أصحاب الأقلام الصغيرة

عابدة فضيل المؤيد العظم

أصحاب الأقلام الصغيرة

عابدة فضيل المؤيد العظم

مساكين الموهوبون من أصحاب الأقلام الجديدة! إذ لديهم الأفكار الجيدة والأساليب المقبولة والحس الأدبي، إلا أنه لا فرصة لهم في الوصول إلى القراء! وطالما طرحوا موضوعات رائعة وعرضوها بطريقة عملية مشوقة ومقنعة، ولم يفدهم كل ذلك شيئاً!

فالمجلات العريقة ترفضهم لأنهم مجهولون لا تعرفهم وتفضل أصحاب الأقلام الكبيرة عليهم، والمجلات الحديثة تتهرب منهم لأنها تتوق إلى التقوي بالأسماء اللامعة... ويتخبط هؤلاء الكتاب الجدد أصحاب الأقلام الصغيرة هنا وهناك.

وإذا حالف الحظ أحدهم وتقبلوا بعض مقالاته، فإنهم يتعاملون معها بلا مبالاة، وتستعمل كحشوة حين تفتقد المادة اللازمة لاتمام العدد، وتوضع في الزوايا المهملة، ويكتب اسم المؤلف بخط صغير.

ويثابر صاحب القلم الصغير ويكتب المقالات، وحين لا يحظى بالتقدير اللازم وتتكدس مقالاته بين يده ولا يجد أكثرها طريقه للنشر، يتسرب الملل إليه، ومع الأيام يترك الكتابة وتذهب الحماسة، وهكذا تتوقف المقالات المفيدة وتنتهي وتموت العقول الجديدة المثمرة، ونخسر الأفكار البناءة الفاعلة، وينشغل كاتبها في مجال آخر.

الموهوبون يسبقون زمنهم ويطرحون أشياء لم يسبقوا إليها، فيظلموا! لأن أكثر الناس يرفضون الأفكار الجديدة التي تسبق زمنها، ويرفضونها بصرامة أكبر حين تصدر من شخص مغمور، ويخافون منها ولو كانت بناءة وعميقة.

وبعد مدة يتنبه الناس لتلك الأفكار العظيمة فيطرحونها من جديد، ولكن بعد فوات الأوان وبعد ذهاب بريقها وفائدتها، وبعد وقوع المحذور فتصبح عديمة الجدوى، وقد يسمع أحدهم تلك الأفكار القيمة فيقتبسها وينسبها لنفسه ويصفق له الناس، ويخسر صاحب الفكرة الأجر والشكر وتطوير نفسه، ونخسر نحن المزيد من إبداعاته وأفكاره النيرة.

وأما إذا وفق الله ذلك الموهوب صاحب القلم الصغير وانتبه الناس لأفكاره القيمة الجديدة، وقدره الناس أخيراً وصار كبيراً فإنه لا يفتأ يعيد تلك الأفكار التي سبق وطرحها وهو صغير، ولا يطور نفسه، ولأنه حظي بالثقة سيظل الناس يحتفلون بأفكاره ويصفقون له رغم تكرارها، ويستضيفونه ويسمعونها منه عشرات المرات، ويذرون ما عداها من الأفكار الجديدة والأكثر قيمة ومواكبة لأحداث العصر... فقط لأنها صدرت من كاتب مبتدئ لا اسم له ولا شهرة.

وباختصار

الكتّاب الكبار يكررون أفكارهم القديمة، فهم يصلحون للوعظ والتذكير، والصغار يطرحون الأفكار الجديدة البناءة المبتكرة، فانتبهوا للمبدعين منهم واهتموا بأفكارهم وشجعوهم، فنحن بحاجة ماسة للتجديد والإبداع في الطرح، وبحاجة لسبل جديدة في الإقناع، وبحاجة لمن ينوب مكان الأقلام المكررة، وبحاجة إلى حلول عصرية وبناءة لمشكلاتنا.