الثلوج الدافئة

عزة مختار

قد يعجب القارئ من ذلك العنوان لأول وهلة فكيف تكون الثلوج دافئة لكن حين يتدبر الأمر يجد أن معظم الناس يعيشون في ظل تلك العلاقة العجيبة بين الثلج وبرودته وبين الدفء وحلاوته .

فالعلاقة بين المؤمن وربه هي علاقة دافئة حين تتحلي بالعمل الصالح المتجدد دائما بروح الإيمان الصادق والعلم النافع ، والفهم الواضح ، والإخلاص الجميل ، والعلاقة بين الناس هي علاقة دافئة حين تتحلي بأخلاق الدين وتقوي الله فيكون فيها احترام الكبير والعطف علي الصغير وحمل المحتاج ومساعدته والسعي علي الأرامل والأيتام والمساكين ونصرة المظلوم والأخذ علي يد الظالم والنصح لله والحب في الله والتزاور في الله والإصلاح في الدنيا وتعميرها بذكر الله والتمكين لكلمته وإعلاء راية شرعته والتعاون علي كل ما هو صالح وكف أذي النفس عنهم ، والعلاقة بين المسلم وذوي رحمه هي علاقة دافئة حين تتحلي بالوصل في الله والعطاء لله والتكافل فيه حبهم لا يطغي علي حب الله ورضاهم بعد رضاه "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين  "  التوبة ، والعلاقة بين الإنسان وبين نفسه هي علاقة دافئة إذا اتسمت بأن يعيش الإنسان غير متناقض مع نفسه فهو وروحه وقلبه ونفسه وجسده في اتجاه واحد هو السعي إلي رضوان الله عز وجل منسجم مع نفسه بأن ينسجم مع منظومة الكون المسبح الموحد من حوله " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام 

وكذلك هي العلاقة بين الأزواج هي علاقة دافئة مبنية علي الحب والود والسكن والقرب والستر فليس اقرب إلي الزوج من زوجه فهي ستره وسره وعفافه  وهو المسئول عنها أمام الله عز وجل بالإنفاق عليها وحمايتها وتعليمها أمور دينها ووقايتها من النار " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ وليس أقرب إلي الزوجة من زوجها  فهو جنتها أو نارها برضاه تنال رضا الله وبحبها له تؤجر وبطاعته تتقرب إلي ربها ثم هي إذا  كانت بين يديه تسعده وتعفه فهي في أعلي درجات الطاعة ، إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته ، همها همه وسعادتها في رضاه عنها وقربه منها .....

فأين هو الثلج إذن في كل هذا الدفء الرائع ؟

إنما أقصد بالثلوج هنا جمود إحدى هذه العلاقات وتوقفها عند حد معين بلا تجديد لمعين الدفء الذي يزودها بالطاقة المتجددة والتي هي معرضة دائما للنفاذ

 وأقصد بالدافئة أنه ما زال هناك في القلوب بقية من ذلك الدفء إذا كشفنا عنه الغطاء وما زال هناك استعداد وقبول للتغيير والإبقاء علي أصل العلاقة والسعي الجاد للعودة بها إلي بر الأمان  

وسوف نتحدث بإذن الله عن تفاصيل تلك العلاقات كل علي حدة كيف تبدأ وكيف نعرف أننا وقعنا فيها ثم كيف نعالجها أولا بأول حتى لا يتطور الأمر بما يهدد حياتنا الدنيا والآخرة

وأحب أن أبدأ حديثي إلي الأزواج علي اعتبار أن البيت عادة هو اللبنة الأولي في إصلاح النفس وهو العش الذي يتربي فيه الأجيال وهو الطاقة التي يستمد منها الزوج أو الزوجة معين الاستمرار في الحياة والانطلاق فيها سواء للبناء أو الهدم حسب توجه كل بيت ، ثم إن تصنيفات الناس لا تخرج عن مكونات البيت فهو إما زوج أو زوجة أو أم أو أب أو أبناء وهؤلاء هم مكونات المجتمع فإذا صلحت تلك المؤسسة البيتية صلح كل من بها وبذلك ينصلح المجتمع بكل فئاته .

والثلوج الدافئة في العلاقة الزوجية معناها أن هناك بقايا في قلب كل طرف من الأطراف بقايا من حب وود واحترام للطرف الآخر فلو سألت زوج ممن وقع بيته في ذلك المنعطف والذي يكون عادة هارب من بيته ملتمس الدفء في مكان آخر عن زوجته لو سألته عن تقديره لزوجته يقول لك :  والله لا أعيب عليها في شيء ملموس وأنا أحبها وأقدرها ولا أفكر مجرد تفكير أن أتركها لكن هناك شيء كبير ينقصني ، علاقتنا شابها شيء بمرور الوقت وأصبحت من الرتابة بحيث لم أعد أطيقها ، إنها في واد وأنا في واد آخر ، أعود من عملي لأجدها في المطبخ ، تأتي بالطعام بكل برود لا أري في وجهها اثر ابتسامة وإنما هموم وكلمات باردة وشكوى متواصلة ، أحاول أن أحدثها عن عملي وما لقيته من مضايقات فيه فتحدثني عن مشاكلها مع والدتي أو مع جارتها أو مع الأولاد فأسكت واستمع مضطرا إلي الاسطوانة اليومية التي لا تنتهي ، وإذا طلبتها تعللت بالتعب اليومي وضيق الوقت وضيق النفس ، وإذا أردت مناقشتها في أمر من الأمور العامة وجدتها ليس عندها فكرة عما يدور من حولنا فهي منشغلة بدائرة ضيقة من المشكلات لا تريد الخروج منها  ، كل يوم هو ككل يوم ليس هناك جديد فأين كل ذلك من تلك الإنسانة الرقيقة التي تزوجتها والتي لم تكن تألوا جهدا في إسعادي وإرضائي ومفاجئتي بالجديد كل يوم  حتى لقد ظننت أنني أعيش معها في الجنة . وطلبت منها كثيرا وحذرتها من أن علاقتنا بدأت الدخول في الثلاجة وسوف نخسر كثيرا أنا وهي علي السواء لكن عللها لا تتوقف  فاضطررت أن أبحث عن السعادة والتغيير والتجدد في مكان آخر .

كذلك الزوجة حين تسأل عن زوجها وما الذي أدي بعلاقتهم الزوجية إلي الفتور والبرود فتقول : لم يعد كما هو فأين كلامه الطيب وملاحظاته الدقيقة التي كان يراعيها عند أي تغيير في البيت إلي الأفضل ؟ لم يعد يطلب مني الخروج كما كنا في السابق ، لم يعد يري مني إلا التقصير والتعب ويتهمني بالإهمال لأتفه الأسباب حتى اهتمامي وانشغالي بالأولاد يحسبه تعمدا مني  لإهمال شئونه حتى كلمة الحب ما عاد يذكرها حتى كلمة الشكر الذي ما كان يفتر لسانه بها ما عاد يقولها ، وإذا سألناها : وهل يمكن أن تفرطي فيه لهذه الأسباب أو تسمحي بإنهاء تلك العلاقة بينكما ، فتجزع ويتغير لونها وتقول لا أبدا لا يمكن أن أفرط فيه فهو زوجي الذي أحبه وأقدره وأحترمه ولولا ذلك الفتور منه وتغيره لكنت أسعد إنسانة في الدنيا . 

وهكذا يكون الأمر فلا غني لأحدهما عن الآخر في الحقيقة لكن في نفس الوقت كل منهما متشبع بما يبعده عن الآخر ويتوقف الأمر عند هذا الحد دون أن يبحث احدهما أين الخلل فربما كان عنده هو ، ولا يحاول طرف أن يتنازل للآخر ويبدأ حوار الإنقاذ فيكون الفتور والبرود والتجمد .

إننا  حين نتطرق إلي تلك الموضوعات الهامة نلجأ عادة إلي تشخيص الداء بوضع الأسباب التي تؤدي إلي المشكلة التي تبدأ غالبا تدريجية فلا يشعر الزوجان بها وإلا وقد تفاقمت ودخلت الثلاجة ، ثم نبدأ بوضع الحلول وحينها لا بد أن نبحث منذ البداية إذا أردنا أن نضع أيدينا علي الداء الأصلي .

وهنا أردت أن أتناول الموضوع من وجهة أخري وهو أن أضع المثال المتكامل فعلا للبيت المسلم وذلك من المنبع الأصلي لنموذج يحتذي بتوجيه الله عز وجل " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر "  وهو بيت النبوة .

 

أن الله عز وجل لم يعطي لشيء من القداسة بعد الميثاق الذي أخذه علي أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم إلا للزوجة حين تتزوج بزوجها فيقول عز من قائل " وأخذن منكم ميثاقا غليظا " وذلك لعظم ذلك العقد بين الزوجين والذي سوف يكون أساس الأمة كلها فان هو كان صحيح البناء سليم البنية فكذلك سيكون النشء بإذن الله الذي سيعول عليه حمل الأمانة وتسليمها جيلا بعد جيل

وها نحن نري اليوم المجتمع الإسلامي في تدهور مستمر فنسبة الطلاق المتزايدة تنذر أننا علي حافة الهاوية وبأن الأسرة المسلمة بكيانها المعروف مستهدفة للتدمير ثم ذلك هو النشء أمامنا - إلا من رحم ربي - يبشرنا بجيل هش سطحي لا يعول عليه بناء حضارة امة كانت في مقدمة الأمم يوما وعلمت العالم أسس الحضارة ثم هي اليوم لا تذكر إلا في مصاف العالم المتخلف

أن المرأة المسلمة التي أبعدت عن العلم الحقيقي وأريد لها ذلك منذ استعمر عالمنا الإسلامي لتجهيلها كانت هي السبب الرئيسي فيما نحن فيه اليوم وإلا فانظروا إلي أمكم عائشة معلمة الأمة والتي نقلت لنا ربع الشريعة وحدها وكيف بعلمها غيرت وجه العالم وكانت فخر وأي فخر للمرأة المسلمة والتي لم تصل لعلمها امرأة أخري مسلمة أو غير مسلمة

 ولست ألقي باللوم علي المرأة المسلمة وحدها وإنما إلي الرجل الذي فهم أن من مقتضيات التدين أن يعزل المرأة عن مصادر العلم الصحيحة وذلك لحقب متتالية فظهرت تلك الأجيال التي لا تمت إلي الإسلام أو التدين بصلة

ثم تلك العلاقة الهشة المبنية علي مجموعة من الأهواء المستقاة من وسائل إعلام مسمومة  فتتصدع عند أول منعطف كما نري الإحصائيات في المحاكم الشرعية اليوم والتي لم تعد خافية علي أحد

من من القادة اليوم أو من المسئولين أو أي من الرجال حين يسأل عن أحب الناس إليه فيعلنها أمام وسائل إعلام عالمية أن أحب الناس إليه هي زوجته فلانة هكذا باسمها بكل وضوح ودون خجل وبدون تردد

هكذا فعلها النبي صلي الله عليه وسلم نبي الرحمة يعلن حب امرأته وحبيبته أمام جيشه وفي حديث يروي إلي يوم القيامة إلي العالم كله حين يسأله عمرو بن العاص من أحب الناس إليك يا رسول الله في حديث رواه البخاري ومسلم  فيقول نبي الإنسانية " عائشة " فيقول عمرو بن العاص ليس عن النساء أسألك يا رسول الله فيقول " أبوها "

صلي الله عليك وسلم يا رسول الله ، بالله عليكم لو ذكرها رجل اليوم وعرفت بها زوجته فما يكون شعورها تجاه زوجها وأي سعادة غامرة ستكون فيها وما المشاعر التي ستفيض منها فتنطلق إلي العالم كله بالايجابية والحب والعطاء

ومن اللطائف أن يقول الحبيب عليه الصلاة والسلام " أبوها " ولم يقل أبو بكر صاحبي مع عظم مكانته رضي الله عنده وعند الله عز وجل ومع هذا نجده ينسبه إليها " أبوها " وكأن حبه من حبها هي وكأن حبها هو الأصل   
فماذا لو أصبح الزوجان كل يوم ليعبر كل واحد منهما عن حبه للآخر بكلمة طيبة أحبك أو أشتاق إليك أو ليس لي في الدنيا غيرك أو حين تودع الزوجة زوجها وهو ذاهب إلي عمله بكلمة لا تتأخر فلا أقدر علي بعدك بينما هو يقول لها سأعد الساعات حتى أعود إليك ماذا سيكون حال البيوت وكيف سيصبح حال المجتمع ؟ خاصة أن ذلك الحب وذلك التعبير عنه في إطار الشرع الجميل وهما مأجوران عليه بإذن الله وإلا فلمن توجه طاقة الحب لديهما ولمن توجه كلماتها أو كلماته ونظراتها أو نظراته والإنسان تأسره كلمة حب أو نظرة عطف فلم لا تكون بين الزوجين وها هو حبيبنا المصطفي يقول "  إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله إليهما نظرة رحمة فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما " صححها السيوطي.

صلي الله عليك يا رسول الله يا من علمتنا الحب ورضي الله عنك يا أمنا الحبيبة وأنت تقولين ومالي لا يغار علي مثلك يا رسول الله ، إنها تبرر الغيرة فإنها المحبة المتيمة بحبه وهو المستحق لذلك الحب فلم لا تغار ؟ وهي بذلك تمتص أي غضب يمكن أن ينتج عن تلك المسألة عند النبي صلي الله عليه وسلم

فلتعطي إذا أردت أن تأخذ ، ولتهب دون أن تسأل إذا أرت السعادة المطلقة ، ولتكن عندك البداية والطرف الآخر سيأتيك ساعيا إذا أردت أن ترضي ربك

من من النساء حين تتحدث عن زوجها علانية أمام الناس فتقول " حدثني حبيبي " ؟ حتى إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين حين يروون عنها يقولون عن الصديقة حبيبة رسول الله

ومن منا يستطيع أن ينكر قيمة الحب في بناء النفوس السوية والأسر المستقرة والمجتمعات الفتية  ؟ وهل يستطيع إنسان أن يعيش دون الحب والرحمة والمشاعر الدافئة ؟ انه ضد الفطرة التي خلق الله الخلق عليها ولكن الفارق عندنا أن تلك الفطرة وتلك المحبة موجهة لمن أمر الله بحبهم فهي طاقة موجهة فيما يرضي الله تبارك وتعالي ولا تغضبه كما توجه وسائل الإعلام بمختلف أشكالها فينهدم ذلك الصرح الكبير الذي يسمي بالأسرة المسلمة ، وللمرأة أن تبدأ بالتعبير عن حبها لزوجها ولها أن تتدلل عليه ولها أن تحاول وتحاول أن تحيل حياتها معه إلي ما تتمني دون أن تضع شيء اسمه الكرامة بينها وبينه فليس كرامة بين الزوجين وكلما اقتربت هي ازدادت مكانتها عند الله وكسبت قلب زوجها وكم نري من الفتيات يتوددن إلي الفتية في الحرام فيعرض ثم هي تحاول فيعرض ويعرض ولا نجدها تقول كرامتي ويزين لها الشيطان الفعل أعاذنا الله

والمرأة بطبعها لديها قوة كبيرة وهبها الله عز وجل إياها في نشر طاقة الحب بالمكان الذي تتواجد فيه وفي ذلك يقول المصطفي عليه الصلاة والسلام " ما تركت بعدي فتنه هي أضر على الرجال مثل النساء " رواه البخاري ومسلم فان هي اشتكت من تقصير زوجها أو من جفائه أو تباعده عنها فلتبحث في نفسها فهي التي فشلت في استعمال ما وهبها الله إياه من طاقة لتسديد ذلك الأمر وإلا فأين إبراز جمالك وزينتك وحبك وكلماتك الجميلة ونظراتك المعبرة ولمساتك الحنونة وابتسامتك الرائعة 

قد يقول قائل إن زوجتي تعلم أنني أحبها الست اخرج كل يوم منذ الصباح الباكر ولا أعود إلا في آخر اليوم كادا تعبا آتيا لها بما تحب أليس ذلك وحده كافيا تعبيرا عن حبي لها ؟ وقد تقول قائلة إنني طوال اليوم  في البيت أقوم علي خدمته وتربية أبنائه وترتيب حياته واطبخ له وأنظف البيت حتى تأتي نهاية اليوم وأنا تعبة مكدودة لا استطيع أن ارفع راسي من كثرة أشغالي أليس ذلك وحده تعبيرا كافيا عن حبي له ؟ وأقول لهؤلاء اسمعوا قول حبيبكم  المصطفي عن أنس رضي الله عنه " أن رجلا كان عند النبي "صلى الله عليه و سلم " فمر به رجل ، فقال : يا رسول الله إني لأحب هذا ، فقال له "صلى الله عليه و سلم" : أأعلمته؟ قال : لا ، قال: أعلمه ، فلحقه فقال له : إني أحبك في الله ، فقال : أحبك الذي أحببتني له" رواه أبو داود بإسناد صحيح .وذلك لعلمه صلي الله عليه وسلم بأثر الكلمة الطيبة في النفس الإنسانية ، فما أحوج الزوجين لمثل تلك الكلمات

وها هو نبينا يقف بالباب وحبيبته رضي الله عنها تقف خلفه تشاهد العاب الحبشة ـ كما سلف بنا ـ دون أن يمل ويقول لها أشبعتي ؟ فتقول لا حتى تري إلي متى سيتحملها حبيبها ،  فعنها قالت عائشة رضي الله عنها : دعاني رسول الله والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد في يوم عيد ، فقال لي"  يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ؟ " فقلت: نعم  فأقامني وراءه فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم فوضعت ذقني على عاتقة وأسندت وجهي إلى خده فنظرت من فوق منكبه فجعل يقول " يا عائشة ما شبعت؟" فأقول لا لأنظر منزلتي عنده حتى شبعت .... (رواه الشيخان

هذا الموقف وعائشة رضي الله عنها خدها على خد الرسول عليه الصلاة والسلام  مليء بالمحبة والمودة ويوضح قوة العلاقة الزوجية بين الرسول"صلى الله عليه وسلم"وعائشة فحري بالأزواج الاقتداء بالرسول حتى يسعدوا بحياتهم الزوجية ويصبح بيتهم جنة الله بأرضه.

ثم لننظر حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم،  والحديث هنا لعله يكون أكثر توجيهاً للأزواج والرجال  أكثر منه للنساء كل هذه المواقف تربيه في سيرة عائشة والنبي صلى الله عليه وسلم لكل الجنسين،  ففي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته ما شاء - يعني أكثر من مرة - حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال: ( يا عائشة هذه بتلك ).وهل هناك رجلا أكثر انشغالا من نبي هذه الأمة إلي كان مشغولا بتربية المسلمين ودعوة غيرهم وتجييش الجيوش وسياسة الدولة ، ومع هذا نجده لا يغفل عن حق زوجه المحبة له والمشغولة به وبما يحب فليتعلم رجال الأمة المسلمة كيفية معاملة الزوجات والاهتمام بأمرهن وعدم التعامل معهن وكأنهن كم مهمل أو كأن جل طلباتهن واحتياجاتهن الملبس والطعام

الحوار المفتقد بين الزوجين في أغلب الأسر اليوم حتى لقد أصيبت البيوت المسلمة بما يسمي داء الخرس الزوجي  فتجد كل من الزوجين في عالمه الخاص لا يجمعهما إلا الحديث في المشكلات والطلبات التي لا تكاد تنتهي أما عن الحوار الهادئ الودود فلا يكاد يكون موجودا وها هي الصديقة تتحدث عن حبيبها فتقول رضي الله عنها " كان يصلى من الليل فإذا فرغ من صلاته اضطجع فان كنت يقظانة تحدث معي، وان كنت نائمة نام حتى يأتيه المؤذن. رواه احمد

وعلي المرأة المسلمة أن تتعلم كيف تضفي روح المرح والبهجة علي البيت في وجود الزوج خاصة إذا كان عائدا من عمله أو من سفر وتؤجل كل ما يمكن أن يعكر صفوه في ذلك الوقت وتحسن الاستماع إليه واخذ الأمور ببساطة وتلك هي أمها عائشة رضي الله عنها قالت: زارتنا سوده يومًا فجلس رسول الله بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت لها حريره فقلت: كلى! فأبت فقلت: لتأكلي، أو لألطخن وجهك، فأبت فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها لتستقيد منى، فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك. رواه النسائي.

وذلك غيض من فيض في رحاب بيت النبوة أردنا أن نقدمه للأزواج عسي أن تنصلح بيوتنا ولمن أراد أن يستزيد فالتاريخ يحمل بين طياته الكثير ووالله الذي لا اله إلا هو  لن ينصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ولكن أولي الخطوات أن نعلم ونتعلم ونقتدي فهم أهل الفضل وهم أولي بالقيادة  .

الغيرة علم وفن

السيف البتار في العلاقة الزوجية واللهيب الخفي الذي إذا خفت فيصبح جالبا للدفء الجميل في البيت وإذا زاد عن حده أشعل البيت نارا يمكن أن تأتي علي الأخضر واليابس وكل النساء تغار .... ولكن لا بد من أن يكون هناك حدودا لهذه الغيرة بحيث لا تصبح طوقا يخنق الزوج وتجعله يفر منها فرارا ... فكذلك كانت السيدة عائشة فقد كانت تحب النبي وتغار عليه بل كانت أكثر زوجاته غيرة رضي الله عنها . فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله  صلي الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا قالت : فغرت عليه , فجاء فرأي ما اصنع , فقال : ما لك يا عائشة . أغرت ؟ فقلت : وما لي لا يغار مثلي علي مثلك ؟ فقال رسول الله : " أقد جاءك شيطانك  ؟ " فقلت : يا رسول الله , أو معي شيطان ؟ قال نعم  . قلت ومع كل إنسان شيطان ؟ قال نعم . قلت ومعك شيطان ؟ قال نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى اسلم " " صحيح "..

وغيرها الكثير من قصص الغيرة المتزنة غاشتها أمنا رضي الله عنها مع حبيبها وحبيبنا المصطفي صلي الله عليه وسلم .....

وهنا تكون حكمة الزوج وتتجلي في أعلي صورها عند الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم فنجده يذكرها بالله وبأنه لن يظلمها فتصطبغ الحكمة ليس بالعنف وإنما بالحزم فترتدع الزوجة وتتذكر وتفهم طالما أن الحياة كلها مرتبطة لله وطالما أن الرصيد بينهما يسمح ، فحياتهما بداية مبنية علي الصدق والثقة

 ثم هناك أمر آخر هو ذكائها وفطنتها عندما يغضب منها النبي كيف تستطيع أن تنسيه هذا الغضب وان تأخذ بقلبه وتفكيره وانتباهه إلي شيء آخر بعيدا عن المشكلة التي تسببت في هذا الغضب فيزول ما بينهما وكأنه لم يكن ... عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت لما كانت ليلتي التي كان النبي صلي الله عليه وسلم فيها عندي , انقلب فوضع ردائه , وخلع نعليه , فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره علي فراشه , فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت , فاخذ ردائه رويدا , وانتعل رويدا , وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا , فجعلت درعي في راسي واختمرت وتقنعت إزاري , ثم انطلقت علي إثره . حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات , ثم انحرف فانحرفت . فأسرع  فأسرعت فهرول فهرولت ، فاحضر فأحضرت , فسبقته فدخلت . فليس إلا أن اضطجعت فدخل , فقال ما لك يا عائش حشيا رابية  قالت قلت لا شيء , قال  " لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير " قلت : يا رسول الله ـ بابي أنت وأمي ـ فأخبرته , فقال " فأنت السواد الذي رأيت أمامي ؟ قلت نعم , فلهذني ( ضربني : بجمع الكف في الصدر ) في صدري لهدة أوجعتني , ثم قال " أظننت أن يحيف عليك الله ورسوله ؟  " قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله , نعم , قال : "فان  جبريل  أتاني حين رأيت , فناداني فأخفاه منك , فأجبته . فأخفيته منك , ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك , وظننت أن قد رقدت . فكرهت أن أوقظك , وخشيت أن تستوحشي  , فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم " قالت : قلت كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال قولي :  السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين , وإنا إن شاء الله بكم لاحقون "

  فن امتصاص الصدمات

 أو إن شئت أن تسميه أختي " فن إدارة الأزمات " بالله عليك يا أختي الحبيبة المسلمة وأخي المسلم  لو أديرت أزماتنا  ومشكلاتنا بهذه اللباقة والبساطة والروح الطيبة أيمكن أن تنشأ أزمات تؤدي والعياذ بالله إلي خراب البيوت أو إلي صدع يصعب رأبه ؟ لا أعتقد ذلك المهم أن الخيط في يدكما معا   ...

لذا فقد استحقت أمنا عائشة وعن جدارة تلك المكانة عند رسول الله وفي قلبه صلي الله عليه وسلم وحق لها أن تفخر بمكانتها تلك .. وحق لها أن تفخر رضي الله عنها بحبها للحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم فتقول حين تروي عنه " حدثني حبيبي "

همسة في أذن الزوجة

عن عائشة رضي الله عنها  رضي الله عنها , عن النبي صلي الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله , من أحب الناس إليك ؟ قال  : " ولم ؟ " قلت : لأحب ما تحب , قال " عائشة "

 أتستطيعين يا أختي أن تتحدثي إلي زوجك بهذه اللهجة وهذا الدلال خاصة إذا فترت العلاقة بينكما وطغت عليها المادية العمياء  ؟ 

وعن عائشة ـ رضي الله عنهاـ قالت دخل علي رسول الله  صلي الله عليه وسلم وأنا ابكي فقال " ما يبكيك ؟ " قلت : سبتني فاطمة , فدعا فاطمة فقال " يا فاطمة سببت عائشة ؟ " قالت نعم يا رسول الله , فقال " أليس تحبين من أحب ؟ " قالت : نعم . قال " وتبغضين من ابغض " قالت بلي , قال : " فاني أحب عائشة فأحبيها " قالت فاطمة : لا أقول لعائشة شيئا يؤذيها أبدا" لن أذكر أسباب الشقاق وأسباب تجمد العلاقات ولن أذكر حلولا وإنما أضع تلك الحقيقة الرائعة نبراسا أمامنا وليعرض كل منا حياته علي تلك الحياة ويقيسها عليها ويستنبط ويعرف ما الذي ينقصه وأين الخلل عنده وأترك للقراء التعليقات التي يودون إضافتها كي يستفيد منها الآخرون والحياة مفتوحة للنقاش كي نصل بها إلي أسمي ما نريد بها كي تكون سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.