ليكن قدوتكم أمثال الشيخ منير

إلى جماعة الإخوان المسلمين:

ليكن قدوتكم أمثال الشيخ منير

ليبايعكم المسلمون بدون أن يكونوا أعضاء في الجماعة

د. منير الغضبان رحمه الله

ياسر عبد الله

فقدت الأمة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين في شهر شعبان الفضيل ثلاثة من رجالها الدعاة المخلصين العاملين الذين نذروا أنفسهم لخدمة دينهم ودعوتهم هم: فضيلة الشيخ الدكتور منير محمد غضبان، والطبيب الداعية فارس سعيد علوان، والأستاذ المربي الداعية محمد الشيخ ويس، رحمهم الله .

ولم يعلم الكثير من السوريين عن مناقبهم وفضائلهم وصفاتهم إلا من بعد أن كتب عنهم أحباؤهم الذين عايشوهم وعرفوهم عن قرب وقد شهدوا لهم بالإخلاص والتفاني والتواضع والزهد والكرم وطيب المعشر ومساعدة المحتاجين وسعة الصدر والعمل بصمت بعيدًا عن الأضواء لا يتطلعون لرئاسة ولا لمنصب ولا لشهرة يتواصلون مع الجميع فقيرهم قبل غنيهم يدعونهم إلى أفراحهم ويعزونهم لمصابهم ويقدمون لهم كل ما يستطيعون تقديمه من مساعدة يحتاجونها.  

وما تلك الصفات النبيلة حصرية بالنفر الثلاثة الذين افتقدناهم، وإنما هي صفات أصيلة لكثير من المنتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين فكانوا في مجتمعهم نموذجًا في العطاء، فقدموا لأبناء المسلمين من علمهم وعطائهم كل منهم حسب تخصصه وإمكانياته لا يبتغون بذلك من مخلوق جزاء ولا شكورًا، وإنما يبتغون المثوبة والأجر من الله تعالى، فكانت لهم بذلك محبة كبيرة في قلوب المسلمين.

وعندما تعرض منتسبو جماعة الإخوان في حلب للاعتقال والمضايقات في عهد الهالك حافظ الأسد (الثمانينات) وقف معهم محبوهم من مختلف شرائح المجتمع وقفة رجل واحد ليفدوهم بأنفسهم وأبنائهم وأموالهم  فانتفضت مدينة حلب عن بكرة أبيها وأعلنوها ثورة لا رجعة فيها ضد الهالك حافظ الأسد فسيرت المظاهرات المليونية لإسقاط النظام وأُوقفت الدراسة وأُغلقت المحلات التجارية وساندتهم جميعالنقابات المهنية السورية بكافة منسوبيها وأعلنوا اعتصامهم تأييدا للثورة، فاضطر الهالك حافظ الأسد أن يعلن على الملأ بأن (الإخوان المسلمون ليسوا من القتلة، وإن من حقهم بل من واجبهم أن يشيروا علينا بما يرون) فأراد من تلك المقولة أن يكسب الوقت لإخماد الثورة، فبدأ حل مجلس النقابات واعتقال قادتها، وحاصر مدينة حلب بالدبابات وفتش المدينة بيتًا بيتًا واعتقل وأعدم الكثير من أبنائها وهاجر من استطاع أن يهاجر من أعضاء الجماعة ومعهم المناصرون لهم الذين ساندوهم في الثورة .

واختار كل منهم دولة يأوي إليها على أمل أن يعودوا إلى وطنهم في أقرب وقت ممكن، ولكن لم يحصل هذا فطالت مدة هجرتهم ولم يحافظ على خصال النفر الثلاثة الذين افتقدناهم في الهجرة إلا فئة قليلة من أعضاء الجماعة (ربما يكون السبب ضغوط  الهجرة) فرأينا من يسعى للمناصب بل ويفرض نفسه لاستلام المنصب متجاوزًا من هو أحق منه من أصحاب الكفاءات والخبرات ورأينا من يدخر المساعدة عن طريق المسئولين لأهله وأقرب المقربين له على حساب الآخرين مع علمه بحاجتهم الماسّة إلى تلك المساعدة أكثر من أهله والمقربين له، ورأينا الانتقائية في التعامل مع إخوانهم في كل شيء حتى في أفراحهم وأحزانهم، وهذه ليست شهادتي أنا فحسب، وإنما شهادة عدد من الرعيل الأول في الجماعة.

وكم يتمنى المسلمون ومعهم المؤيدون لجماعتكم من غير المنظمين الذين سجنوا وهاجروا لنصرتكم أن تسارع الجماعة إلى مراجعة شاملة لما وقعت به من أخطاء وتقصير لتستعيد شعبيتها وعطاءها كما كانت في السابق ليتسابق إلى نصرتها والتعاطف معها عموم المسلمين .

فإن لم تستطيعوا أن تتداركوا الأخطاء وأن تتلافوا التقصير، وأن تتمثلوا حال من افتقدناهم قدوة في البذل والتضحية والعطاء فلن يؤيدكم إلا القليل القليل مهما أطلقتم من شعارات ومهما أعلنتم عن برامجكم في حزبكم السياسي الذي انشأتموه مؤخرًا وسيختار مناصروكم جماعة أو حزبًا آخر.

نسأل الله أن يرحم مشايخنا وعلماءنا وقدواتنا الذين سبقونا بالإيمان وأن يسكنهم فسيح جناته وأن يكتب لهم أجر الهجرة في سبيله وأن يعوض الأمة عن فقدهم  وإنا لله وإنا اليه راجعون:

﴿ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ . أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْأَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾.