المنشقُّون السُّوريُّون ....عسكرٌ أم ثوَّار ؟!

د. محمد عناد سليمان

د. محمد عناد سليمان

[email protected]

تلاشت في الفترة الأخيرة ظاهرةُ «الانشقاق» بين صفوف «الجيش النِّظامي» السُّوريّ، سواء أكانوا «ضباطًا» أم «أفرادًا»؛ بل نستطيع أن نقول: إنَّ هذه الظَّاهرة لم تعد من مستلزمات «الثَّورة السُّوريَّة»؛ في حين كانت من أكبر الحوامل التي تصبُّ في ملامح قوَّتها من جهة، وتوجيه صفعة قويّة لـ«النِّظام» من جهة أخرى.

ولعلَّ من أهم الأسباب التي أدَّت إلى وأْد هذه الظَّاهرة كما أراها هي الحالة الاجتماعيَّة والاقتصاديّة التي يعيشها المنشقُّون في دول الجوار، سواء أكانوا في «تركيا» أم في «الأردن» أم في «لبنان»، ولا شك أنَّ الأخيرة هي المكان الأكثر ضعفًا فيها، نتيجة الحالة الأمنيَّة المتردِّية فيها، والموقف السِّياسيّ والرَّسميّ من «الثَّورة السُّوريَّة»، وتغلغل عناصر «حزب الله» في مناطقها.

فـ«المنشقُّون العسكريُّون» حالت الصِّفة العسكريّة التي هم عليها بينهم وبين كثير من «المنظّمات» و«الهيئات» التي من شأنها متابعة أحوال «اللاجئين»، ودراسة أوضاعهم الإنسانيّة والاجتماعيّة، لمنحهم بعض المستحقّات التي تصل «اللاجئين المدنيّين» في الدّول التي هم فيها.

ومن المفترض أن تكون ظاهرة انشقاقهم أكثر استثمارًا وأكثر إيجابيَّة في مصلحة «الثّورة»، وتوجيهها بالشّكل الذي يتناسب والمرحلة التي تمرُّ بها، خاصّة في ظلّ العمليّات العسكريّة الكبيرة التي تشنُّها قوّات «الاحتلال الأسديّ» ضدَّ «المدنيّين» في جميع المدن السّوريّة.

إلا أنّه ومن غير المتوقَّع أصبحت ظاهرة سلبيّة على سير الأحداث الميدانيّة في السَّاحة السّوريّة، فلم يصبح «الضّبّاط» قادةً لكثير من «الألويّة» و«الكتائب المسلّحة» في الدّاخل السّوريّ؛ بل إنَّ غالبية «المنشقّين» من «الضُّبّاط» يحاولون جاهدين الانخراط في العمل الميدانيّ، والقيام بواجبهم ضمن «التّراتبيّة» العسكريّة التي تفرض عليهم أن يكونوا بين صفوف «الجيش الحرّ» داخل «الأراضي السّوريّة» وليس خارجها.

وأرى أنَّ من معوقات وصول كثير من المنشقّين إلى مراكز القيادة في «الجيش الحرّ» التّداخلات الدّوليّة والإقليميّة والقرار الدّوليّ في إدارة الفوضى وليس إنهائها في «سورية، مّما أدّى إلى عدم وجود «جيش حرّ» احترافيّ، مهَّد الطّريق إلى الحفاظ على سيطرة وقوّة «الجيش النّظاميّ».

وكذلك الفجوة الكبيرة بين «الثّوار الميدانيّين المدنيّين» وبين «الضّبّاط المنشقّين»، أوجدها شعور «الثّوار» بأحقّيتهم الشّرعيّة في قيادة «الثّورة السّوريّة»، وتورّط «المؤسّسة العسكريّة» في قمع «المتظاهرين»، وتأخّر عناصرها في الالتحاق بصفوف «الثّوار» وإعلان انشقاقهم.

ومّما زاد في توسيع هذه الفجوة الفكر القيادي العسكريّ الرّاسخ والمتجذّر في أذهان كثير ممن أعلنوا انشقاقهم خاصّة من أصحاب «الرّتب» العالية، الذين ما زالوا يرون أنّهم منتظمين ضمن «مؤسّسة أمنيّة»، وليس «ثورة شعبيّة» تحتاج تنظيمًا من نوع آخر بعيد عن العقليّة العسكريّة التي يتحلّون بها، وأنّهم بمجرد إعلان انشقاقهم وتخلّيهم عن رتبهم العسكريّة واندراجهم بين صفوف الثّوار يصبحون قادة عسكرييّن لخبرتهم في ذلك، وليس للرّتبة التي نالوها في عهد «النّظام البائد».

ولم يبق الأمر محصورًا بين «المنشقيّن» و«الثّوار» فحسب؛ بل امتدَّ إلى صفوف «المنشقّين» أنفسهم، فما إن يقوم قائد لتشكيل عسكريّ بأداء مهمّته حتى يُعلن عن انشقاق آخر يكون أكبر منه رتبة فينازعه مهمّته التي يرى الأخير أحقيّته فيها بالنّظر إلى «القدم العسكريّ» المتعارف عليه في أوساط «الهيكلة العسكريّة».

ومثل هذا التّناحر شبيه بما نشهده من تجاذب وتصارع بين «التّكتّلات السّياسيّة» التي تدَّعي تمثيلها لـ«الثّورة السّوريّة»، وكلُّ منهما في حالته الرّاهنة يسهم بشكل كبير، ويقوم بدور فعَّال في إطالة الفترة الزّمنيّة للصّراع القائم، والحيلولة دون الوصول إلى قيادة عسكريّة عمليّة، هدفها التّنظيم والإنجاز، والعجز في الوقت نفسه عن إيجاد مؤسّسة سياسيّة قادرة على القيام بدورها السّياسيّ من جهة، واحتضان «المؤسّسة العسكريّة» الجديدة من جهة أخرى.