أي عنف هذا الذي تشهده المدرسة السورية ؟؟

في الأخبار منذ ثلاثة أيام، أن تلميذة سورية، من مدينة حلب، حي الزبدية، مدرسة "هشام بن عبد الملك" تعرضت لهجمة عنيفة من التنمر، من مجموعة من زميلاتها، اجتمعن على ضربها وركلها، حتى تسببن له بإعاقات بصرية وعضوية، وقد يؤدي الاعتداء، إلى بتر بعض أصابع قدميها، كما قد يؤثر على بنيتها المستقبلية. تنمر يصل بالتلميذة الصغيرة إلى حد الإعاقة، حيث نفذ التنمر تلميذات صغيرات!! وهذا أخطر ما في الأمر.

سأظل أؤكد أنني أتناول الحديث عن الساحة الوطنية السورية، الواحدة الموحدة. ومن بعد وطني واحد.

الحادثة الجريمة- وهي جريمة- قد تكون مألوفة في مدن مثل شيكاغو وتكساس، ولكن ليس في سورية ،المحررة أو الممرمرة، وليس في حلب أو دمشق ولا الرقة أو اللاذقية أو حماة..

في حياتي المدرسية التي عشتها في المدرسة السورية، قبل ستة عقود، لم أشهد يوما عنفا في مثل هذا الحجم. وأنا عشت في مدارس ذكور، والحادثة - الجريمة، تقع اليوم في مدرسة بنات!! مجموعة طفلات من الجنس اللطيف في السن الألطف!!

ورغم كثرة التحديات التي عشناها ونحن تلاميذ من مدرسة المثنى بن حارثة إلى سعد الله الجابري، إلى المدرسة الهاشمية إلى إعدادية المعري إلى ثانوية المأمون.. لم نشهد أي يوم في حلب الجميلة، وكل المدن السورية أخواتها، صراعا جماعيا؛ يذأر فيها طلاب على طلاب، أو طلاب على طالب. وأكثر ما كان يجري، شجار وقتي بين طالبين، تسارع فيه فرق المتطوعين من "المخلَّصين" كما كنا نسميهم، فتضع حدا للشجار. وفض الاشتباك بين المتشاجرين كان في مجتمعنا من شعب الإيمان والرجولة والفضيلة (أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) حتى في الأحياء الأكثر شعبية، لا يمكن أن يترك مثل هذا الاعتداء أن يمر وأن يتمادى..

أعنف حادث شهدته خلال اثني عشر عاما في المدرسة السورية، كان ذلك الحادث الوحشي الذي قام به مدرب الفتوة "بطرس شكر" في ثانوية المأمون. حيث أدخل أحد زملائنا إلى غرفة خاصة، وأقفل الباب، واعتدى عليه، بالضرب الشديد، حتى كسر ذراعه، ولم ينقذه من بين مخالبه وأنيابه؛ غير أستاذ اللغة العربية، أستاذنا فاضل ضياء الدين رحمه الله تعالى.

إن ظاهرة تألّب مجموعة طالبات في هذا العمر، على زميلة لهم، بالطريقة التي روي فيها الحدث، يؤشر إلى نمو ظاهرة خطيرة من العنف في المجتمع السوري. وهو أشبه بما نشاهده في السينما الأمريكية، عن المدرسة الأمريكية عن عنف المراهقين، وليس المراهقات!!

وكون الحادثة تقع في مدرسة بنات، يجعل الظاهرة أخطر. وكون البنات في سن الثانية عشرة، يخبرنا أن هؤلاء الطفلات هن من الجيل الذي ولد مع بداية الثورة، وتعرض لموجات العنف الأسدي والصفوي والروسي بلا حدود.

الظاهرة بكل خطورتها وسلبياتها وأبعادها، تحتاج إلى أخصائيين اجتماعيين ونفسيين يتابعون، مغذياتها وأبعادها، ويقترحون الأسباب العلمية والعملية لمصادرة العوامل المؤسسة لمجتمع عنيف، يرتد عنفه على ذاته كما في الحالة التي شهدنا، وليس مجرد إقالة مديرة، أو معاقبة جهاز إداري…

أنقذوا الجيل من حالة الذئبية التي دفع إليها. والكلام موجه لكل من بهمه مستقبل هذه الأجيال، ومستقبل هذا الوطن..

يا قومُ هذا الوطن نفسي تناجيه

فعالجـــــــوا في المحن جـــراح أهليـــه

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1071