زهــو الشباب وأحلام الصبا

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

يُقال إنَّ خليفة المسلمين في العهد العباسي علم أن بثينة محبوبة جميل بن معمر تعيش معهم في ذات المدينة.. ويبدو أن الخليفة كان متشوقاً ليرى تلك المرأة التي خلبت لب ذلك الشاعر، والتي التصق اسمه باسمها فأطلق عليه جميل بثينة.. ويقال إن بثينة عندما جاءت أمام الخليفة وجدها امرأة عجوزاً شمطاء بلغ بها الكبر عتيِّاً وصارت من غير (أولى الإربة) من النساء.....

واستغرب الخليفة كيف أن جميلاً يمكن أن يقول كل هذا الشعر في امرأة عجوز مثل هذه، وسألها الخليفة متهكِّماً: (ماذا رأى فيك جميل بن معمر ليقول فيك كل ذاك الشعر؟) فردت عليه قائلة (رأى فيَّ الذي رأى فيك المسلمون حين نصَّبُوك خليفةً).

وتصادف أن التقيت بالأستاذ الشاعر ومعلم اللغة الإنجليزية أزهرى عبدالرحمن أبشام.. وهو شاعر معروف له أغانٍ كثيرة وقصائد مشهورة ولعل أشهر هذه الأغاني - في اعتقادي - أغنية (قام إتعزز الليمون) والتي ألفها عندما كان أستاذاً بالحصاحيصا ، حيث كنّا وقتها طلاباً في  الجامعة في ذلك الوقت، وكانت تلك الأغنية قد سيطرت على الشارع بفضل اللحن الجميل والأداء الممتاز للفنان محمد سلام في بورتسودان..

وأستاذنا أزهري ألف تلك الأغنية في الفتاة الطالبة في مدارس ود مدني آنذاك ويتصادف أن اسمها (بثينة) ويبدو أن الشاعر كان (يقنص) وينتظر بثينة على حد قوله تحت النيم الكبار بتاع الحصاحيصا ليمتطي معها البص القادم من مدني ليوصلها إلى قُرب البنطون في منطقة كُترانج حيث كانت تسكن هناك..

ويبدو أن بثينة في أحد أيام الخميس منعتها إدارة داخلية المدرسة من الإجازة الأسبوعية فلم تأتِ.. وأخونا الشاعر جاء مبكراً من (صباح الرحمن) وقعد تحت النيم في انتظارها.. ومرت ساعتان ولم تحضر، وخمس ساعات ولم تحضر، وعشر ساعات ولم تحضر، وأربعه عشر ساعة ولم تحضر، ولم تظهر ...

ولكن ظهر القمر في ليلة تمامه من جهة رفاعة الشرقية وكان ذلك اليوم مولداً لأغنية (قَّامْ إتعزَّزْ اللَّيمُون عشان بالغنا في ريدو) ويقيني أن جهاز الموبايل لو كان قد تم اكتشافه في ذلك الزمن لما ظهرت هذه الأُغنية حيث إن بثينة كانت سوف تخطر أزهري بأنها (ما جاية) وكان أزهري لن (يتشو شو) تحت النيم ولم يكتب الأغنية، وتشاء الأقدار أن يتزوج صديقنا أزهرى من الأستاذة بثينة محمد عثمان الطالبة سابقاً ووكيلة مدرسة الإمام الغزالي حالياً.

ومن شهرة أغنية «إتعزز الليمون» (بتاعت بثينة) أن المرحوم عمر الحاج موسى قد ذكرها في احتفال تدشين وافتتاح قاعة الصداقة في النصف الثاني من عقد السبعينيات في الكلمة المشهورة التي ألقاها أمام الرئيس نميري والوفود الصديقة وكانت غاية في البلاغة والأدب والرصانة، حيث قال: (جاؤوك يا سيدي الرئيس لأنك مدحت معهم قالوا الحجيج قطع وغنيت معهم »قام إتعزز الليمون عشان بالغنا في ريدو»).

وعلى كل حال يبدو أن المعاناة والمقاساة هي التي تخلق الإبداع، ومن المؤكد أن أغنية «قام إتعزز الليمون» كانت رائعة أداءً ولحناً وشعراً.. ولا أدري كيف نسيها أولادنا بتاعين نجوم الغد؟!!

ولعلي هنا أختم ببعض الأبيات من تلك الإغنية التي كانت على لسان الجميع في عقد السبعينيات والثمانينيات..

والله قام إتعزز الليمون.. عشان بالغنا في ريدو
بدور أشكيهو يا القمرا.. وبشوفك من أجاويدو
حرّق جوفنا آه ليمون.. نجض قبال مواعيدو
شفتو مخدّر الليمون.. وشابكات تب عناقيدو
عليك عينيهو يا قمرا.. أكان نعسان تصحيهو
وكان زهجان تحجيهو
وكان فرحان حديثي معاك صرة وخيط تُفتِّيهُو.

 

بعض لمحات ذاك الزمان الجميل الذي لم يشهده كثير من جيل اليوم من أبناء وطني الحبيب ... لهذا سطرت تلك الاحرف ...

همســة لعزيــز ...

تلك كانت بعض ملائح وسمات الصبا فى ذاك العصر الذهبي  لفن الاغنية في ذاك الزمان الجميل و ترنح فيه زمن  الصبا الجميل والاحلام الوردية التى لا تفارق الانسان ما دام حيا ...