معيار طول القصيدة

لا يتميز طولُ شيء إلا بقِصر شيء آخر، قولا منطقيا طبيعيا واحدا لا ثاني له؛ فمن ثم ينبغي ألا تَتصف قصيدة بطول أو قصر، حتى تُحشر مع غيرها في صعيد واحد، لتكون مثلَها أو أطولَ منها أو أقصرَ. ولكننا وجدنا من النقاد من وصفوا القصيدة دون موازنتها بغيرها، استنادًا إلى تصوراتٍ ثلاثة مكَّنتهم -زَعَموا!- من اصطناع الوزينة الغائبة.

أول هذه التصورات الثلاثة بنائيٌّ تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تعددت موضوعاتها دون التي انفرد بها موضوع واحد. وهذا التصور أقرب إلى أن يكون تنبيها للشاعر قبل نظم قصيدته، منه إلى أن يكون وصفا تصنيفيا؛ إذ لا يمتنع أن تتعدد موضوعات القصيدة القصيرة، ولا أن ينفرد بالقصيدة الطويلة الموضوع الواحد، وهو ما أرجو أن أبينه فيما بعد. وليس ببعيد من هذا التصور عَدُّ بعض الموضوعات أحوجَ إلى تفصيلٍ تتصف معه القصيدةُ بالطول، وبعضها أغنى بإجمالٍ تتصف معه بالقِصر.

وثاني تلك التصورات تاريخيٌّ تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تجاوزَت الحد المُراعى على مر الزمان دون التي وازَتْهُ أو تخلفت عنه. وهذا التصور محدود بثقافة الناقد إحاطة وحضورا -"ومن حفظ حجة على من يحفظ"- وليس أدل عندي هنا من أنني بعدما ألممت عرَضًا في كتابي "ظاهرة النص الشعري القصير"، ببعض القصائد الطوال- تعقبني بعض الشعراء بما رآه أولى بالذكر منها!

وثالث تلك التصورات عمليٌّ تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تستغرق قراءتُها جلَسات متعددة دون التي يُفرغ منها في جلسة واحدة! ولا معيار يُرجى من هذا التصور الخاص؛ فعلى لطافة مجازيَّته تسرع بنا إلى غايتها بعضُ القصائد الطويلة الشفيفة، وتبطئ بعضُ القصائد القصيرة الكثيفة، وتختلف أحوالُ القارئ الواحد أحيانا اختلافَ أحوال القراء المتعددين!

إنه ليس أدق في المعايرة من الاحتكام إلى علم الإحصاء، وليس أنفس في مقولات علم الإحصاء من مقولة "الإحصاء علم المتوسطات"، وليس أصدق في متوسطات أطوال القصائد من متوسط أعداد أصواتها، وهو غير متيسر الآن، فأما المتيسر من أعمال غيرنا فأعداد القصائد العمودية التي اشتملت عليها الموسوعة الشعرية الإلكترونية وأعداد أبياتها، التي إذا قسمناها عليها كان متوسط أبيات القصيدة العمودية الواحدة12.62 ، ليُصنَّف في الطويلة كل ما فوق هذا المتوسط، وفي القصيرة كل ما دونه، وفي الوسيطة كل ما فيه.

لقد استوت في إحصاء الموسوعة أنماطُ الأبيات، وبينها من التفاوت ما يجعل أحدها في عدة أمثال غيره، ثُم إنه لم يكن مِن همّها التصنيفُ الموضوعي الذي يُستند إليه في استنباط وجوه أخرى من دلالة طول القصيدة؛ ومن ثَم ينبغي ألّا يُكتفى بها.

وسوم: العدد 917