الأستاذ الشاعر والأديب عمر يحيى -رحمه الله -

رجال في ذاكرتي

علماء - أدباء - دعاة

عرفناه وقد جاوز الخامسة والستين من عمره أستاذا لنا في جامعة حلب قسم اللفة العربية مدرسا لمادة النحو والعروض  ولم نكن نعرفه من قبل ، ولم يكن ليحدثنا  عن حياته وماضيه. وكل ماعرفناه عنه أنه من حماة أصلا يقيم في حلب ! شاعر واكب الأحداث منذ العهد العثماني ، نحوي متمكن ينسال  الشعر على لسانه ، نحس به جميلا أنيقًا ، وهو يردده بإلقاء متفرد يجذب الأسماع إليه !

 ذلك هو الأستاذ عمر يحيى الذي جمع بين الإباء والصراحة والجرأة ، وبين الانكباب على طلب العلم والتواضع والدعابة ورعاية الطلاب والأصحاب !وقد أحب الشعر  وقرضه منذ أوائل شبابه ، وكان شعره مرآة شخصيته بمثلها وانفعالاتها الخاصة والعامة ، وقد تحدث في قطعة من ترجمته عن حياته ، ومراحلها وصحبته منذ اليافعة مع الأديبين :بدر الدين الحامد و وإبراهيم العظم ، وعن اهتمام مفتش المعارف الشيخ سعيد النعماني بهم ، وبعده ساطع الحصري ،وقد شهد له مختلفُ مراحل التعليم بالكفاءة  كما أشار إلى ذلك الأستاذ سهيل عثمان. في ترجمة له في الجزء الثاني من الديوان ! إذ انطلق من المرحلة الابتدائية ، ثم درس في المرحلة الثانوية عدة مواد ، على الرغم من أن الأدب والنحو العربيين هما مجال اختصاصه الأول ، وبعد إحالته إلى التقاعد من ملاك وزارة التربية درّس النحو والعروض بجامعة حلب عدة سنوات

حتى عام ١٩٧٣ ، وفد قام في هذه الفترة بتحقيق كتاب الوافي في العروض والقوافي مع أستاذنا فخر الدين قباو ة !! وأما الأستاذ عبدالرزاق الأصفر فيضيف : أجاد التركية والفرنسية، وألم باللغة الفارسية ، وواكب حركة التحرر العربي ، وتفاعل معها بسلوكه وشعره ، ويعد من أصحاب الثقافة الموسوعية  في  الأدب واللغة ، وقضى في التعليم قرابةتسعة وخمسين عاما ، وقد عرف له معاصروه قيمته وقدره ، ولمسنا ذلك من خلال توقير أساتذتنا في الجامعة  الدكتور صبري الأشتر  وعمر دقاق وفخر الدين قباوة !

قضينا معه عاما دراسيا حافلا إذ كنا ملتزمين بالدوام ، وكان عدد الطلاب قليلا ، وكنا أول دفعة التحقت بالكلية الناشئة، ولم يكن رحمه الله ليقرر علينا كتابا في النحو أو مؤلفا في العروض ، وقد كان على كبر سنه آنذاك لايكاد يتوقف في الشرح والإفاضة يأتي بمختلف الشواهد وينثرها مع قراءة منفعلة متمكنة ، سيما إذا كانت من الغزل والحماسة، وكذلك في العروض الذي كان لايتكلف في استحضار شواهده وبحوره ، فكنا نكتب مايقول ، وقد جمعته يومذاك في كراس أفدت منه كثيرا في نظم الشعر ، واحتفظت به طويلا !

وفي منتصف عام ١٩٦٧جمعت أشعاري وبعض ماألقيته في أمسيات شعرية تحت عنوان (دموع وقناديل ) في الغزل والحماسة وقدمتها لعميد الكلية الدكتور الأشتر رحمه الله الذي شجعني وأمثالي ، وألقى في إحدى الأمسيات كلمة ضافية عن الشعر الشبابي والوطني تشجيعا للطلاب الشعراء وفيهم محمد هدى قاطرجي ومحمد ياسين العك. ومحمد كلزية ومريم أرتين وأحمد الخطيب ، وأحال المجموع إلى الأستاذ عمر يحيى لكونه شاعرا ويدرس النحو والعروض !

***

وقد أتحفني بعد سنوات من هجرتي من سورية صديق حموي بديوان الشاعر ، ووقفت عند هذه الأبيات التي يرثي بها صديق شبابه الشاعر بدر الدين حامد في قصيدة تجاوزت سبعين بيتاً، ففجرت مواجعي القلب على إخوة ودعناهم ، وقد كانوا من طلاب عمر يحيى -  رحمه الله تعالى ورحمهم ، منهم : محمد رشيد عويد، وعصام قصبجي ، وعدنان شيخوني ، وفاروق الغباري ، وعبد الرزاق ديار بكرلي ومروان خصيم ، عبد الجليل متعب ، يحيى سيد درة وغيرهم

مصابٌ لايقوم به مصابُ ..   قضى الإخلاص والأدب اللباب

أجلْ ! أبكى حماة دماً فتاها   وردد شجوها الوطن المصاب

أناديهم …..ومافيهم مجيب  كأنهمُ   ….على الباكي غضاب

وأسأل عنهمُ ……في كل ناد   فلاسمرٌ هناك ……..ولا جواب

هي الدنيا …تُفرّق كل شمل    وتعيا دونها … الصمُّ الصلاب

وأصحاب …….فقدتهمُ كراما  حياتي بعدهم سمٌّ مذاب !؟

وسوم: العدد 1027