نتنياهو والشاباك: الجوارح على أشكالها تقع
طبقاً لاستطلاع رأي أجرته القناة 12 الإسرائيلية، يرى نصف الإسرائيليين أنّ حكومة بنيامين نتنياهو يمكن أن تلغي انتخابات الكنيست المقررة في العام المقبل، متذرعة بظروف «طوارئ وطنية»؛ ولكن، في المقابل، تنفي نسبة 35% هذا الاحتمال. خلفية الاستفتاء على هذا السؤال انبثقت من ردّ خرج به نتنياهو، خلال مؤتمره الصحفي الأخير: «هل تريدون انتخابات الآن؟ هل تريدون أن أعدّد لكم ما يترتب علينا ونواجهه الآن؟ هل ما نحتاج إليه، لجنة تحقيق الآن، فيتراكض جنودنا وضباطنا في إهاب المحامين بدلاً من تسليح أنفسهم بقذائف المدفعية وذخائر الدبابات؟».
ولا عجب، استطراداً، أنّ 62% قالوا إنّ نتنياهو لم يقنعهم خلال مؤتمره الصحفي الأخير، ولكنّ نسبة الـ34% ظلت صامدة؛ ومعها أيضاً صمدت نسبة 38% رأوا أنّ نتنياهو بصدد عقد صفقة تبادل جديدة لا يماطل تبعاً لأجندات سياسية بل «لأسباب قانونية». وهذا الميزان بين الشريحتين هو واحد فقط من مؤشرات عديدة أكدت، وتؤكد، أن الحكومة الأشدّ يمينية وعنصرية وتطرفاً قومياً ودينياً وفاشية لم تهبط من غامض مفاجئ؛ بقدر ما نضجت وتنامت واستقرت في قلب مجتمع إسرائيلي أرادها هكذا، على شاكلته.
المشهد، وهو الأحدث ضمن مسلسل انحطاط «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، لم يكن ينقصه سوى حيثيات قرار نتنياهو بتسمية اللواء دافيد زيني لرئاسة جهاز الاستخبارات الداخلية، الشاباك؛ حيث سيناريو التفاوض حول المنصب، بين رئيس الحكومة ومرشحه العتيد، جدير بالحبكات الأكثر ابتذالاً في الروايات الجاسوسية والبوليسية.
فالأمر لا يبدأ من «غضبة» رئيس الأركان إيال زامير لأنّ قرار نتنياهو أخذه على حين غرّة، وأنه أُبلغ به قبل 3 دقائق من إعلانه على الملأ، وأنّ زيني الضابط المرشح التابع له لم يكترث حتى بإبلاغ رئيسه المباشر، فضلاً عن اجتماع الأخير مع شخصية سياسية من دون تفويض صادر عن رئاسة الأركان… هذه، وسواها، ليست الملابسات الجيمسبوندية التي اكتنفت قرار نتنياهو، مقابل المسلسل السينمائي بجدارة كما نقلته القناة 12 أيضاً: لقاء عابر بين الرجلين خلال زيارة نتنياهو إلى قاعدة عسكرية، أعقبه انتحاء جانباً و«مشوار» ثنائي قصير، ثم استكمال للمشاورات على انفراد داخل سيارة نتنياهو، انتهى باتفاقهما على قبول زيني رئاسة الشاباك؛ وأمّا التتمة الدرامية فقد وقعت حين غضب زامير واستدعى زيني، ويتردد أنه أقاله من الجيش على الفور، بينما يزعم أنصار الأخير أنه بادر بنفسه إلى تقديم استقالته.
الجوارح على أشكالها تقع، كما في الحكمة القديمة، التي تتوسع دلالاتها تلقائياً بعد سلسلة معلومات تكشفت عن ملابسات أخرى خلف تسمية زيني؛ قد يكون أوّلها تعهده بعدم التحقيق في ملفات تدين نتنياهو كان قد فتحها رئيس الجهاز الحالي رونين يار، ولكن لن يكون آخرها أنّ اللواء المرشح هو اختيار سارة نتنياهو والإسرائيليون أدرى بنفوذ هذه السيدة في ميادين السلطة كما في الفساد.
ويصعب أن تكون غائبة عن لائحة الملابسات ما كُشف عنه النقاب في مناسبة ترشيح زيني، من أنه خلال إحدى اجتماعات أركان جيش الاحتلال صرّح بالتالي: «إنني أعارض صفقات التبادل، فهذه الحرب أبدية». بذلك فإنّ الرئيس الجديد للشاباك سوف يكون، إذا تمّ تثبيته في المنصب بالفعل، على رأس رافضي أية صفقة جديدة، والمشارك الأوّل في تعطيلها، سواء توسطت فيها قطر ومصر، أو تولى أمرها المبعوث الأمريكي ستيف وتكوف، من جهة أولى؛ وبالتالي سوف يتطابق، من جهة ثانية، مع أجندات نتنياهو في تعطيل الصفقات وإطالة الحرب إلى «أبدية» مفتوحة.
وهذه، وسواها من سيناريوهات، تحدث في كيان صهيوني تواصل حكومته ارتكاب الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير وجرائم الحرب الأخرى الأبشع؛ ولا غرابة في أن تتلاقى الجوارح على إراقة الدماء.
وسوم: العدد 1126