أتساءل ..

عبد المحسن قاطرجي

عبد المحسن قاطرجي

أحقا رحلت يا أبي ؟؟ .. أحقا ذهبت ولم تعد ؟؟ .. أحقا أنا من دفنك ، ومن الحرم إلى القبر حملك.. أحقا مت يا أبي؟؟

أصادقون هم ؟؟ أم كاذبون ؟؟

لم يمت بعد أبي!! يا قوم.. ما زال أبي حيا بيننا..

أرى حقيبتك ، أوراقك ، كتاباتك ، و أشعارك ، ملابسك ، ساعتك ، فنجان قهوتك ، وبعضا من دوائك...

أراك في حلمي حتى إذا استيقظت وددت النوم ثانية لأراك..

أذهب لأنظر في المرآة فأرى صورتك فيّ وبريق عينيك بعيني.. أحقا رحلت؟؟ وما زلت بداخلي.. فإلى أين ذهبت وكيف ارتحلت و أنت معي؟

لكنني اليوم أتيت إلى سريرك مشتاقا ، ولم أرك.. هل سافرت وستعود كعادتك؟؟

أيقنت أنك ذهبت ونحن من سيسافر إليك يوما لنلتقي في دار خير من دارنا وحياة أفضل من دنيانا بإذن الله.

مرت الأيام القليلة السابقة يا أبتِ طويلة بغيابك وكل يوم يأتي أشد صعوبة من سابقه.. يمر نهارنا الأبيض أسود مظلما من دونك.. وعلى العكس فقد كانت ليالينا بيضاء منيرة بوجودك.

مرت أيام على رحيلك ولا أدري من سيسكن في قلبي مكانك؟؟.. ولا أدري من سيقوم في عائلتنا مقامك!!

كنت حليما ، متأنيا ، هادئا ، رزينا ، متواضعا ... كل ما أعرفه أنك كنت أكمل الناس في نظري.

كنت يا أبي إذا تحدثت أنصت الناس ، وإذا تخاصم اثنان بادرت بالصلح بينهما ، وإذا آذاك أحدهم أحسنت إليه، و إذا ضاقت بأحدهم أتاك يستأنس بالحديث معك ، وإذا ساءك تصرف أحدهم عفوت وصفحت وتجاوزت.

كنت تهتم لأمر من حولك كثيرا ولا تبالي بأمرك ولم تكن الدنيا بعينيك لكنك وهبت عينيك لمن حولك، كنت كثير الكتمان، تكتم عنا كُلّ ما قد يضر بنا أو يؤذينا، تحاول إسعادنا بشتى الطرق وبكل الوسائل ما استطعت.

في آخر أيامك أخفيت عني حقيقة مرضك خوفاً عليّ أيام امتحاناتي.. في آخر أيامك كنت تسألني كثيراً عن دراستي، حرصا على أن أحافظ على تفوقي.. في آخر أيامك حاولت كثير أن تبعدني عن كل الضغوط المحيطة.. في آخر أيامك سمعتك تقول لأحدهم (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)) .. وفي آخر أيامك كنت تتألم كثيرا وتصبر ولا تتكلم .

فيا رب بعزك وجلالك وعفوك ومغفرتك وجودك لا تُحمل أبي في آخرته ما لا طاقة له به ، فقد تحمل في دنياه ما لا يطيق أحد تحمله.

لن أنسى ما حييت ليلتك قبل الاخيرة في هذه الدنيا ، أتيتك عشيا وكُنت متعبا في وضع حرج لا تقوى على الحركة أو الكلام.

سألتك قائلا : كيف أمسيتم؟

فأجبت بصعوبة: بخير ونعمة وفضل من الله

فقلت لك: فاز ونجا من وحَدَ الله..

فقلت لي: لا إله إلا الله.

رحمك الله .. ستبقى ذكراك خالدة..

اللهم إني أُشهدك أن والدي أحسن إلينا وإلى والديه فأحسن إليه، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، وآنس وحشته ,,,,,