حوار الثقافات والحضارات

يسري الغول

[email protected]

دعيت مؤخراً للمشاركة بمؤتمر حوار الحضارات والثقافات في أذربيجان كأحد أعضاء فريق الأمم المتحدة لتحالف الحضارات بمنطقة الشرق الأوسط، وبصحبة عدد كبير من المثقفين وصناع القرار في العالم، حيث التقينا هناك وزراء وسفراء ومثقفين لهم لمساتهم على صعيد الاندماج الحضاري والثقافي. وكانت جلسات المؤتمر تحاول وضع الخطوط العريضة للعلاقة بين المشرق العربي والغرب. وتحدث في ذلك سعادة السيد ناصر عبد العزيز الناصر الممثل السامي لتحالف الحضارات بالأمم المتحدة، والسيدة أيرينا بوكوفا مدير عام اليونسكو "الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة"، ورؤساء ووزراء سابقين، وكانت هناك محاولات لجسر الهوة بين الثقافات ولكن بصورة نمطية أكثر منها إبداعية، حيث حاول كثيرون التملص من حقيقة كون صراع الحضارات أزلي ومستمر، باستخدام كلمات تسامحية وتصالحية بعيداً عن حقيقة أن القوى الرأسمالية والليبرالية وغيرها من جهة والدينية الرديكالية والأصولية من جهة أخرى تحاولان فرض رؤيتهما للعالم بما يحقق مصالحهم الخاصة، ومحاولات فرض رؤى بعينها على الأمم ومعاداة من يخالفها، الأمر الذي يدفع بالتساؤل حول حقيقة تحالف الحضارات في ظل تصارع القوى والأقطاب العالمية حول العديد من القضايا السياسية والدينية، وبروز أدوات جديدة لقيادة الصراع في العالم. هذا بالإضافة إلى موقف دعاة الوحدة والتسامح الحضاري من القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة، وعدم الحديث بأي حال حول القضايا التي تخص في مجملها كل عربي ومسلم، والتي تؤثر بشكل عام على طبيعة الصراع الديني والحضاري والفكري والسياسي. فلا يوجد أي عربي أو مسلم يقبل ما يجري في تلك البقعة الدامية، ولذلك وقف أحدهم ليطرح رؤيته لتلك القضية وموقف الأطراف الدولية من الصراع التاريخي مع إسرائيل، فحدث نوع من البلبلة داخل القاعة وتم تجاهل السؤال المطروح.

كما أن الحديث عن حوار الثقافات يدفع بتساؤل آخر أكثر أهمية من سابقه، وهو: ما مدى الاندماج بين أبناء الوطن الواحد، والهوية الواحدة والتاريخ الواحد، فلو تحدثنا هنا عن النسيج المجتمعي المتهتك بسبب الدكتاتورية التي تمارسها الأنظمة والأحزاب المعارضة في البلدان العربية لأدركنا بأن الحديث عن تحالف الحضارات يجب أن يسبقه الحديث عن تحالف أصحاب الحضارة الواحدة، والديانة والتاريخ الواحد، وتحقيق وحدة الهوية الثقافية الواحدة أساسها الوطن للجميع بأغلبيته وأقليته، والحزب مجرد أداة لتحقيق غايات تتلاقى في نهايتها مع بقية الأحزاب والأنظمة الموجودة في تلك البلاد أو الدول أو الدويلات.

أختم، بأن الربيع العربي كشف عورة الأنظمة الحاكمة والأحزاب المعارضة أيضاً، حيث يسعى الجميع لتحقيق مصالحه على حساب الوطن، مستغلاً حالة الفراغ الفكري والثقافي للمواطنين، وهو ما يدفع بتأجيج المنطقة لفترات طويلة.