بناء الأمة المسلمة الواحدة

د. بشير عمر أبو لبن

د. بشير عمر أبو لبن

 قال تعالى : " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " .

 نظرة فاحصة متمعنة من مسلم غيور على أمته ودينه إلى عالمنا اليوم وإلى الحضارة السائدة فيه ، ترى ما تكون هذه الحضارة ؟! وماذا يمكن أن نطلق عليها من مسمى ؟! .

 هناك في الغرب وكذلك في الشرق تجد الأخلاق وقد سحقت سحقاً ، فلا يغرنك التقدم المادي ، وكثرة الاختراعات الإلكترونية وغيرها من الطائرات والسيارات وسفن الفضاء ، ووسائل الاتصالات والبث الفضائي ، التي قد وصلت إلى قمة تفوقها ، وقد أصبح العلم اليوم أشبه ما يكون بقرية صغيرة متقاربة الأطراف . ولا يكاد يمضي يوم أو بعض يوم حتى يصلنا خبر اختراع جديد أو اكتشاف مذهل آخر .

 إذن فما يميز هذه الحضارة هو التقدم العلمي والمادي . أما على صعيد الأخلاق والحياة الاجتماعية والعقائدية فإن المؤشر يتجه اتجاهاً معاكساً تماماً للتقدم المادي بل إن وسائل التقدم الصناعي والإلكتروني والاتصالات قد سُخِّرت كلها لهدم ما تبقى من أخلاق الناس .

 حرِّك بيدك مؤشر التحكم في الفضائيات وابحث في القنوات تمر أمامك آلاف المحطات الفضائية التي تبث كل شيء من الغث والسمين ، ولكن ما يدمر الأخلاق من عُري وإباحية هو الغالب عليها .

يحدثني صديق بأن صديقاً له قد ابتاع بطاقة من نوع خاص استخدمها للوصول إلى بعض المحطات الفضائية التي لا يتوصل إليها بالطرق التقليدية مرأى عجباً عجاباً ...!!

 لقد رأى كل أنواع وأشكال الممارسات الجنسية العادية والشاذة : رأى رجلاً يمارس الجنس مع امرأة ورجلاً يمارسه رجل مثله ، وامرأة مع امرأة أخرى أو امرأة " أكرمكم الله " مع كلب ، أو رجل مع طفل أو طفلة بريئة ، وكل ما يخطر على بالك وما لا يخطر .

 لقد تنوع الشذوذ الجنسي وتخطى ما كان يفعله قوم لوط وكل من حذا حذوهم من الأمم بعدهم، لقد اخترعوا أوضاعاً لا تخطر على بال شياطين الجن والإنس .

 وحدثني صديق آخر كان يقيم في بعض مدن أوروبا أنه رأى مبنى كبيراً يتكون من عشر طبقات أو أكثر قد خصص بالكامل لعرض وبيع كل ما يتعلق بالجنس والإباحية من أدوات وأفلام وصور وبيوت للإعارة مما لا يتصوره العقل ولا يخطر ببال .

 هذا على صعيد الفساد الأخلاقي والانحلال في وسائل الاتصالات المختلفة : ( من فضائيات وانترنت وتلفزيونات وغيرها )

 أما في مجال السياسة فماذا ترى ؟! .

لم يعد هناك سياسي يصدق إطلاقاً ، فالخداع والمكر والغش والاحتيال والتلاعب بالألفاظ ونقض العهود ، أصبحت كلها هي المرادف لكلمة سياسة ، وأصبحت الدور التي تملك السلام المتطور تتحكم في الدول الضعيفة وتحتل أراضيها وتفتك أحدث وأبشع أنواع السلام والمتفجرات وافتكها التي تفنت المباني وتمزق الأجسام . مخالفين بذلك كل ما وضعوه هم بأنفسهم من قوانين لحماية الناس والشعوب ، فمن أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين فالصومال يمتد الظلم والقهر والاحتلال بالقوة لشعوب العالم الضعيفة والفقيرة .

 أما على صعيد المال والاقتصاد فحدث ولا حرج فالدول الغنية تزداد غناً وتزداد الفقيرة فقراً ، بل قد أخذت الدول القوية الغنية تفتعل الأزمات الاقتصادية والمالية من أجل مصالحها الذاتية ، مثل أزمة الائتمانات العقارية الأخيرة التي عصفت بالاقتصاد العالمي عصفاً .

 وأينما اتجهت بنظرك إلى هذا العالم لا ترى إلا شعوباً عضها الجوع وفتكت بها الأمراض ، أو شعوباً أخرى متخمةً مرفهةً وكفها ترتع في الفساد والانحلال الأخلاقي .

 إذاً بماذا نجيب عن سؤالنا الذي طرحناه آنفاً ؟ وبماذا يمكن أن ننعت به تلك الحضارة ؟! إنها وبلا تردد حضارة الكفر ...!!

 أي قوةٍ يمكن أن تقف في وجه هذه الحضارة العاتيه ؟! لا بد أن تكون تلك الحضارة موازية لها في القوة معاكسة لها في الاتجاه وذلك حسب النظريات الطبيعية والفيزيائية المعروفة . وليس هناك سوى حضارة الإيمان .. نعم حضارة الإيمان .. ولكن كيف تقوم هذه الحضارة ومن يبنيها ؟ هذا السؤال هو ما يجيب عليه هذا الكتاب ومن أجله تمت تلك الدراسة .

 إنها الأمة المسلمة الواحدة فقط هي القادرة بإذن الله على بناء حضارة الإيمان كي تقف سداً منيعاً وحصناً حصيناً في وجه حضارة الكفر .

 هذا الكتاب الثمين الذي تمت طباعته ونشره باسم دار النحوي للنشر والتوزيع عام 1417 هـ والذي يقع في مائتين وأربع وخمسين صفحة من القطع الكبير محتوياً على سته أبواب رئيسه .

 أما المؤلف فهو الداعية والأديب والشاعر المعروف الدكتور / عدنان علي رضا النحوي .

 إنني من أشرح هذا الكتاب بالتفصيل بل سأترك لمن يرغب في قراءته أن يفعل ذلك ويستمتع بنفسه بهذا الكتاب وإنه ليستحق ذلك .

 لكني سوف أبين باختصار كيف مضى المؤلف في بيان الدرب الذي تقوم عليه الأمة المسلمة الواحدة من أجل أن تقوم حضارة الإيمان سالفة الذكر .

 يبين الباحث في خطوات متسلسلة تسلسلاً منطقياً منهجياً عن طريق تحديد أهدافٍ ستة يصفها بأنها أهداف رباعية ثابتة ، لأنها من عند الله سبحانه وتعالى وليست من إجتهاد البشر تلك الأهداف الستة إذاً سادت بشكل صحيح وأتبعها المسلمون بدقة وأمانة فإنها بإذن الله ستؤدي إلى بناء حضارة الإيمان .

 وإليك الأهداف حسب تسلسلها :

أولاً : الدعوة إلى الله ورسوله إلى الإيمان والتوحيد من أجل تبليغ رسالة الله إلى الناس كافة كما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم على خطه ونهج وتعهدهم عليها .

ثانياً: التربية والبناء : أي تربية هؤلاء الذين تمت دعوتهم إلى الإيمان والتوحيد على نهج واضح وخطةٍ مدروسة واعدادهم لتكوين القوة الضرورية وأسبابها .

ثالثاً: بناء الجيل المؤمن : كثمرةٍ للخطوتين السابقتين فإنه ينتج جيل مؤمن تتجمع فيه الخصائص الربانية وأسباب القوة التي هي مدعاة لتُنزل نصر الله على المؤمنين .

رابعاً: الجهاد في سبيل الله : هذا الجيل المؤمن الذي نشأ بالصفات الإيمانية المطلوبة هو فقط الذي يمكن أن يجاهد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .

خامساً: بناء الأمة المسلمة الواحدة : نتيجة لجهاد الجيل المؤمن بكل ضروب الجهاد والعطاء والبذل ، بذلك تقوم الأمة المسلمة الواحدة على وجه الأرض .

سادساً: قيام حضارة الإيمان والتوحيد بجهد وجهاد الأمة المسلمة الواحدة بدلاً من حضارة الكفر والفتنة والفساد ، بدلاً من الحضارة المادية التي أغرقت الأرض بالجريمة والعدوان والظلم والفتنة والفساد ، إنها حضارة الإيمان التي تحتاجها البشرية لتنعم بالأمن والعدل والحرية والمساواة ، وأي رسالة غير الإسلام تستطيع أن توفر للإنسان هذه النعم الجلُّي من عند الله .

 وحين يمضي المؤمنون بالهدف الأول إلى الهدف الثاني يعمل الهدفان معاً ، وعن الهدف الثالث تحضي الثلاثة معاً نحو الهدف الرباني الرابع ، وهكذا حتى تتحقق الأهداف الستة الربانية الثابتة . جميعاً ز وتلك الأهداف الربانية يعد تحققها يجب أن تظل ماضية مع المؤمنين أبد الدهر.

 ويبين المؤلف تفاصيل متعددة ونظريات ومناهج بل إنه يفتح مدرسة كبيرة حقاً أطلق عليها إسم : لقاء المؤمنين وبناء الجيل المؤمن ، يشرح في عدد من الكتب تجاوز المائة كتاب ، كل التفاصيل الدقيقة التي تلزم المسلمين من أجل استرداد مجدهم وقيام أمتهم الواحدة وهو لم يألو جهداً من أجل أن يبين للمسلمين في هذا العصر والمجد والسؤدد .

 إن هذا المنهج الذي يطرحه الداعية الدكتور عدنان علي رضا محمد النحوي هو المنهج الأول في هذا العصر الذي يعتبر منهجاً متكاملاً لنهضة الأمة المسلمة الواحدة من جديد . وقد جاء ثمرة يانعة طيبة لجهاد طويل من ميدان الدعوة الإسلامية ناف على الخمسين عاماً على أرصد الواقع وبين صفحات الكتب والمكتبات ،صابراً متحملاً الأذى والمرض محتسباً ، كل ذلك في سبيل الله حباً في نصرة الإسلام والمسلمين .