في التفاوض و نقض التفاوض

أحمد عوض محمد

-         إن تحرير فلسطين من عصابة الصهاينة أسهل بكثير من تحرير سوريا من عصابة الأسد ...هكذا قال أحد االمثقفين السوريين منذ أكثر من عشرين سنة

-         لم تكن سوريا يوما ما وطنا لحافظ الأسد و لا لوريثه بشار و حاشيته بل كانت سوريا الأسد وطنهم

الصراع بين أية أطراف .. دول .. شعوب .. أحزاب .. جماعات .. أفراد يصل في مرحلة من مراحل تطوره لضرورة التفاوض كحل نهائي و أخير يكون فيه ميزان القوى قد اختل و ضعف كثيرا عند الطرف الذي كان أقوى و أخذ يميل لصالح الدول التي كانت ضعيفة ..يكاد ان يكون هذا كقوانين الفيزياء . أو بإمكاننا القول انه من منطق السيرورة التاريخية و الأمثل بالالاف و ربما بالملايين ... و هذا تماما ما ينطبق على الوضع السوري حاليا, قوة جبارة ظالمة تكونت على أساس لاوطني و لا حتى إنساني و لا تقع حتى ضمن دائرة مصالح الأفراد و المجموعات و كـأن نخبة هذه القوة قد تعرضت لعملية غسل دماغ ممنهجة و نجحت بصورة ملفتة للنظر حيث دمرت كليا امكانية التفكير بمستقبلها و مستقبل أبناءها و مكوناتها الاجتماعية , و ذهبت باتجاهات عدمية فريدة  من نوعها و كأنه لم يعد لديها عقل أو منطق و أصبحت تعيش خارج نطاق التفكير البشري الفطري في البقاء و البناء .

في مقابل تلك الطغمة برزت ثورة رومانسية لجأت للغناء و الرقص و التظاهر بالشوراع كتفا بكتف ويدا بيد , برز منها شعراء و مغنون و فنانون من نوع جديد و قادة يحلمون بعالم يسوده العدل و الحرية و المساواة و الكرامة لشعب واحد موحد يحيّ بعضهم بعضا بأربعة عشر لغة تقول كلها صباح الخير و مساء الخير و أحبك و أشتاقك و لكنهم جميعا يقولون سوريا وطني  .

و عندما أُطلقت الوحوش محملة بالموت الذي زرعته في كل بيت سوري أخذ هؤلاء الثوار يصعدون و يصعدون ليصبحوا القوة الأكبر التي استطاعت الوقوف و الصمود بوجه آلة القتل الجبارة و ها هم الآن يضعون اللمسات الأخيرة على اللوحة السورية التي حلموا بها .

                                      ********************

التفاوض أمر مشروع في التاريخ , يقوده و يتحكم بشروطه الأقوى بين الطرفين المتصارعين حتى لو كان أحدهم عصابة كالعصابة الأسدية.

التفاوض من أجل حل سياسي و ليس من أجل تسوية سياسية , حل سياسي يحمل كل أهداف الثورة و مشروعها , و بإمكان السياسيين بالتنسيق مع العسكريين وضع آلياته و مراحله و كيفية إيصاله إلى هدفه بالوسائل و الاساليب التي يفرضها الواقع على الأرض .

أما رفض التفاوض من حيث المبدأ و التخندق عنه كشعار و استراتيجية و تكتيك و هدف و لا أعرف ماذا أيضا , فهو عدمية من نوع آخر , ضرب في المندل و الغيب و رجم للفكر و العقل و الفكر الثورة تحت أية شعارات مثل الحفاظ على مبادئ الثورة و أهدافها , عدم الثقة بالعصابة القاتلة, اعطاء العصابة شرعية التساوي , الحفاظ على الثوابت الوطنية ... مبادئ الثورات و أهدافها ليست عقائد و نصوص مقدسة , إنها مبادئ فرضها و يفرضها الواقع السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي تتبدل و تتغير بناء على الحراك الثقافي و الاجتماعي و السياسي , و كما يقال في السياسة ليس هناك صداقات دائمة و لا عداوات دائمة بل هناك مصالح دائمة .

المصالح في الحالة السورية هي مصلحة الشعب السوري التي حددتها ثورته و لم يعد بإمكان أي شخص أو جهة أو حزب أو أي كان أن يساوم عليها و إن ساوم فسيحاسب بشدة من قبل الشعب الذي قاتل بشجاعة أسطورية أذهلت و ستذهل العالم و التاريخ أيضا و سيأتي وقت ينحني العالم كله للسوريين أينما وجدوا و هذا سيكون قريبا .

                                     ********************

منذ أن اطلق رئيس الائتلاف الوطني ما قيل عنها مبادرة و هي ذات بعد إنساني محض و إلى الآن -  وأعتقد أنها ستستمر لفترة أطول –  تتعالى بعض الأصوات يوما بعد يوم تتهجم على الشخص ذاته و على ما عرض تحت حجة يدركها أي طفل سوري و هي ان النظام قاتل و مجرم و فاقد للشرعية . هذا صحيح و لكنه حق يراد به باطل , والباطل هو اضعاف الائتلاف الوطني وتجميده وعزله عن الشارع السوري وهذا المشروع للأسف يعمل عليه بعض ممن هم أعضاء بالائتلاف وبمؤسسات أخرى يحضرون هنا وهناك بالبلدة نفسها والكرافيت نفسه وربما الفنادق نفسها وقد ظهروا بشكل واضح للعيان بالاجتماع الأخير للهيئة العامة للائتلاف حيث عطلوا عن قصد ونية مسبقة اتخاذ أي قرار يدفع بالثورة السورية إلى الأمام ويضيف لها جديدا وحصروا النقاشات كلها تقريبا حول ضرورة تعديل النظام الأساسي للائتلاف وهم يعرفون أن الشارع السوري لا يكترث مطلقا – خاصة في مثل هذه الظروف – لا بالنظام الأساسي ولا بالمادة الخامسة أو العاشرة أو الألف أو صلاحيات الرئيس أو نائبه أو اللجنة القانونية

                                  ***************************

إن التفاوض مع العدو مهما كانت صفاته وحالته أمر مشروع في السياسة والتاريخ والصراعات بكل أنواعها كما قلت سابقا – التفاوض في السياسة ليس غاية بل هو وسيلة -, أداة لتحقيق هدف سياسي أو أكثر _ وأعتقد أن هذا ما يعرفه جيدا من خونوا صاحب المبادرة ومن رحبوا بها أيضا

لكني أتسائل هنا ... هل يعرف ناقدو التفاوض ما هي أولويات السوريين في هذه المرحلة والتي تكاد أن تتلخص بجملة واحدة ... سقوط النظام ووقف القتل والدمار , وهذا ما تستميت العصابة الأسدية من أجل استمراره فهي ممعنة في سياسة القتل والدمار لأنها متأكدة تماما بأنها ستسقط بسرعة حين تتوقف آلة قتلها ودمارها يوما واحدا أو أكثر وكل من في الداخل يعرف هذا جيدا ويستعد له , وقد قيل عن استراتيجية النظام هذه الكثير والكثير وأصبحت واضحة ومعروفة جيدا للجميع في سوريا وفي العالم أجمع .

إن كانوا يعرفون أولويات السوريين تلك واستراتيجية النظام تلك ويريدون استمرار القتل والإبادة والدمار والجوع والتهجير فهذا يطرح مليون سؤال ومليون اشارة تعجب واستفهام .

أما ان كانوا لا يعرفون فتلك المصيبة الكبرى

من ناحية أخرى ... هل يعرف ناقدو التفاوض ورافضيه أن الثورة السورية لن تنهزم ولن تنتصر عصابة القتل والدمار أم لا ؟ هل لديهم شك بانصار الثورة وسقوط العصابة ؟

الثورة انتصرت وسقطت العصابة منذ كتابات أطفال درعا على الجدران وما حصل بعدها هو انتقاك قامت وتقوم به العصابة ... انتقام من شعب خرج كمارد يريد حرية وعدل ومساواة ومواطنة وكرامة ... شعب أذهل العالم ولا يزال بصموده وبطولته أمام آلة عسكرية جبارة أخذت تتشكل وتتمأسس منذ عام 1963 من أجل هدف واحد فقط هو حماية وبقاء سيطرة العصابة على سوريا ومن أجل ذلك قامت هذه المؤسسة بالتخلص من كل من لا يؤمن بمشروعها وهدفها .

أما من حيث تحقيق أهداف الثورة .. فكل ثورة قامت في أي مكان وفي أي حقبة تاريخية لم تحقق أهدافها دفعة واحدة وذلك من منطق الثورات وبنيتها لأن أهدافها تتغير خلال سيرورتها بناء على حاجات الواقع ومتطلباته وأعتقد أن هدف الثورة السورية الأول وشعارها الأول _ الشعب يريد اسقاط النظام – لا يزال هو المطلب الأساس والرئيس وهذا يعبر عن حكمة الشعب وادراكه أن العصابة تسقط وتتلاشى بسقوط رأسها وهذا تعرفه النخب السورية على أنه لم يوجد مطلقا في سوريا نظام ودولة وما بدا أنه كذلك لم يزد عن كونه ديكورا وواجهات فقط لنيل الشرعية من الخارج وهذا ما كان يهمهم فقط لأنهم يدركون أنهم ليس لهم شرعية داخلية ولن يكون .

بناء على ما سبق نستطيع القول أن سقوط رأس العصابة سيحقق للسوريين انتصارهم الأكبر وسيفتح الباب أمامهم على مصراعيه من أجل تحقيق أهداف ثورتهم هدف مع هدف أو هدف وراء هدف , المهم الآن والضروري هو وقف حرب الإبادة والدمار والخراب والجوع والتشرد والرعب اليومي الذي اختارته عصابة الطغمة كحل وحيد وأخير تظن أنه سيحميها ويكرس بقائها

ممثل محافظة القنيطرة

أحمد عوض محمد