إلى الطاغية المخلوع

الرسالة قبل الأخيرة

م. محمد حجاج

- إعلامي - القاهرة

أكتب إليك هذه الرسالة وهي قبل الأخيرة لأن رسالتي الأخيرة إليك لن تنفعك ،  ولكن قد تنفع من ستكون لهم عبرة ، وأتمنى أن تصل إليك رسالتي هذه فتقرؤها بعين البصيرة لا بعين البصر ، وأن تعييها ولا تدعها تمر مر الكرام كما مرت كثير من الرسائل من قبل ، كان أكثرها رسائل مرئية وليست مكتوبة .

وأقدم لك بعضا منها :

فقد خانك البصر فلم تر هذا الشعب إلا بعين الإهمال والتحقير ، فأذقته كئوس الذل والانكسار كأسا تلو الأخرى ، ما بين تضييق في المعيشة ، وفساد في مؤسسات الدولة ، ورشوة ومحسوبية وقبضة أمنية ، وضربات بوليسية وقربت منك الفاسدين الذي طغوا في البلاد ، واستباحوا حرمة العباد ، فنهبوا الأموال ، وقسموا فيما بينهم الأراضي والضيعات ، وعاشوا عيشة الترف والبذخ التي تُحكى في الروايات ، والشعب مكسور لا يجد الفتات ، وأنت تعيش حياة الإمبراطوريات ، وتطأ بقدمك رقابهم وهم يصرخون ، ويستغيثون وأنت عنهم في سبات ، لم يصل إلى سمعك أنينهم ، ولا إلى بصرك أشكالهم ، فأنت عنهم غارق في الملذات ، يبيت الكثير منهم جائعين وخائفين ومنكسرين ، ولا يستطيعون أن يتنفسوا ، فإن زبانيتك قد حجبوا عنهم هواء الحرية ، واستبدلوا به الظلم والأسى والقهر والاستبداد .

وأبلغوك أن أبناء الوطن في النعيم غارقين ، ويقولون : انظر إليهم فيخيل إليك أن أنينهم ضحكات ، والتواء أجسامهم من الألم رقصات ، ولم ترع لهم عزاً في أركانهم ، ولا كرامة في بلدهم ، فضاعت في الأقطار هيبتهم ، ومزقت مروءتهم ، وأصبحوا يعاملون معاملة المتسولين الذين خرجوا  من ديارهم ليقتاتوا بكرامتهم التي أضعتها ، وعزتهم التي عبثت بها .

لديّ الكثير الذي يملأ المجلدات ، فما ارتكبته يداك وأنت تدري أولا ، فأصبحت مُصرا أن ترى ــ إن كنت ترى ــ شعباً نصفه يعيش تحت خط الفقر والجهل ، والنصف الآخر يتعفف ، ويعيش قهر الألم ، وذل السؤال دون أن يشتكي ، ماعدا أتباعك ومن يدورون في فلكهم من أصحاب المصالح والمطامع المشروعة ، والذين حواهم حزبك حزب الفاسدين والمفسدين .

وأمهلك الله كثيرا ، ولم يهملك وأنت تصنع ما تصنع تحت عينه ، وعلى أرضه تُدخل من تشاء السجون ، وتحاكم من تشاء محاكمات عسكرية ، وتعطي من تشاء بغير حق ظلما وجورا من دماء الشعب المقهور ، وظننت أن الأرض قد دانت لك ، فأصبحت تملكها ، وأن العباد عبيدك تصرف أمورهم كما يحلو لك أنت وأسرتك ، حتى أخذك الله بعزته وجبروته ، وأنزلك من علياء كبريائك وغطرستك إلى حقارة شأنك ووضاعة قدرك خلف قضبان القفص ، تعاني ذل الحجز والمحاكمة وهوان المرض الذي تدعيه ، ولكن الله الرحيم سبحانه وتعالى أعطاك فرصة لم يعطها لفرعون موسى عندما رأى الآية ، وأصبح في البحر أخذه وجنوده وأغرقهم وأنت قد رأيت أية الله عز وجل فيك إذ أذهب ملكك وقلل شأنك في أيام معدودات ، وأمهلك وقتا لا أظن أنه سيطول لتعلن توبتك عما اقترفته يداك وتعيد جميع الحقوق التي اغتصبتها أنت وأتباعك وتطلب العفو من الله سبحانه وتعالى ومن الشعب أن يسامحوك بعد أن ترد إليهم حقوقهم وأموالهم وتعتذر عن صنيعك حيالهم وتطلب الصفح من أسر الشهداء .

فلتكن شجاعا ، وتتخلى عن كبريائك وغطرستك ، وتعلنها على الفور فإن الله تعالى يمهل كثيرا ولكنه إذا أخذ كان أخذه أليما شديدا .

أتمنى أن تصل إليك رسالتي هذه قبل فوات الأوان ، كما أتمنى ألا أكتب إليك الرسالة الأخيرة .