"الوزن" و"العمر" هاجسا النساء

عابدة فضيل المؤيد العظم

"الوزن" و"العمر"

هاجسا النساء

عابدة فضيل المؤيد العظم

عجيب أمر "النساء"، كلما كبرن ومرت عليهن الأيام وتكاثرت عليهن الليالي، وعمل المشيب في رؤسهن وأصاب الترهل عضلاتهن والوهن عظمهن... رحن يخفين أعمارهن، وينكرن تقدمهن في السن. وإن تجرأت امرأة منهن وأفشت عمرها أنكرت عليها صديقاتها فعلتها تلك وتبرأن منها خوفاً من أن تفضحهن في أعمارهن وهن أقرانها!

هاتان أعظم أسرار النساء ((الوزن)) و((العمر))! وإذا سُئلت المرأة عن عمرها زجرت السائل قائلة: "المسألة شخصية ولا يجوز لأحد السؤال عنها ولا التدخل فيها"! يغضبن من السؤال ويخفين الجواب وكأن تكور أجسامهن لا ينبئ عن ثقل أوزانهن! وكأن صفحات وجوهن لا تدل على تقدمهن في السن، ويكفي المرأة المتخفية أن تظهر في المجتمعات النسائية بلا حجاب لتبدو الحقائق واضحة جلية على الجسم والقسمات.

وأود أن أهمس لبعض النساء بأن اعترافهن بأعمارهن وأوزانهن أخف وطأة من إخفائها وأرحم! لأن الشكل أحياناً يخدع الناظر فيتعاظمه ويتوهمه أكبر من حقيقته، فالهم والقلق (وما أكثر الهموم والمقلقات) ترهل الإنسان وتفقده النضارة والحيوية. وبعض الموضات تنفخ الجسم وتزيد مظهره بدانة، فتظهر بعض النساء أكبر سناً وأكثر سمنة، وفي هذا إساءة وأي إساءة إلى مركز مثل هؤلاء السيدات!

وإن هذا كله رغم غرابته غير مهم، إنما المؤسف والمحزن هو أن أكثر النساء اللاتي يرعين مظهرهن ويسعين إلى تحسينه وتجويده وتزيينه يغفلن عن مخبرهن، وينسين أن المرأة وإن كانت تفقد الجمال والنضارة كلما تقدمت سنة إلا أنها تكتسب الحكمة كلما كبرت يوماً، وهو الشيء الأهم والأكثر فائدة، وبها تبقى المعادلة متوازنة وتبقى المرأة رابحة لو فكرت بهذه الطريقة.

والمرأة كلما كبرت "نضجت ووعت وازدادت عقلاً وحنكة"، والرجال والنساء الذين خبروا الحياة لا يعجبون إلا بالمرأة العاقلة الحكيمة لأنهم أدركوا أن الجمال والشباب يذهبا ويُنسيا والبقاء (لحسن التصرف وجودة التعامل) وهذا سر الجمال والسعادة. على أن أغلب الناس ما زالوا يظنون أن المرأة متى تجاوزت الثلاثين (أو حتى العشرين عند بعضهم!) تكون قد بدأت في مرحلة الشيخوخة فيعرض أغلب الرجال عن الزواج منها، والسبب أنهم يلاحظون الظواهر ويتركون البواطن، فينظرون إلى شكلها ويغفلون عقلها! في حين اهتم الإسلام بالجوهر أكثر من المظهر، ولذلك جاء في السنة أن سن الاكتمال هو الثالثة والثلاثين ويبدو -والله أعلم- أن المرأة في هذا السن تكون متوازنة من حيث العقل ومن حيث جمال المظهر؛ فيكون عقلها ناضجاً وشكلها ما زال نضراً، فقد قال ابن عباس في تفسير {عرباً أتراباً}[] يعني في سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة[2]. وروي عن معاذ بن جبل أن النبي  قال: "يدخل أهل الجنة الجنة مرداً جرداً مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة"[3]، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: "من مات من أهل الجنة من صغير وكبير يردون بني ثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها ولا ينقصون وكذلك أهل النار"[4].

وتبلغ المرأة وكذلك الرجل الكمال في سن الأربعين ويكفي الناس دليلاً على ذلك أن عمر النبوة هو الأربعون وقد بعث الأنبياء وفيهم سيدنا محمد على الأربعين. وقال تعالى: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة}[5] ويقول الشهيد سيد قطب في تفسيرها: "وبلوغ الأشد يتراوح بين الثلاثين والأربعين. والأربعون هي غاية النضج والرشد، وفيها تكتمل جميع القوى والطاقات، ويتهيأ الإنسان للتدبر والتفكر في اكتمال وهدوء. وفي هذه السن تتجه الفطرة المستقيمة السليمة إلى ما وراء الحياة وما بعد الحياة. وتتدبر المصير والمآل"[6]. وجاء في تفسير آخر: "{وبلغ أربعين سنة} أي قوي وشب وارتجل، وتناهى عقله، وكمل فهمه وحلمه، ويقال إن الفرد لا يتغير فيما بعد عما يكون عليه عند بلوغه الأربعين".

وقد قالوا قديماً أن الشباب شباب الروح، فلا تنظرن -أيتها النساء- إلى التغييرات الجسدية حتى لا تغتممن وتحزن، بل فكرن بالنضج العقلي الذي حصلتن عليه ولا تقفن طويلاً أمام المرآة بل اجلسن مع أنفسكن وأصلحن دواخلكن، فإن فعلتن انعكس كل هذا على صفحات وجوهكن فامتلأت نوراً ونضارة وإشراقاً.