آداب مهملة !

آداب مهملة حين تسقط أخلاقيات مُهمَلة في المجتمع  ، يدق ناقوس الخطر  باهتزاز أساسيات الأخلاق الاجتماعية التي تحفظ  توازن العلاقات الإنسانية ، تهمل تلك الآداب حين يضعف الوعي  بسبب عوامل دخيلة على المجتمع   تهز نمط الحياة السليمة ، سنحاول أن نسلط الضوء عليها بشيء الشرح  لنبينا حاجتنا للأخلاق مهملة لها أهميتها   في تعامل الناس مع بعضهم البعض .

 فلا نعجب أن يخص الإسلام في مبادئه الكبرى  على  أهمية الأخلاق الفاضلة في بناء المجتمع المنشود ، وهذا السند الواقي يخصه سيد الأنام  بالتأكيد  حين يصف النبي نفسه : (أدبني ربي فأحسن تأديبي ). 

تأكيدا للمعاني السابقة  فليس من الأدب رعونة الخُلُق ، و خشونة المعاملة ، بل الأدب أن يكون  الرفق سيد الأخلاق ، فيعطي الله له  الأجر بالمضاعفة لمن زان  نفسه بالرفق و اللين .

كما عدّت البذاءة وخشونة المعاملة من الصفات المذمومة بين الناس فيما بينهم، فإذا أردنا البحث عن القدوة الحسنة،  فسيد الخلق هو نموذج  القدوة ،   نأخذ منه   التأسي صلى الله عليه وسلم في القول والعمل والصفة ، فقد كان صلى الله عليه وسلم  عف اللسان ، لين الكلمة ، حسن العشرة ، أنيق المظهر ، نظيف المكان ، يسع من يجالسه ، يكره  الفضح ، ميال للستر.

كان لا يتميز على الناس بعلو مكان أو  نبرات صوت   أو وجاهة سلطان ، لا يفرق بين اثنين في المجلس ، ولا يقاطع متحدث حتى يفرغ ،  و لا يتحدث بالإشارة  في الجماعة ، ولا يتدخل فيما لا يعنيه  في  الشؤون الخاصة  للناس ، تجده يعطي المجالس حقها ، فيلقي التحية ، و يسلم على من يلقاه  ، يسلم ويجلس  حيث انتهى به المجلس ،  فكان يستأذن في الجلوس وعند  الانصراف ، كان يسامر جليسه ، يعود المرضى  و يسأل عن الغائب ،  يحفظ  الأقدار والمقامات  ، و يقبل الأعذار ،   يعرف فضل الأصحاب ، يكره إذاية الخلق  و لو بالكلمة و الإشارة ،  تراه  يرفق بالضعيف ، يمازح الكبير والصغير  ، يعيش بين الناس يشاركهم  الأفراح والأتراح ، مع هذه المزايا و السّجايا كلها  إلا أنه  لا  يجامل في الحق، تجده يغضب  حين تنتهك الحدود و الحرمات ، لا يحب الشفاعة في الحدود،   و في مواطن الرحمة  تجده   يتجمل بالحياء والعفة والعفو والتسامح والرحمة .

قد ينظر البعض  لهذه الآداب بالزهادة وقلة الاهتمام ، و لكنها في ميزان  البناء  القيمي المجتمعي  لها قيمتها  ، ربما             نراها معاملات بسيطة ، لكن  أثرها  فاعل  في ترصيص العلاقات وتقويتها ، فالاهتمام بآداب السلوك وتهذيب النفوس  لها قيمتها في التنشئة الصالحة  للفرد والمجتمع ،   فآداب الجلوس ،  و آداب الأكل ، وآداب الحوار ، وآداب الاختلاف والموافقة ،   كلها من صميم  تعاليم  ديننا الحنيف ، أكد عليها الشارع الحكيم وحظّى عليها .

إن الاهتمام بهذه الآداب المهملة  ليس مجرد "ترف أخلاقي"، بل هو أساس بناء سليم لمجتمع رسالي،  لمجتمع متماسك ومحترم، يحقق  قدسية رسالة الإسلام  ، التي تبعث الأمان  للمجتمع الإنساني المحروم  من قيم العدل والإخاء والتراحم .

فمتى تحيا هذه القيم و الآداب في سلوك الفرد والجماعة ؟!

وسوم: العدد 1124