وعلى سيرة مقاسات

لست أدري كيف يصرُ بعضُ الناس على تعميم تجربته الخاصة ، بل ويعلها مرجعا ، لأنه وجدها صحيحة وفاعلة حسب رأيه . وعلى سبيل المثال لأحد الرجال وقد استخدم جوّال (ال سامسونج ) الذي أعجبه بادئ الأمر ، ثم راح يحكي عن سيئاته كجهاز متطوّر وحديث ، و بسبب جهله في استخدام تقنياته ظن أنه جهاز سيئ و(حرام يندفع فيه مصاري) .      

وأذكر ذات مرة أني تناولت وجبة سمك عند جارتنا(أم عبدو) وكانت لذيذة جدا ، وحين سألتها عن طريقة طهوها ، أخبرتني أن أمها علمتها هذه الطريقة ، وأكدتْ أمُّها عليها أن تقصَّ رأس السمكة وذيلها ، فالتزمتُ بكامل المقادير مع الطريقة ! حقيقة كنت أقلي السمك بهذه الطريقة وفي كل مرة أتساءَل عن سبب قص الذيل وهو الجزء المفضل لدي من السمكة إلى أن التقيت ذات مرة بوالدة (أم عبدو) وبعد تبادل الحديث معها سألتها عن طريقتها المميزة في قلي السمك وعن سبب قص الذيل .. فأجابت: لم تكن لديّ مقلاة كبيرة فكنت أضطر إلى قطع رأس السمكة وذيلها حتى تصبح السمكة على مقياس المقلاة !

وعلى سيرة المقاسات ، والتأكيد على عدم صحة هذه النظرية ، سألت ( الغزالة ) ذات مرة ( الزرافة ) عن عمق الماء في البحيرة . فأجابت الزرافة: يصل إلى ركبتي ، فما كان من الغزالة إلاّ أن قفزت في البحيرة وغرقت ! وما أردت قوله : ليس بالضرورة أن تتساوى قياسات قصتك مع قياسات قصة من حولك وبناءً على ذلك إيّاك أن تحاول تعميم قصتك على أنها المرجع والقاعدة ، ثم إن حياتنا هي ثيابنا والتي غالبا لا تناسب أحدا سوانا إلاّ نادرا .

وفي نفس المضمار أثبت أحد الباحثين ( أن ما يناسب شخصاً ما قد يسبب الضرر لشخص آخر ) . وهذا ماحصل لأمتنا عندما غــرَّ بنوها مافي الحضارة الحديثة من نظم وسلوك في كل نواحي الحياة . ولم تكن تلك المقاسات صالحة لأمتنا ولا لأبنائها ولا لقيمها الإنسانية السامية ، فكتب الباحث : ( أظهرت الإحصائيات أن الإنسان الطبيعي يخطو ما يتراوح بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف خطوة يومياً. هذه الخطوات تمثل عبئا على القدمين خصوصاً إذا كان الشخص بديناً أو كان عمله يتطلب الوقوف والمشي لفترات طويلة مما يجعل قدميه عرضة للآلام والأمراض المختلفة التي تنتج عن الاجهاد مثل مرض مسمار القدم والتهاب الأربطة والأوتار وآلام مقدمة القدم وغير ذلك. ومن أجل هذه الأسباب فإنه من البديهي والمعروف بأن الحذاء الطبي والحذاء الجيد يكونان ذا أهمية قصوى عند الأشخاص النشطين وعند الرياضيين وعند بعض فئات المرضى مثل مرضى السكري والقدم المفلطحة ومرضى الأوعية الدموية. ويمكن لأي شخص ملاحظة الكم الهائل من مختلف أنواع الأحذية التي يزعم بائعوها بأنها صحية وطبية ومفيدة. ولكن في الواقع ان كثيرا من هذه الأحذية يكون على العكس تماماً وكذلك يجب التنبيه إلى ان الحذاء الطبي ليس بالضرورة نوعا واحدا مناسبا لكل الأشخاص والأمراض وان ما يناسب شخصاً ما قد يسبب الضرر لشخص آخر، فمثلاً الحذاء ذو الأرضية الصلبة نوعاً ما والذي قد يناسب مريض خشونة ابهام القدم قد يسبب آلاماً مبرحة في الكعب عند استخدامه من قبل مريض مسمار القدم. وكذلك الحذاء ذو الأرضية اللينة والذي يتم وصفه لمريض مسمار القدم قد لا يكون مناسباً لمريض القدم المفلطحة أو المسحاء (Flat Foot) وقس على ذلك ) .

وهذا الكلام صحيح و واقعي ، ونحن نرى اليوم أسباب ضعف أمتنا ، وما فيها من النوازل والمآسي والتخبط والضعف والهوان أما دول العالم وشعوبه . لأنها أخذت ماليس من طبيعتها ، ولا يناسب محتدها الأصيل ، ولا شريعتها الغراء ، ولا مكانتها العالمية ، وخيريتها التي اختارها الله سبحانه وتعالى لهـا ولا مافي تاريخها المجيد من قيم ومآثر . وتلكم سيرة المقاسات التي وقعت أمتنا في مآسيها .

إضــاءة :

قال الله تعالى : ( قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّاَنا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْما ) 89 / الأعراف .

وسوم: العدد 1032