف ، يحني ظهره لهم بحنان وعطف ، يصفق تارة  و يهمس أخرى ، بصوت رفيق،  يصوب الأخطاء ، وهو يستمتع ، يدلل  تلك الصعوبات.

 وبعد فترة من التعهد ، يرى جهده قد أثمر، وأصبح حياة تشع بجمال تلك النصوص القصيرة، التي ألفت أذاننا  سماعها من شفاه الصغار ، تصبح لها  في كل مرة طعم خاص ، إنه طعم تلك البداية، التي تصنع في نفس المعلم  وفي نفوس الأطفال  سعادة لا توصف، كيف لا ! وأن أطفالنا  قد بدأوا ولوج عالم القراءة ،  قد بدأوا يتحكمون في مهارتها الممتعة، يتذوقون جمال اللغة   وفنونها ، إن تلك المتعة في منظور البراعم اليافعة طعم ومذاق خاص ، بل هي سعادة لا توصف في ميزان الطفولة .

المؤكد أن هذه الكلمات قد أعادت سجل الذكريات الماضية لكل معلم ومتعلم، لأنها ذكريات لا تنسى ، لا ينساها المعلم الذي قضى عمره يصنع من الحرف نهضة ، يصنع من الحرف يقظة ، يصنع من  الحرف حركة ، ولا ينساها كل تلميذ نجيب لمس خراجها  ، تلمّس آثار عشق الحرف وهو يعيد شريط الأحداث الماضية  جمال  تلك المرحلة...

طبت حيا وميتا سيدي و أستاذي.

وسوم: العدد 1046