أوصيك يا بنيتي الحبيبة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.

بنيتي الغالية: وفقك الله ورعاك وغمرني وإياك بفضله وإحسانه وأوصي نفسي وإياك بكليمات متواضعة آمل أن لا تغفلي عنها إن شاء الله.

أولاً - أوصيك في حق الله تعالى:

1. بتقواه وخشيته خشية العالمين به.

2. وحبه حب المخلصين له.

3. والاستعانة به وحده عند اشتداد الكروب والهموم.

4. ومراقبته مراقبة المحسنين الذين يعبدونه وكأنهم يرونه سبحانه وتعالى.

5. وأن تعلمي يا بنيتي أن ما عند الله خير وأبقى.

6. وأن من سنته في خلقه أن العاقبة للتقوى.

7. فتطلعي لما عنده سبحانه وازهدي في الدنيا طمعًا في الآخرة فإن الآخرة خير من الأولى.

8. وليكن أمام عينيك دائماً أن من توكل على الله كفاه.

9. وأن من اتقاه جعل له فرجًا ومخرجًا وفرقانًا ورزقه من حيث لم يحتسب.

10. وكان حسبه.

11. وأنار قلبه وجوارحه، وجعل له نوراً يمشي به في الظلمات.

12. اجعلي من هذه المعاني يا ابنتي خلقًا لك وسيرة حية ماثلة في حياتك إن شاء الله.

ثانيًا - وأوصيك في حق كتاب الله تعالى

1. أن تحافظي عليه ولا تضيعيه ولا تغفلي عنه.

2. وأن يكون لك خلقًا وأنسًا ومرجعًا وحجة.

3. وأملاً تأوين إليه كلما شعرت بقسوة وجفاء من نكد الحياة وشتاتها.

4. ولا تنسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن الكريم.

5. وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا قرآنًا يمشي على الأرض، وكانوا جيلاً قرآنياً فريدًا وكفى بهم أسوة لنا في سائر حياتنا ومناشطنا وخلوتنا وجلوتنا.

6. ولتكن حياتك مع القرآن الكريم حياة المتأمل المتدبر الخاشع الباكي ما أمكن ذلك، فالكلام صفة المتكلم، والمتكلم بالقرآن رب العالمين.

7. ولتكن كل آية من آياته كأنها خطاب خاص بك وبنا، فما أنزل القرآن إلا هاديًا ومرشدًا للخلق إلى خالقهم سبحانه.

ثالثًا - وأوصيك في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم

1. أن تتعرفي على أخلاقه وشمائله وسيرته.

2. وأن تتخذي من جميع ذلك أسوة وقدوة حسنة لك فإنه صلى الله عليه وسلم خير خلق الله وأكرمهم وأعلمهم وأحبهم إلى الله.

3. وعليك أن ترتقي بهمتك ونفسيتك إلى مقام التأسي بأخلاق هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

4. وبداية الطريق حبه عليه الصلاة والسلام الحب القلبي العذري الذي يحمل على الشوق لجنابه والتخلق بمكارم أخلاقه.

5. وأن تري السعادة كامنة في منهجه وشريعته وأخلاقه وسيرته وسائر أقواله وأفعاله.

6. كل ذلك في مقام الحال وليس في عالم الفكر والخيال.

7. فاحرصي بنيتي على أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في قلبك وعقلك وخيالك ومشاعرك وعواطفك وسائر حياتك.

8. فأنعم به عليه الصلاة والسلام مثلاً وأسوةً وقائدًا وحبيبًا وشفيعًا.

9. وأسال الله تعالى أن يحيينا على سنته وأن يميتنا على ملته ومحبته، وأن يشفعه فينا يوم القيامة، وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا إنه سميع مجيب.

رابعًا - وأوصيك في حق بيتك

1. أن تحرصي على إشاعة الحب والسكينة والرحمة في جوانبه، فالمرأة المسلمة الصالحة الواعية هي أم الفضائل والمكارم، وهي نبع الحب والسعادة في البيت أولاً وفي المجتمع ثانيًا.

2. احرصي بنيتي كل الحرص على تهيئة أسباب الرضى والسعادة لزوجك الذي لن تسعدي دون إسعاده.

3. وكوني له سكنًا وحنانًا ووفاءً ليكن لك كذلك.

4. وليرَ منك أعلى ما يتمناه الرجل من أهله من الصدق والإخلاص والأمانة والنصح والحب والبشر.

5. واشكريه على كل جميل ترينه منه فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.

6. واعلمي أن المرأة في البيت هي مصدر هدوء وراحة وسعادة، أو هي باعث همٍّ وقلق وشقاء ونكد، فكوني الأولى وحذار من الأخرى.

7. احرصي وفقك الله على أن تسير أمور البيت بينك وبين زوجك بالرضى والتشاور والتعاون والحب.

8. ولا تنسي أن الكلمة الأخيرة يجب أن تكون للزوج بالمعروف، هكذا أراد الله وهكذا حَكَم، فالرجال قوامون على النساء، وللرجال عليهن درجة.

9. واعلمي بُنيتي أن مكان المرأة الأساس هو بيتها (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) ، وخروجها لعمل جادٍّ نافع ومفيدٍ طيبٌ ومباركٌ إن شاء الله، أما أن تكون المرأة خرَّاجة ولاَّجة دونما هدف ولا غاية نبيلة؛ فهذا من إهدار دورها في الحياة.

10. واحرصي بنيتي وفقك الله على حسن تربة أولادك، فإنك يوم تصبحين أمًّا فأنت مدرسة وصانعة أجيال، وليس في الدنيا كلها أشرف ولا أنبل من صناعة الرجال وصناعة الإنسان الذي يبني الحياة والحضارة والأمجاد:

الأم مدرسة إذا أعددتها  أعددت شعبًا طيب الأعراق

11. واعلمي أن مما يشيع الطمأنينة والسكينة في البيت إكرام أهل الزوج وأصدقائه وضيوفه بنفس طيبة ورغبة صادقة، فليكن بيتك بيت الكرم والترحيب وحسن الضيافة والاستقبال مهما كلفك ذلك من جهد ومال.

12. ومن تمام أخلاق البيت المسلم المحافظة على أسراره وخواصِّه، فلكل بيت حرمته، وكثير مما يكون داخل البيت يجب أن يكون مصونًا لا يعرفه الآخرون.

13. ولن يكون البيت سعيدًا ما لم تحسني إلى جيرانك وتبذلي لهم المعروف وتتحملي إيذاءهم، وتحمل الأذى أهم من الإحسان للجار، فليكن جوارك مرآةً لحسن تعاملك مع سائر الخلق.

14. ولا تنسي يا بنيتي أن تتخذي لك من بيتك مُصلىً تخلدين فيه للعبادة والذكر وقراءة القرآن الكريم والدعاء، فمثل هذا المصلى إشارة إلى صلاح البيت وأهله إن شاء الله.

خامسًا - وأوصيك في ميدان الحياة العامة والمجتمع

1. أن تكوني على درجة عالية من صفات النبل والأدب الجم، ومحبة الخير وأهله والأخلاق الإسلامية السمحة الوقورة.

2. وعليك بالحرص على الوقت واحذري أن يضيع شيء منه في غير فائدة في دينك أو دنياك.

3. وليكن تعلمك العلم من أجل العمل به والدعوة إلى الحق والخير، واحرصي على التعمق في العلوم الشرعية قبل غيرها فهي أساس الحياة الفاضلة.

4. ولتكن حياتك العملية قائمةً على التسامح والتعاون والحب والاحترام للكبير والعطف على الصغير والتقدير للأقران ومراعاة مشاعرهم.

5. ولتكوني يا بنية قدوة حسنة لجميع إخوانك وأخواتك في البيت، وإلى جميع أخواتك في الله في المجتمع الكبير.

6. وأول من يجب أن تتقربي لله بحسن صحبته أمك وأبوك فهما بداية الهداية، ورضاهما عنوان كل توفيق ورشد وسعادة.

7. وإياك من حياة الإهمال والغرور والتعالي على الأقران أو الاستهتار بأي واجب مهما كان صغيرًا.

8. وكوني يا بنية على درجة عالية من الكرم والشجاعة، وحسن الكلام إذا تكلمت، وحسن الاستماع إذا استمعت، وحسن الصمت إذا صمت.

9. وليشعر كل من حولك أنك تحبينه في الله، وأنه يرجو ويأمل منك كل خير وبرٍّ ومعروف.

10. ولتكوني يا بنية مَعلمًا من معالم الخير في هذه الحياة، أقصى أمانيك رضوان الله والجنة في الدار الآخرة.

11. وأما في هذه الحياة الدنيا فاهتمي بالأمور الكبيرة والعظيمة، ولا تلتفتي للأمور التافهة والسفسافة، فالطعام واللباس والمسكن كل هذا وغيره أمره هين ويسد أي شيء منه ويغني عن غيره.

12. واعلمي يا حبيبتي أن جمال الفتاة المؤمنة بأدبها لا بثوبها، وبأخلاقها لا بموضاتها، فحبي من الطعام ما وجد، ومن اللباس ما تيسر وستر، ومن البيوت ما هيأ الله لك، ولكن سابقي الناس جميعًا بالفضائل والآداب والأخلاق ففي ذلك فليتنافس المتنافسون.

13. ولتكن همتك عالية بحيث تعدين نفسك مسؤولة عن هذه الأمة كلها، وأن عليك إنقاذها من جهلها وضياعها والارتقاء بها إلى المكانة الريادية والخيرة التي أرادها الله لها عندما قال سبحانه (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).

14. وحذار يا بنية من رفيقات السوء اللاتي همهن الشكل والمظهر وحالهن لا يرضي الله تعالى.

15. واحرصي أن تؤثِّري بمن حولك في الفضل والخير، ولا تتأثري بهم في سيئ العادات والأخلاق والتقاليد.

16. وانظري في الناس؛ فما أعجبك فيهم من خصال الخير فسابقيهم فيهن وما كرهت فيهم من خصال الشر فابتعدي عنه فالمرء مرآة أخيه.

أي بُنيَّة..

إن هذه الحياة قد أَسِنَتْ بالأفكار الغريبة والعادات الجاهلية والموضات المتقلبة، وصار كثير من الخلق أسرى لما يواجهونه من أحوال الناس وصفاتهم، ولما يلقى عليهم من وسائل الإعلام المختلفة، فيدور الناس مع التيار والهوى كيفما دار بفضل دعاة السوء وتفاهة العامة واستحكام شهواتهم بهم.

فكوني يا بنية عصماء في فكرك وأخلاقك وعاداتك، فالحق لا يغيره إعراض الناس عنه، والباطل لا يحسنه تبنِّي الناس له، فلا تكوني إمَّعةً تسيرين مع المجتمع حيثما توجه وسار، ولكن أحسني إن أحسن الناس، وإن أساؤوا فتجنبي إساءتهم، فديننا كله قيمٌ وفضائل، وكله جمال ويسر ورحمة وبر وإيثار، ونحن نسير على جادة سواء، وحجة واضحة، وصراط مستقيم والحمد لله.

بُنيَّتي الحبيبة..

تذكري أن المرأة التي تحيا في ظلال الجاهلية بعيدةً عن الإسلام أسيرةً للموضات والتقليعات الحديثة، هذه المرأة قد فقدت كل شيء في حياتها، وإنها تحيا في قلق مزمن واضطراب وحيرة وذهول، لأنها ضاعت وابتعدت عن نبع الهداية الربانية، ولو تعلم نساء الأرض الغافلات ما تتمتع به المرأة المسلمة من سكينة وطمأنينة وسعادة نفسية لقاتلنها على ذلك.

فأنت يا بنية - وكل مسلمة صادقة – تملكين سر سعادة الحياة، وتملكين دواء كل مرض مستعصٍ على علماء النفس والتربية بما معك من قيم الإسلام وهديه.

وأخيرًا وليس آخرًا حافظي يا بنيتي على القرآن الكريم وراجعيه واستذكريه كل حين، واطلبي العون من الله في كل شؤون حياتك، وأخلصي لله في سرك وجهرك، وهذه وصيتي لك ولسائر إخوانك وأخواتك والمسلمين والمسلمات، والله ولي التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

والدك

موسى إبراهيم الإبراهيم

وسوم: العدد 878