وألبسوه عباءة سوداء وقد بدت أنيابه الصفر

وألبسوه عباءة سوداء وقد بدت أنيابه الصفر

محمد علي شاهين

[email protected]

ولمّا صار امرؤ القيس إلى ملك الروم ليأخذ بثأر أبيه، أكرمه ونادمه، واستمده فوعده ذلك، ثم بعث معه جيشاً فيهم أبناء ملوك الروم، فلما فصل قيل لقيصر: إنك أمددت بأبناء ملوك أرضك رجلاً من العرب، وهم أهل غدر، فإذا استمكن مما أراد وقهر بهم عدوه غزاك.

فبعث إليه قيصر مع رجلٍ من العرب كان معه يقال له الطمّاح بحلة منسوجةٍ بالذهب مسمومةٍ، وكتب إليه: إني قد بعثت إليك بحلتي التي كنت ألبسها يوم الزينة، ليعرف فضل منزلتك عندي، فإذا وصلت إليك فالبسها على اليمن والبركة، واكتب إلي من كل منزل بخبرك، فلما وصلت إليه الحلة اشتد سروره بها، ولبسها، فأسرع فيه السم وتنفط، جلده، والعرب تدعوه ذا القروح لذلك، ولقوله:

وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ ... فَيَالَكَ نُعْمَى قَدْ تَحَوْلَ أَبْؤُسَا

وشغل الأدب الإسلامي برائعة كعب بن زهير الغزليّة المطلع على عادة شعراء الجاهليّة.

بانَتْ سُعادُ فَقَلبي اليومَ مَتْبولُ * مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ

 احتشم فيها وتأدّب ومدح رسول الله، فلما فرغ من مدحه "صلى الله عليه وسلم" أخذ فى مدح صحابته ووصفهم بأنّ فى أنوفهم شمم، وأنهم محاربون أشداء ولكنهم رحماء على الضعيف، تشبع سباع الأرض والسماء من أشلاء أعدائهم، أما هم فلا تقربهم بل هم أنفسهم الأسود، لا يولّون الأدبار فيضرب العدو ظهورهم، لهم اعتناء بآلة الحرب وعدته، يلبسون دروعا سابغات كأنّها صناعة داود عليه السلام، وهي كبيرة ومجدولة مثل نبات العقفاء المجدول الأشواك، وشبّه المسلمين بالجمال الشديدة البياض، ووصف عدوهم بالقميء وبالسواد الكالح.  

ولمّا وصل إلى قوله :

إنّ الرسول لنور يستضاء به * مُهَنَّدٌ من سيوف الله مسلول

رمى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه، فيا لها من بردة شريفة توارثتها الملوك والخلفاء.

ونسج شرف الدين البوصيرى قصيدة ميميّة على منوال قصيدة كعب بن زهير مطلعها:

أمن تذكر جيران بذي سلم     مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

وقيل إنّ سبب نظمها أنّه أصيب بمرضٍ عُضالٍ، لم ينفع معه العلاج، فكان يُكثر مِن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى رآه في المنام ذاتَ ليلةٍ، فغطَّاه ببردته الشريفة، فلمَّا نهض "البوصيري" مِن نومه: قام وقد برئ من سقمه، فأنشأ قصيدته الشهيرة: البردة، وقيل البرأة.

وجرى ذكرها في الناس، ولما بلغت الصاحب بهاء الدين وزير الملك الظاهر استنسخها ونذر ان لا يسمعها الا حافيا واقفا مكشوف الرأس، وكان يتبرك بها هو وأهل بيته.

وخرج أمير الشعراء أحمد شوقي عن مألوف الشعراء في الملاحم فنظم قصيدته الكبرى (نهج البردة) ومطلعها:

ريم على القاع بين البان والعلم * أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

وما دمنا قد تحدثنا عن حلّة قيصر المسمومة في الجاهليّة، وبردة الرسول الشريفة في الإسلام، فلا بدّ من الحديث عن عباءة سوداء في جاهليّة القرن الحادي والعشرين، ألبسها وفد يدّعي تمثيل الأردنيين لطاغية الشام بشّار، اثارت عاصفة من الجدل والإعتراض الشعبي في الأردن.

وشتّان ما بين البردة الشريفة المكلّلة بالمحبّة، وحلّة قيصر المسمومة المجلّلة بالغدر والعار.

أمّا عباءة بشار فهي رسالة سوداء، خالية من المحبّة والمودّة للشعب السوري الذي يذبح كل يوم بسكين النظام.

ولا يضيرنا وصف رئيس الوفد للحقود بشيخ العشيرة، ولا وصفه بزعيم الأمّة، وقد فاته قول المقنّع الكندي:

لا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِم * وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا

ولا وصفهم للكاذب الذي وضعوا العباءة السوداء المجلّلة بالعار على كتفيه بالرائد الذي يصدق قومه وأمّته ووطنه.

وهل يصدق قومه من يقصف شعبه بالصواريخ البالستيّة، ويغير بطائراته الحربيّة على المناطق المأهولة بالسكّان، فيفرغ شحنة حقده الطائفي وبغضه لشعبه من القنابل العنقوديّة والفراغيّة والبراميل المتفجّرة على المدن والأرياف السوريّة الآمنة؟

أم يصدق أمّته من يتحالف مع أعداء العرب، ويستمدّ منهم العون والمساعدة والتأييد؟

أو يصدق وطنه من يدمّر جيش البلاد واقتصادها، ويسرق كنوزها، ويبدّد السلام الاجتماعي، والسلم الأهلي، ويهدّد بتقسيم البلاد؟

ومن قال إنّ الشعب الأردني يقف خلف ميتّم الأطفال ومرمّل النساء وقاتل الشيوخ، ويقف على يمين بشار وعلى يساره وبحضوره وغيابه يا سيّد خريس؟

وهل الذي يترك شعبه في مخيمات اللجوء سنتين كاملتين تحت رحمة المعونات الانسانيّة، يموت ببطء، تحت عاصف الريح وقاصفه، ولهيب الشمس، وقارس البرد، حاضر في عقول الأردنيين؟

أم أنّ هؤلاء الفارّين من بطشه وجبروت أجهزته ومسدّس سلطته عقداً كاملاً من القمع غير حاضرين في ضمائر الأردنيين الشرفاء ووجدانهم؟

لقد كانت الإساءة موجّهة إلى الأردنيين الذين ادّعوا تمثيلهم، قبل أن تكون موجّهة للشعب السوري.

وليعلم هؤلاء أنّ عرى المحبّة ووشائج القربى بين الشعبين الشقيقين، أمتن من أن تلوّثها عباءة سوداء مسمومة.

فهل من شاعر فحل ينشدنا قصيدة عصماء في هذه المناسبة تروي غليلنا مثل قصيدة كعب، يروّيها الآباء لأبنائهم مثل لاميّة العرب، تبرئ سقمنا مما أصابنا من هذه العباءة الملوّثة.   

واستأذنوه أن يلبس العباءة التي حملوها من طهران ونسجوها في قم، وحملوها تحت جنح الظلام، كجناحي غراب، فلبسها وهم يصفّقون فرحين، وقد بدت أنيابه الصفر.