رحيل الكبار: ابتلاء متعدّد الوجوه، لمن بعدهم!

رحيل الكبار:

ابتلاء متعدّد الوجوه، لمن بعدهم!

فدوى محمّد جاموس

 (العالم الجليل، الشيخ منير الغضبان: رجل أمّة، عاش كبيراً، ورحل كبيرا)

· رحيل الكبير ابتلاء لأسرته :

- هل تصبر: على الفقد ، والفقر، والضعف ، والعجز..أم تجزع !؟

- هل تظلّ متماسكة، محتسبة، مستسلمة لقضاء الله وقدره، متوكّلة عليه.. أم تدبّ فيها ، نزعات مختلفة ، من نزعات الضعف البشري ، التي تؤدّي بها ، إلى مهاوي الاختلاف ، والفرقة ، والإحباط ، واليأس ، والتشرّد !؟

- هل تبحث ، بين أفرادها ، عن صالح يخلفه ، ويتولّى أمرها ، من بعده .. أم تتملّكها الحيرة ، فلا تدري ما تأخذ، وما تدع !؟

· ماينسحب على الأسرة ، ينسحب على القبيلة ، ويضاف إليه : أن القبيلة تجمّع كبير، يحتاج إلى رئاسة ، أو زعامة ، تملأ الفراغ الذي تتركه الرئاسة الراحلة !

فقد تتمثّل القبيلة ، بقول الشاعر:

وليس يَهلك منّا سيّدٌ ، أبداً إلاّ افتَلينا غلاماً ، سيّداً فينا

أو بقول الآخر:

إذا مات منّا سيّدٌ ، قامَ سيّدٌ قَؤولٌ ، بما قال الكرامُ ، فَعولُ

· وينسحب بعض ماتقدّم ، أوكثير منه ، على الأحزاب والتنظيمات، السياسية والاجتماعية .

· أمّا الأمم ، فلها شأن آخر.. والحديث عن أمّتنا ، له شأن آخر، مختلف عمّا هو عليه ، في باقي الأمم !

الكبير في الأمّة ، على مستوى الأمّة :

- قد يكون قائداً فذّاً ، سياسياً أو عسكرياً ، نادر المثال ، أو منقطع النظير! فإذا فقدته الأمّة ، في ساعة هدوء واستقرار وقوّة، كان فقدها إيّاه ، ثلمة ضخمة ، في بنائها الاجتماعي ، أو السياسي ! أمّا إذا فقدته ، في ساعة كرب وشدّة ، قفد يكون فقده ثغرة هائلة ، في بناء قوّتها .. وربّما كان ، في فقده ، ضياعٌ كبير، لهيبة الأمّة .. وقد يتجرّأ عليها ، من لم يكن يتجرّأ ، من قبل ! وفي تاريخ الأمم ، شواهد كثيرة ، على ذلك !

 ورحم الله أبا تمّام ، حين رثى محمّد بن حميد الطوسي ، القائد العسكري الكبير، قائلاً :

 تًوفّيت الآمالً ، بعد محمّد وأصبح في شغلٍ ، عن السفَر، السَفْــرُ

- أمّا العلماء ، القادة الحقيقيون لأمّتنا ، فالمصيبة بهم - إن حلّت- أكبر وأعظم ، وأشد خطراً .. فهم :

1) الأوتاد ، التي تثبّت الأمّة ، في الرخاء والشدّة !

 2) والمصابيح ، التي تنير للأمّة الدروب ، في حالات استقرارها واضطرابها ، وفي ظروف قوّتها وضعفها ، وفي ليالي هداها وحيرتها !

3) والحصون ، التي تتحصّن بها الأمّة ، حين يشتدّ عليها ، جور الظالمين في الداخل ، وصولة المتربّصين في الخارج !

4) والأشعّة الهادية ، التي تفتح لها ، كوى الأمل ، ونوافذ الرجاء .. عند انسداد الآفاق، وهيمنة اليأس على النفوس ، وامتلاء الأجواء: بالعجز، والإحباط ، والحيرة، وغياب الرشد !

 ورحيل أحدهم ، قد يدفع بعض القوم ، بحقّ ، إلى التمثّل بقول الشاعر:

 وماكان قيسٌ هلكُه هلك واحد ولكنه بنيانُ قوم تَصدّعا !

· ولقد كان الشيخ الفاضل، الراحل، منير الغضبان ، واحداً من أبرز هؤلاء.. في سورية خاصّة ، وفي الأمّة الإسلامية ، عامّة :

- كان شيخاً ، للقريب الذي يلتقي به ، ويحاوره ويسأله !

- وكان شيخاً ، للبعيد الذي يقرأ كتبه ومقالاته !

- كان شيخاً للرجل والمرأة .. وقد كتب للجميع ، ونهل من علمه وروحه الجميع !

- لم تكن موسوعته النادرة ، في السيرة النبوية العطرة ، هي ، وحدها ، النظرية المتكاملة .. بل كان مبدعاً حقيقياً ، في تلمّس النظريات ، في كل ماكتب : في الفكر، وفي التراجم ، وفي سير الصحابة ، وفي الفكر السياسي القديم ؛ في العهد النبوي ، وما تلاه .. وفي العصر الراهن !

- كان روحاً حقيقية، فيما يكتب : بعلمه ، وتواضعه ، وإخلاصه ، ودأبه العجيب ، وحرصه على الإنجاز.. في حالاته كلها : من سفر، وحضر، وصحّة ، ومرض ..!

- عَرف هذا ، كله ، عنه ، من عرفه عن كثب .. وعرفه عنه ، من له صلة بأهله ، من : أبناء ، وبنات ، وزوج !

- عرفتُ زوجه الفاضلة ، السيّدة إلهام ، قبل أن تتزوّجه .. وكانت بيننا مودّة وألفة ، وكنت ألتقي بها ، بعد أن تزوجتْه ، فنتبادل أطراف الأحاديث .. ولقد كانت له ، نعم العون والسند ، بما لها من روح طيّبة ، ومن علم ، ووعي، وإحساس كبير بالمسؤولية !

 هذا ؛ إضافة إلى ماقرأتّه من كتبه، في مجالات شتّى ، وماكان يحدثني به زوجي ، الذي كان من أقرب الناس ، عقلاً وقلباً ، إلى الشيخ الراحل ، بل من أقربهم صلة بشخصه ، حين كان يقيم ، في البلد الذي نقيم فيه.. ويتبادل مع زوجي ، الزيارات، بشكل دائم !

 رحمة الله عليك ، ياأيّها العالم الفذّ ، والطود الشامخ ! إن ابتلاء الأمّة بفقدك ، لكبير ، لايخفّف من وطأتِه ، إلاّ عزاؤها بتراثـك الضخم ، وبما خلّفتَ ، وراءك ، من ذرّية ، نحسبها صالحة ، من خلال مانرى ، من بناته الفاضلات ، ومن خلال مانسمع ، عن بنيه الكرام !

 وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .