نهاية «مولد» سيدي «العريان»!

وكما قال شاعر الربابة جابر أبو حسين، المنافس لزميله شاعر الربابة أيضًا خالد الذكر السيد الضوي: «لا بد من يوم معلوم تُرد فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم أسود على كل ظالم»، فقد كانت قيامة الأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري أمام الكاتدرائية، ومن الشباب المسيحي، الذي كان عبد الفتاح السيسي يعتبرهم «عزوته»!

ينسب للشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي هذا القول، فهو بيت شعر، من قصيدة له، لكن بعض شعر الأبنودي هو إعادة إنتاج وتدوير للتراث الشعبي، وقد كان في زيارة لصديقه المحامي والبرلماني الراحل أحمد مجاهد، في قريته في بلقاس، في مدينة المنصورة، عندما كانا شابين، وفي أحد أفراح البلدة، استمع لأغنية تحولت بعض مقاطعها إلى قصيدة نسبت له، و«هي تحت الشجر يا وهيبة»!

وسواء كانت حكمة «لا بد من يوم معلوم…» تراثاً حفظه شعراء الربابة، وتناقلته أجيالهم، أو كانت شعرًا خالصًا للأبنودي، فإن هذا ليس ما يشغلنا الآن، فما يعنينا أن هذا المقطع الشعري، انطبق على ثلاثي يمثلون عنوانًا لإعلام السيسي، كانوا قد ذهبوا إلى الكاتدرائية المرقصية في العباسية، لكن الشباب القبطي اعتدى عليهم وطردهم شر طردة، وذلك في يوم التفجير الذي تعرضت له الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية، في يوم الأحد الماضي!

الثلاثي هم: أحمد موسي (قناة صدى البلد)، ولميس الحديدي (قناة سي بي سي)، وريهام سعيد، التي لا أعرف لها محطة تلفزيونية تعمل بها، يبدو أنها تعمل في قناة السويس!

كان المقرر، والحال كذلك، أن يتم البث المباشر من أمام الكاتدرائية، وإقامة «مولد»، يتم من خلاله لعن الإرهاب والجماعات المتطرفة، وكل الإرهاب إخواني، وكل الجماعات جماعة واحدة هي جماعة الإخوان المسلمين، وإذا كان مسلسل «العساكر»، على قناة «الجزيرة» والحملة الإعلامية ضده، لم تمكن من عودة الاستقطاب، وعودة الجماهير للاصطفاف حول السيسي، الذي هبطت شعبيته في محيطه حتى لا تكاد تُرى بالعين المجردة، فقد اعتبرت الجهة التي تدير الإعلام الانقلابي، في هذه التفجيرات مناسبة، للتخويف من الإرهاب، فالسيسي أو الفوضى، عندئذ ربما ترى الجماهير المغادرة لمعسكر الانقلاب، أن السيسي يمثل نصف العمى الذي هو أفضل من العمى كله!

اختطاف المسيحيين

لقد حرص الانقلاب العسكري منذ التخطيط المبكر له، على تقسيم الشعب المصري واعتمد أغنية: «احنا شعب وهما شعب» عنواناً للمرحلة الجديدة، واختطف المسيحيين ليكونوا جزءًا مهمًا وركنًا ركينًا في معسكره، لأنه لن يحتاج لمخاطبة كل مسيحي على حدة، وإنما يكفي أن يتوافق مع البابا، والكنيسة رسمياً هي جزء من مكونات الدولة المصرية العميقة، مثلها في ذلك مثل مؤسسة الأزهر. والكنيسة والأزهر وقفا ضد ثورة يناير وانحازا لمبارك منذ اليوم الأول، وقال البابا شنودة بصريح العبارة «نحن مع الرئيس مبارك»، وهو يدعو المسيحيين ألا يشاركوا في «المظاهرات» ضده!

وفي 3 يوليو/تموز 2013، كان البابا تواضروس جزءًا من مشهد الانقلاب، والسيسي ببزته العسكرية، يعلن تعطيل العمل بالدستور، وعزل الرئيس المنتخب، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا مؤقتًا، ليحافظ له على الموقع، وظل السيسي يعطي المسيحيين من طرف اللسان حلاوة، ويذهب للكاتدرائية مهنئًا بالأعياد المختلفة، وعندما ذهب لنيويورك كان الأمر البابوي للمسيحيين المصريين باستقباله هناك بـ «زفة»، ولم يكتف بالقساوسة المقيمين في الولايات المتحدة بحكم عملهم الرعوي، وإنما أرسل وفدًا كنسيًا رفيع المستوى من القاهرة للإشراف على هذه المهمة!

كان الظاهر من الأوراق، أن المسيحيين قلبًا وقالبًا مع السيسي، وفي كل حراك لقوى الشرعية يبدو أنه سينتج ثورة، كان المسيحيون يبدون في حالة انكماش، بسبب حسابهم على معسكر الثورة المضادة، فماذا لو نجحت الثورة؟!

وفي هذه الأجواء وقع تفجير الكنيسة البطرسية، ولعل الثلاثي الذي وصل للكاتدرائية، كان يمني النفس باستقبال حافل، تأكيدًا على جماهيريتهم الكاسحة، ولعل غيرهم كان في الطريق إلى هناك، ويصب هذا بطبيعة الحال في تأكيد شعبية حاكم البلاد و»ديك البرابر»، فالدعاية ستقوم على أن من فعلها هم الإخوان المسلمون، الذين يعملون على زعزعة الاستقرار في البلاد!

عندما وقعت الجريمة، ذهبت للقناة الأولى المصرية، وإذ تكلم أحد الشيوخ في وزارة الأوقاف، فأكد على أن مصر تتعرض لـ «مؤامرة كونية»، وأعاد استدعاء حديث خير أجناد الأرض، فقد راعني الإجماع بين المتحدثين الذين كانوا يعزفون على نغمة واحدة، هي «معبر رفح»، فيؤكدون أن الأزمة كلها في المعبر، وكلما فتح المعبر وقعت العمليات الإرهابية. وهو سلوك الدولة العاجزة، التي لا تستطيع أن تحمي الحدود، مع أن سيناء ثكنة عسكرية، يُمنع الاقتراب منها أو التصوير، وهناك عشرات الحواجز الأمنية في طول الطريق إليها، لكنها نغمة قديمة منذ أن تم اتهام حركة حماس بأنها فتحت السجون المصرية في بداية الثورة، وما قيل عن استخدامهم لسيارات دفع رباعي قطعت الطريق من غزة إلى القاهرة، استغلالاً لسقوط الشرطة المصرية، مع أن الجيش المسؤول عن سيناء والحدود لم يكن قد سقط ليتم تبرير عدم الحفاظ على الحدود!

وقد أصبح فتح معبر رفح ليوم أو بعض يوم لدخول بعض وليس كل الحالات الإنسانية، مبعث كل الشرور، وشماعة لتعليق الفشل، والهدف حماس لكونها حركة اخوانية في الأساس!

من بين الضلوع

هناك فيديو لـ «ريهام سعيد» تخاطب فيه السيسي فتتحدث من بين الضلوع وهي تناشده بأن يغلق المعبر، «فكل ما نفتحه يا ريس تحصل لنا مصيبة»، وتطالبه بألا يفتحه نهائيًا «يا ريس». وتخرج كلمة «يا ريس» مسكونة بالآهات، بالنظرات، باللفتات، بالصمت الرهيب، مع الاعتذار للعندليب الأسمر! إنها أزمة من يئسن من المحيض، عندما تعتقد الواحدة منهن أنها لا تزال «صغيرة على الحب»، وللتذكرة فإن فيلم «صغيرة على الحب»، هو بطولة سعاد حسني ورشدي أباظه!

في مداخلة مع قناة «النهار» قالت ريهام سعيد إنه لم يتم الاعتداء عليها أمام الكاتدرائية، ولكن حدث تدافع. على نحو يوحي بأن الذين قاموا بالهجوم عليها وسبها، كانوا فريقاً من المعجبين، أو كانوا في لحظة التدافع لرمي الجمرات في الحج، وفي تدافعهم يخشون من أن يدركهم الزوال!

ولا نعرف سر إنكار مشهد شاهده الناس على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يمكن بالتالي إنكاره، وقد اعترفت لميس الحديدي بما جرى لها، ووصفت «المتدافعين» بالإرهابيين، كما اعترف أحمد موسى بالاعتداء عليه وطرده ووصفهم بالأوباش!

لا تثريب عليهما فقد تعرضا لموقف لم يتوقعا حدوثه، فهم جميعا لم ينزلوا لتغطية مظاهرة للإخوان المسلمين، أو للقوى الرافضة للانقلاب، لكنهم كانوا يظنون أنهم وسط «الأهل والعشيرة»، ولم يكونوا يعلمون أن المزاج قد تغير، وأنه قد ذهبت السكرة وحلت الفكرة، فالحكم الإخواني لم يدس للمسيحيين على طرف، وهناك حوارات مشتركة جمعت الإخوان والمسيحيين، وإن شئت الدقة فإن الجماعة لم يشغلها الملف المسيحي حد أنها لم تحسن التعامل معه؛ فكان مرسي يعامل البابا كما كان يعامله مبارك، فطلب منه ترشيح من يريد من المسيحيين للتعيين، سواء في مجلس الشورى أو في المجلس الأعلى للصحافة، فاختار البابا الفلول، وعلى رأسهم منى مكرم عبيد، التي كان المخلوع قد عينها في البرلمان الذي أسقطته الثورة، وعندما كان القرار بالانقلاب، لم يجد هؤلاء أي ولاء لمن عينهم، فالفضل يرجع لمن اختارهم، وقد طلب منهم الخروج على الرئيس!

لحظة كاشفة

ما علينا، فلحظة الاعتداء وطرد إعلام عبد الفتاح السيسي، لم تكن لتغير المزاج، ولذهاب السكرة، ولكنها كانت كاشفة لذلك، فالمسيحي أصابه ما أصاب جموع المصريين من بؤس، ومن تدني مستوى المعيشة، على يد هذا الحاكم الفاشل، وماذا سيضيف إليه بناء أو ترميم كنيسة، أو حضور للسيسي في الأعياد أمام في الكاتدرائية، وهو يدفع فاتورة هذا الفشل على كافة المستويات، ثم إن هناك سوابق تاريخية في هذا الصدد، لا تبدأ بقضية الراهب المشلوح ولا تنته بقضية كنيسة القديسين، والثانية اتهمت أجهزة الأمن بتفجيرها، والأولى اتهمت الأجهزة أيضًا بأنها من دفعت إحدى الصحف الموالية بأن تنشر صوراً لراهب يمارس الجنس مع إحدى السيدات داخل الكنيسة!

قبل واقعة الاعتداء والطرد، كان الاعتقاد العام، أن إعلاميي الانقلاب مؤثرون في الشارع، ولديهم القدرة على أن يستمروا أذرعًا إعلامية للانقلاب، فكان الاعتداء والطرد بما يؤكد أنهم فقدوا مبرر استمرارهم، فقد فشلوا في المهمة حتى داخل المعسكر القديم للانقلاب، فماذا عن قيمتهم خارج هذا المعسكر؟!

الجدير بالانتباه هو عند المقارنة بين أحمد موسى ولميس الحديدي، فالأخيرة أخذت نصيب الأسد من الاعتداء، لأن من كان يحاول حمايتها هو طاقم العمل معها، وأحدهم كان يعمل في «الجزيرة مباشر مصر» وكانت لميس نفسها تعمل في مكتب «الجزيرة» في القاهرة، في حين أن موسى وأن أفاده قصر قامته في الاختفاء، فإن من ذادوا عنه هم طاقم حراسة، تابع للجهة الأمنية التي يعمل لحسابها، فكم تكلف ميزانية الدولة هذا الطاقم من هذه الخًشب المسندة؟ فليس كل إعلاميي السيسي سواء، فلكل منهم «قبلة هو موليها»!

إنها رسالة للسيسي، وصلت إليه عبر إعلامييه، توحي بأن «المولد» قد انفض!

مولد سيدي العريان!

صحافي مصري

وسوم: العدد 699