عوادي الكتابة

 هناك مقال كتبته، ونشرته في موقع اخباري سوداني واسع الانتشار، هذا الموقع يحقق آمال "الكتاب" الواسعة، وأمانيهم البعيدة، من أن تلامس كلماتهم شغاف الأفئدة، فتتجاوب معها الأصداء، ويتغير واقعنا المكفهر، هو مقال اقتبسته من بعض الموضوعات التي حوتها رسالة الماجستير، تلك الرسالة التي أنجزتها و أجيزت عام 2009م في أرخبيل الملايو، وكنت أتصور أن هذا المقال سيأخذ حظه من الرضي والسخط، كسائر ما يكتبه الناس، فلا غرابة أن يهتف الناس لمقال، ويحتفوا به، ويصفقوا له، بينما تمجه أذواق آخرين، ويستخفون به، ويعرضوا عنه أشد الإعراض، ومقالي ذاك، أيسر ما يمكن أن يقال عنه، أنه لا يستحق هذه الحرب العنيفة، التي تسعى لأن تغض من مثله العليا،  ولعل آخر ما كنت أرجوه، أن يظفر بكل هذا العنت، كلا لم أكن انتظر -لعصفي الذهني- محصلة كهذه، كانت غايتي أن أحصد نتيجة كلها سلما، وأمنا، ونعيما،  لا أن يتهمني قارئا ظالما، مسرفا في الظلم، بالسرقة العلمية، فما يجهله هذا القارئ، هو أني والسرقة، بعيدين أشد التباعد، كما أن هذا المقال الذي أثار كل هذه الزوابع والعواصف، قد احتوى على الأصول التقليدية، في كيفية الاقتباس، تماما كسائر موضوعات الأطروحة التي تغط الآن في نوم عميق في رف قصي من رفوف الجامعة الإسلامية العالمية، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن هذه الرسالة خضعت كرصيفاتها إلى تدقيق جم، واسراف عريض، في الدقة والاحتياط، والغاية من وراء كل هذا التدقيق، خلاف المحافظة على الحقوق، ألا تنتهي مثل هذه الأطروحات العلمية بأصحابها لمثل هذا السخف والازدراء.

 لقد صبرنا نحن معشر "الكُتاب" في  ذاك الموقع، وغيرها من المواقع السودانية، التي تتيح خاصية الردود على مقالات "الكُتاب" على شر مقيم، وأذى جسيم، وخاصية الردود هذه  في السودان لمن لا يعلم، لا يمكن أن تبقيك آمنا وادعا،  فهي تنحرف بالغرض الذي أنشئت من أجله أشد الإنحراف، فالهدف من هذه الخاصية هو الثراء والمناقشة، وتلاقح الأفكار،  ولكن بعض القراء، يتخذونها سهاما تنتاش مهجة الكاتب، فهي تتواءم مع  ألسنتهم التي تنبري خفيفة رشيقة، لتخوض في مهاترات جزاف، ومعارك ضارية، لا ضرب فيها ولا قتال، مع كاتب المقال، لقد صبرنا حقا على سيل من السباب والشتم،  وتجريح كفيل بأن يجعلنا ننفر من الكتابة، ونزور عنها ازورارا عظيما، ولكننا قبل كل شيء، وبعد كل شيء، نرضى بحظنا من الحياة، ونستأنف نشاطنا الفاتر من جديد، ونغض الطرف عن هذه التعليقات المضطربة المعوجة، الحافلة بالشطط والجموح، لأن يقيننا الراسخ أن هدفنا النبيل، يجعلنا نذود امتهان أصحاب الطباع الملتوية، والفهم السقيم، لنا بالفتور والاهمال، وسيأتي اليوم الذي نستوفي فيه حقوقنا منهم كاملة غير منقوصة، فيوم العرض على الخالق الديان، سنتحدث في اقتضاب ودون إطالة عن الجرم الذي نالنا من بعض القراء في مواقعنا الأسفيرية، ولا أدري حينها هل تجد- هذه الناجمة من قبيلة القراء- طبيعة فاترة لينة تتجاوز وتسامح، كما كانت في الدنيا، أم طبيعة غليظة جافية، هاجسها التشفي والانتقام، من كل من أمضى لحظات طويلة أو قصيرة، في ذمها وتحقيرها. 

وحتى أقطع الصلة بيني وبين هذا الاستطراد، أقول لمن رمانا بالسرقة العلمية، قل ما شئت -سيدي- مما يسوء ويرضى، وأمضي في عبث عنيف كان أو رقيق، فلن تجد شيئا يمضنا أو يثقل علينا، ولكن في الحق أن زعمك هذا الذي يحتاج لتحرير الحجة، وإقامة الدليل، جعلني أغرق في الضحك، و أصدقك القول أنه ضحك يشوبه البكاء، فأنا رغم كل هذه المرائر اكتشفت بسببك، أن هناك عللا وأمراضا لا تحتاج إلى تقويم، فقد لاح لي بما لا يدع مجالا للشك، من تلك الأدلة التي سقتها- سيدي- لتأكيد تورطي في هذا الجرم الشنيع، جرم السرقة العلمية، أنك تخضع خضوعا رائعا للسذاجة، والسذاجة كما نعلم، تشغل صاحبها عن التفكير، لأن عقله الناضب، لا يحمل خصائص ومقومات تعينه على التحليل، والتعليل، والتأويل، السذاجة حقا داء لا يمكن مقاومته، أو معارضته، أو الحد منه، أنا الآن بعد أن عرفت الداء الذي تعاني منه، لا أستطيع أن أنكر عليك شيئا مما قلته، فالشحوب الذي يعاني منه عقلك، يضطرني أن أتحدث إليك حديثا عذبا، ماتعا، بعيدا عن الصرامة والحزم، حديثا لينا غضا، يماثل حديثنا مع الأطفال وأصحاب "اللطف"،حديثا لا يعنيني أن يثمر أو يفيد،  أو التمس فيه نفعا يعود لمن يستمع له، لأن من يستمع له، لا قدرة له على التفكير والتصوير.

أما بعد، كنت أود أن أمضي في هذا الحديث حتى أبلغ به أقصاه، رغم أني أعلم أنه لن يفضي إلى شيء، ولكن فضل من عقل يمنعني من تكملته،أود أن أشكر هذا القارئ الساذج في خاتمة هذا المقال، هذا القارئ الذي أساء بنا الظن، ودمغنا بهذا الاتهام الرائع الجميل، أشكره على هذه اللحظات الندية التي أنفقتها معه، والتي جعلتني أظهر على عوالمه، وأقف عليها، وأنا حقا متعاطف معه، كما يتعاطف غيري مع طائفة السذج، فهم كما نعلم مقيدين بأغلال "الفدامة" والخبل، فالساذج لا يمكن أن نلومه، أو نعتب عليه، بل يجب إذا قادنا حظنا العاثر، ووجدناه جاثما أمامنا في بر، أو بحر، أو سهل، أو جبل،  أن نمعن معه في أحاديث جوفاء، وأن نبتدره نحن بحديث شائك طويل، طالما أن عقولنا تشكك كثيرا في الأحكام التي يرسلها لسانه.

وسوم: العدد 1068