خيبر والكرامات!

لا يزال الصهاينة المحتلون يعربدون في أرض المسلمين فلسطين المحتلة، ويربون أجيالهم على عقيدة «الهيكل المزعوم» الذي سيكون محل المسجد الأقصى المبارك؛ لذا فهم الآن ينظمون رحلات مدرسية له لاطِّلاع أجيالهم على مكان هيكلهم المزعوم نافخين فيهم كما ينفخ الشيطان ضرورة قتل المسلمين وتدمير الأقصى!

هذه الخرافات التي تُدعم بقوة من قبل الدول الكبرى، لا تزول ولا تتحطم إلا بجيل التوحيد المتتبع لآثار رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وواجبنا اليوم فتح نوافذ البطولات الحقيقية حتى يراها أجيال المسلمين فيكونوا بحق جيلَ النصر المنشود، فمن هذه النوافذ البطولية الرائعة:

ولما قَدمَ رسولُ صلى الله عليه وسلم خيبر، صلَّى بها الصبح، وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر بمساحِيهم ومكاتِلهم، ولا يَشعُرون، بل خرجُوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش، قالوا: محمَّدٌ والله، محمَّدٌ والخميسُ، ثم رجعوا هاربين إلى حصونهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الله أكبرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، الله أكبرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحةِ قَوْم، فَسَاء صَبَاحُ المُنْذَرِين».

ولما دنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأشرف عليها، قال: «قفوا»، فوقف الجيشُ، فقال: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَمَا أظَلَلْنَ، ورَبَّ الأَرَضينَ السَّبْعِ ومَا أقْلَلْنَ، ورَبَّ الشَّيَاطِين وما أَضْلَلْنَ، فإنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هذِهِ القرْيَةِ وخَيْرَ أَهْلِها وخَيْرَ مَا فِيهَا، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هذِهِ القَرْيَةِ وشَرِّ أَهْلِهَا وشَرِّ مَا فيها، أقْدِمُوا بِسْم اللّهِ».

ولما كانت ليلة الدخول، قال: «لأعْطِيَنَّ هذه الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ ورَسُولُهُ، يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيْهِ»، فبات الناسُ يدوكون أيُّهم يُعطاها، فلما أصبح الناسُ، غَدَوْا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كُلُّهم يَرْجو أن يُعطاها، فقال: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالب؟»، فقالوا: يا رسُولَ الله، هو يَشتكي عينيه، قال: «فأرْسِلُوا إِلَيْهِ»، فأتي به، فبصق رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا لهُ، فَبَرَأ حتَّى كأنْ لم يَكُنْ به وَجَعٌ، فأعطاهُ الرايَةَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أُقاتِلهم حتى يكُونوا مثلنا؟ قال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهم، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، وأَخْبِرْهُم بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فيهِ، فَوَالله لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدَاً، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ».

وجاء عبد أسود حبشي من أهل خيبر، كان في غنم لسيده، فلما رأى أهلَ خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم: ما تُريدون؟ قالوا: نُقاتل هذا الذي يزعم أنه نبيٌّ، فوقع في نفسه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل بغنمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ماذا تقول وما تدعو إليه؟

قال: «أَدْعُو إلى الإسْلام، وأن تَشْهَدَ أن لا إله إلا الله، وأنِّي رَسُولُ الله، وألا تَعْبُدَ إلَّا الله»، قال العبدُ: فمالي إن شهدتُ وآمنتُ بالله عز وجل؟ قال: «لك الجَنَّةُ إنْ مِتَّ على ذلكَ»، فأسلم، ثم قال: يا نبيَّ اللهِ، إن هذه الغنم عندي أمانة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَخْرِجْها مِنْ عِنْدِكَ وارْمِها بالحَصْباءِ، فإنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ»، ففعل، فرجعت الغنم إلى سيِّدها، فعلم اليهودي أن غلامه قد أسلم، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الناس فَوعَظهم، وحضَّهم على الجهاد، فلما التقى المسلمون واليهودُ، قُتِلَ فيمن قُتِلَ العبدُ الأسود، فاحتمله المسلمون إلى معسكرهم، فأُدخل في الفُسْطَاطِ، فزعموا أن رسول اللهِ اطلع في الفُسطاط، ثم أقبل على أصحابه وقال: «لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ هذَا العَبْدَ، وسَاقَهُ إلى خَيْرٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ اثْنَتَيْن مِنَ الحُور العين، وَلَمْ يُصَلِّ لِلهِ سَجْدَةً قَطُّ».

وقال شدادُ بنُ الهاد: جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فآمنَ واتَّبعه، فقَالَ: أُهاجرُ معكَ، فأوصى به بعضَ أصحابه، فلما كانت غزوةُ خيبر، غَنِمَ رسولُ صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقسمه، وقسم للأعرابي، فأعطى أصحابه ما قسمه له، وكان يَرعى ظهرَهم، فلما جاء، دفعُوهُ إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخذهُ، فجاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هَذَا يا رسول الله؟ قال: «قَسْمٌ قَسَمْتُهُ لَك»، قال: ما على هذا اتبعتُك، ولكن اتبعتُك على أن أُرمى ها هنا، وأشار إلى حلْقِه بسهم، فأموتَ فأدخل الجنة، فقال: «إنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ»، ثم نهض إلى قتال العدو، فأُتِي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول، فقال: «أهو هو؟»، قالوا: نعم، قال: «صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ»، فكفَّنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جبته، ثم قدَّمه، فصلَّى عليه، وكان مِن دعائه له: «اللَّهُمَّ هذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهاجِراً في سَبِيلِكَ، قُتِلَ شَهِيداً، وأَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ»(1).

إنها كرامات شاهدات على صدق هؤلاء الرجال الأفذاذ من الصحابة الكرام الذين كتب الله على أيديهم نصراً مؤزراً للمسلمين على اليهود في خيبر، نصراً تغنتْ به أجيال المسلمين ردحاً من الزمان، وسيأتي اليوم الذي يسجد المسلمون سجود الشكر ويصلون صلاة الفتح وينشدون نشيد النصر، إن شاء الله تعالى، ولعله يكون قريباً، والحمد لله رب العالمين.

(عن مجلة المجتمع)

____________________________

(1) ابن القيم الجوزية، زاد المعاد.

وسوم: العدد 959