نمو متسارع لحركة التضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة الأمريكية

اجتمع أكثر من 2000 ناشط في مدينة بالتيمور الأمريكية للمشاركة في الاجتماع الوطني لأعضاء منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام» (JVP) وقد أبرز هذا الحدث الضخم النمو الكبير في حركة التضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة، والتحديات المستقبلية لبناء جبهة موحدة نحو التحرر.

وأمام جمهور من 2000 ناشط مناهض للصهيونية، عبّرت الكاتبة والمفكرة نعومي كلاين عن شعورها بالانتماء، قائلة إنها وجدت في هذا اللقاء «بيتها الحقيقي». ولم تكن كلاين وحدها في هذا الشعور، إذ إن المجازر المتواصلة في قطاع غزة منذ 19 شهرًا أدت إلى تنامي الحركة التضامنية، لا سيما بين اليهود الأمريكيين.

رغم ذلك، لا تزال الحكومة الأمريكية، حسب توصيف أنجيلا ديفيس، «الوكيل الأكثر إخلاصًا لإسرائيل»، مستمرة في تقديم الدعم العسكري والسياسي من دون تردد. ومن أبرز أدواتها في هذا الدعم، ما بات يُعرف بـ«تسليح تهمة معاداة السامية»، أي استخدامها كوسيلة لقمع حركة التضامن مع فلسطين وإسكات الأصوات المناهضة للاحتلال.

مواجهة «الضباب الإعلامي»

خلال جلسات وورش العمل، برزت فكرة مركزية: لليهود دور فريد في هذه اللحظة السياسية يتجسّد في كشف «الضباب الإعلامي» الكاذب والمتمثل في تهم معاداة السامية الملفقة. كما قالت إيلينا شتاين، مديرة استراتيجية التنظيم في JVP «تتم الآن عسكرة معاداة السامية، ومن واجبنا أن نقاوم ذلك».

وأوضحت شتاين أن «التركيز المتعمّد على اتهامات كاذبة بمعاداة السامية يخفي جرائم حقيقية تتمثل في الإبادة الجماعية والاحتلال ونظام الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني. كما أنه يشتت الانتباه عن معاداة السامية الحقيقية التي يقودها اليمين المسيحي القومي، وهو التيار الذي يدعي مكافحة معاداة السامية ذاته».

تفكيك الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية

في إحدى الجلسات بعنوان «الصمود في وجه القمع»، أكدت ديما خليلي، مديرة مؤسسة Palestine Legal، أن الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية هو «أساس لكثير من أشكال القمع، وهو في جوهره معادٍ للفلسطينيين».

ورغم أن تسليح هذه التهمة قد ازداد حدةً خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية، إلا أنه أصبح أيضًا أكثر وضوحًا وفضحًا. ويعكس حجم وتنوع الحضور في اجتماع JVP إدراكًا متزايدًا لدى اليهود الأمريكيين لحقيقة هذا التلاعب.

من الخطاب السياسي إلى الفنون والموسيقى

امتد الاجتماع الوطني على مدى أربعة أيام، تخللته جلسات مع مفكرين وناشطين بارزين مثل أنجيلا ديفيس، وعمر البرغوثي، ونعومي كلاين، وديما خليلي، ونورة عريقات، وإيمان عبد الهادي. كما نُظّمت أكثر من 90 ورشة تدريبية تناولت قضايا متنوعة مثل: الحملات المحلية لسحب الاستثمارات، والسرد القصصي في مواجهة الإمبريالية، وأمن المعلومات تحت القمع.

وشمل البرنامج كذلك عروضًا فنية، وعروض سيرك، وحفلات موسيقية، ولقاءات دينية، وجلسات تعارف عفوية بين المشاركين.

قصص فردية

التقى الكاتب بالعديد من المشاركين الذين عبّروا عن مسارات فريدة في الانخراط بالحركة، مثل هوب، وهي يهودية من ألاسكا بدأت نشاطها بعد غضبها من اتهامات زائفة بمعاداة السامية، ومولي، فنانة يهودية ترجع جذورها إلى حركة البوند المعادية للصهيونية في روسيا، وبراندون، طالب جامعي قال إنه شعر لأول مرة بالانتماء لمجتمع يهودي داخل اعتصام تضامني مع غزة.

حملة يمينية لقمع التضامن مع فلسطين

خُصّصت ورشة لعرض وثيقة «مشروع إستير»، وهي خطة أعدّتها مؤسسة هيريتيج اليمينية (التي تقف أيضًا خلف «مشروع 2025»). وتُدرج هذه الوثيقة منظمة JVP ضمن ما يسمى بـ«شبكة دعم للإرهاب»، وتوصي باستخدام أدوات قمع مثل القوانين الأمنية، وتجميد التمويل، وتقويض البنية التنظيمية، وتشويه السمعة، كل ذلك تحت ذريعة «مكافحة معاداة السامية».

جامعة كولومبيا: ساحة مواجهة مفتوحة

شارك طلاب وأكاديميون من جامعة كولومبيا في ورشة تحدثوا فيها عن القمع المتصاعد الذي يتعرّضون له، بما في ذلك الدعاوى القضائية، والسياسات التسلطية، وتقليص التمويل، بل وحتى ترحيل الطلاب. وأشاروا إلى اعتقال محمود خليل، الذي أعقبه تغريدة من ترامب وصفه فيها بـ«الإرهابي المعادي للسامية».

تحولات فكرية داخل الوسط اليهودي الأمريكي

تقول نورة عريقات إن ما بعد ترامب يشير إلى نهاية ظاهرة «التقدميين باستثناء فلسطين»، مع تزايد الفهم بأن الصهيونية هي أيديولوجيا يمينية متطرفة. وتظهر هذه التحولات في انضمام 20.000 عضو جديد إلى JVP خلال العام الجاري.

وتصف نعومي كلاين إسرائيل بأنها «دولة تؤمّن سلامة القلة في بحر من المعاناة»، وهي رؤية يبدو أن عددًا متزايدًا من اليهود الأمريكيين يشاركونها الآن.

من التضامن إلى التنظيم: نحو جبهة تحرر جماعي

هذا التجمع لم يكن مجرد تعبير عن الدعم لفلسطين، بل كان ورشة حقيقية لصقل المهارات التنظيمية، وتعميق التحليل السياسي، وبناء الالتزام. وكما قالت إيلينا شتاين: «نحن أكثر من مجرد غاضبين ومروعين، نحن عازمون على التغيير».

وركزت العديد من الورش على كيفية كسب اليهود المترددين أو المنتمين إلى مؤسسات صهيونية، مثل: «فن الحديث الفردي»، «إذا لم ننظمهم نحن، سيفعلها اليمين»، و«كيف نخوض الحوارات الصعبة حول فلسطين».

تصاعد الحراك التضامني

وقد شهدت الولايات المتحدة خلال الأيام الماضية موجة جديدة من الفعاليات المؤيدة لفلسطين، عكست تزايدًا ملحوظًا في زخم التضامن الشعبي مع قطاع غزة، وسط استمرار الحرب الإسرائيلية ومواقف الإدارة الأمريكية الداعمة لها. وتنوّعت التحركات بين مظاهرات جماهيرية، وإضرابات عن الطعام، وفعاليات طلابية، وأعمال فنية وثقافية، في مشهد متصاعد من الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية.

مظاهرات في عدة مدن أمريكية

نظّمت «الحملة الأمريكية من أجل حقوق الفلسطينيين» (USCPR) سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية المتزامنة مساء الثلاثاء 14 أيار/مايو في عدد من المدن الأمريكية، شملت مسيرة جماهيرية في بوربانك بكاليفورنيا، ووقفة احتجاجية أمام مركز ألباني الطبي في نيويورك، إلى جانب وقفة دعم في ساحة مولر بمدينة أونينتا، فيما شهدت جامعة ستانفورد بكاليفورنيا فعالية تضامنية يومية مع المضربين عن الطعام في ساحة وايت بلازا، كما نُظّم تجمّع تضامني في مدينة ألكسندريا بولاية فيرجينيا أمام المحكمة الفيدرالية دعمًا للدكتور سوري.

إضراب عن الطعام في جامعة ستانفورد

في تطوّر لافت، أعلن طلاب وأعضاء هيئة تدريس في جامعة ستانفورد انضمامهم إلى سلسلة من الإضرابات عن الطعام التي يشهدها عدد من الجامعات الأمريكية. وجاءت هذه الخطوة احتجاجًا على ما وصفوه بـ«التواطؤ المؤسسي في الإبادة الجماعية في غزة»، بالإضافة إلى القيود المتزايدة على حرية التعبير والنشاط السياسي داخل الحرم الجامعي.

وأصدر المشاركون في الإضراب بيانًا أكدوا فيه أن «الجوع أصبح سلاحًا في مواجهة الظلم»، داعين إلى سحب الاستثمارات الجامعية من الشركات المتورطة في دعم الاحتلال الإسرائيلي.

إطلاق فيلم يوثّق الاحتجاجات الطلابية

في سياق التضامن الثقافي، أُطلق يوم الثلاثاء 14 أيار/مايو الفيلم الوثائقي «The Encampments»، الذي يوثّق الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين في الجامعات الأمريكية، خاصة اعتصامات جامعة كولومبيا. ويركّز الفيلم على التحول السياسي في أوساط الطلبة، وتكوين مجتمع طلابي مقاوم داخل الجامعات.

ويُعدّ الفيلم من أبرز المبادرات الثقافية التي خرجت من رحم الاحتجاجات الأخيرة، وقد أنتجته شركة «Watermelon Pictures» التي أسسها ناشطان فلسطينيان أمريكيان في شيكاغو لتوزيع أعمال فنية ومهمشة تُعنى بالقضية الفلسطينية.

حراك ومواجهة قانونية

من جهته، شهد القضاء الفيدرالي تطورات على صلة بالنشاط المؤيد لفلسطين، حيث جرى الإفراج عن الباحث بجامعة جورجتاون بادار خان سوري بعد اعتقاله بتهم تتعلق بنشر «دعاية متطرفة». وقد أثار اعتقاله موجة استنكار واسعة من منظمات حقوقية اعتبرت أن الإدارة الأمريكية تستخدم تُهمًا كاذبة لتكميم أفواه النشطاء.

خلاصة

تبرز التحركات المكثفة خلال الساعات الأخيرة تصاعد وتيرة التضامن الشعبي في الولايات المتحدة مع قطاع غزة، وتحوّل القضية الفلسطينية إلى محور نضال طلابي وثقافي واسع، في ظل رفض متزايد للسياسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل. ويبدو أن الحراك الشعبي بات أكثر تنظيمًا وتنوعًا، ما قد يشكّل نقطة تحوّل في المشهد السياسي الأمريكي تجاه فلسطين.

وسوم: العدد 1126