إلى القلة القليلة من بعثيي الحزب الغطاء

كلمات ضرورية ـ من دفاتري :

حين كنت ألملم أشيائي..

جلال / عقاب يحيى

يعصّ قلبي على القلة القليلة من البعثيين الذين آمنوا بالبعث كما فهموه من الشعارات والمبادئ، وما زالوا، لهذا السبب أو ذاك في حزب النظام.. رغم كل الطمي، والموبقات، ورغم تأكدي بأن أمثالهم مهمّشون، ولا يفعلون شيئاً سوى الاستناد إلى حائط أثري متهدّل، كثير الثقوب والانسلاخات، تفوح من وسطه، ومن حوله رائحة الجيّف .(مصدر الجيّف كثير، بما فيها جيّف بشرية اغتالها حنق الاستبداد وحقده الكحلي، وجيّف الأهداف والأماني والمبادئ التي نُحرت، وجيّف الظلم والترويع والفتك بالآخر، وجيّف النهب المنظم لعصابات المافيا وأكوام الانتهازيين، المعشبقين، النفعيين، وجيّف مختلطة متحللة قديمة جداً من كهوف التاريخ، وراهنة ما زالت تنزّ....

ـ سأسألهم بداية عن الشعار اليومي الذي يرددونه في بداية ونهاية كل اجتماع، وفي مناسبات عديدة (أمة عربية واحدة...)، وبغض النظر عن فحواه واعتراضي عليه لما يمثله من رؤية عنصرية، واختلاطية : بربكم أين موقع هذا الشعار من واقعكم؟، بل أين هو بالفعل ؟؟..

ـ سأناشدكم ضميركم الذي يُفترض أنه حيّ ، وأنتم ترددون صباح مساء، وعلى الطالع والنازل أهداف البعث في :" الوحدة والحرية والاشتراكية" أين هي هذه الشعارات في يومياتكم وحزبكم وأمتكم وعالمكم المعاش ؟؟؟؟ ..

لقد طارت الآمال بأي وحدة عربية، وغابت من قاموس الاستخدام، ناهيكم عن الواقع، وباتت القطرية حصن الحصون . أكثر من ذلك فإن " الحصون القطرية" التي تقزّمت إلى ممالك ومستثمرات خاصة للمستبدّ وعائلته ومافياته، وتهرمشت، وتجعلكت.. هي اليوم مهددة بالانشطار، والسبب : أفعال النظام الذي يحاول تمزيق الوحدة الوطنية، واللعب بالنسيج المجتمعي، وتقديم كل المبادئ، والغايات، كل ما كان طموحاً وآمالاً قرابين في مذبح مصالحه، وبقائه ..

ـ أما الحرية فالأكيد أنكم تعلمون أنها مغتالة من زمان، وأنها محرّمة، لأن المستبد لا يقبل غير الواحد : رأياً، وصوتاً، وقراراً، وأنموذجاً، وحاكماً، وبشراً.. وإلا التصفيات والسجون والتهجير، والقمع المنظم الشامل ..

إنكم تدركون أن يافطات " الديمقراطية الشعبية"، و"المنظمات الشعبية"، و"مجلس الشعب"، والإدارة المحلية"، و"الجبهة الوطنية التقدمية"، وكافة المؤسسات هي إنتاج مصانع الأجهزة الأمنية وقد تحوّلت إلى بوق، وكتابة تقارير، ومجال نهش ولهط وانتفاع، وأن الحرّ الحقيقي فيكم، صاحب الرأي لا مكان له فيها إلا إذا صار جزءاً من قوافل المصفقين، الناعقين بتقديس الفرد، وتضخيمه، ورفع صوره ..

وتعرفون أنه لا حياة داخلية في حزبكم ولا ما يحزنون، وأن الأوامر من فوق هي التي تقرر، وهي التي تعيّن القيادات، ويا ويل أحدكم إن رفع صوته بنقد، أو كلمة لا، أو باقتراح يخالف السائد والتعليمات، وأنكم تخشون أكثر ممن هم خارج إطاركم من كتّاب التقارير اللئيمين، بياعي الضمير الذين يطاردون الصادقين بمواقفهم وإيمانهم على الدعسة ..

وأن حق الاختلاف، وحق الآخر بالرأي، وحق التحزّب والتعبير.. وغيره كثير، نتاج أمر واقع لا يمكن لكل عمليات المقصلة والاجتثاث والاغتيال، والقهر أن تشتلعها، بدليل أن أغلبية شعبية اليوم تنتفض على ركام الممارسات الشنيعة، والجرائم المتلتلة التي اقترفت باسم البعث، والبعث منها براء.. لأنه ليس أكثر من برقع، وجسم هلامي مترهل تنخره الأجهزة، وجيوش المرتزقة، وعمليات التجويف والتهديم والأرشفة، ولأنه لم يكن يوماً حاكماً حتى لو نصّ على ذلك دستور مفصل على قدّ المستبد ووريثه  ..

ـ لن أتناول الاشتراكية كثيراً لأنها، من زمان، في خبر كان الفاسدين، النهابين الذين يمتصون دم الشعب، والذين يأكلون السبعة وذمتها، وأخضر ويابس المال العام وثروات البلاد، فيزيدون الفقراء فقراً، والتعتير شقاء.. وهي حالة تشمل عديدكم ممن لم يصبه رذاذ الانتفاع، أو لم ينله" حظ" ما من هذا الوجيه الحزبي، أو ذاك المافيوزي : الأثرياء الجدد.. وأن القطاع العام الذي ُبقر بأيدي رجالات السلطة وخونة النقابات (قياداتها المفروضة)، وعصابات الأجهزة، والبرجوازية الطفيلية المتحالفة مع كبار المسؤولين، هو قاع صفصف من عاديات زمن الوعود ..

*****

لن نتناول فلسطين لأنها غابت من خارطة نظامكم، وتقزّمت، كما هو حال النظام العربي، إلى مشروع دويلة في قطاع غزة وجزء من الضفة يترامون لإقامتها، بينما " السلام خيار استراتيجي" هو المعتمد، وهو الذي يفقأ عيون الشعارات الكاذبة عن المقاومة، والممانعة..

أما الجولان.. ومصيره، وأحواله..فأنتم تعرفون صمته، والالتزام الحرفي باتفاقات الفصل مع "إسرائيل" منذ العام 1974/ تاريخ اتفاقية الفصل ..

****            

قد يقول قائل : الظروف أكبر من الإمكانات، وقد يفرد بعضكم أكوام التبريرات التي يلقنها النظام لأبواقه.. لكنكم عند عودتكم إلى ضميركم وسؤاله عن أسباب هذه الانهيارات، وأسباب هذا المصير الذي صرتم، وصارت البلاد فيه.. ستصلون إلى الجواب الحق، وستعلمون أن المسؤولية الكبرى في كل هذا تقع على النظام الذي فعس البعث عامداً متعمّداً منذ أول يوم بانقلاب التصحيح، وعمل بوعي على ضرب مناضليه الحقيقيين وإغراقه بالانتهازيين، والمنتفعين، ثم فتحه باسم" التبعيث" لكل راغب(وما أكثر الراغبين بالركوب على هذه المطيّة)، وأنه لم يكن أكثر من واجهة لا حول لها ولا شأن سوى استعراضها للتصفيق،، والتصدير، وأنه غادر من أيامها مواقع الأمل، والصدق، والنضالية، والالتزام، وتحوّل إلى جيفة تضجّ بالروائح الكريهة، مثله مثل بقية الجثث المتعفنة التي تزكم أنوف التاريخ والحقائق ..

وأن هدف الأهداف، وغاية الغايات، ومصلحة المصالح لم تكن أبداً وضع المبادئ على سكة التطبيق، بل حماية، وديمومة، وتأبيد نظام الفرد، والعائلة، والتوريث الذي وضعكم ـ بالتأكيد ـ في هرج ومرج وحرج من أنفسكم ومما كنتم تأملون وتحلمون، وأنكم تضطرون للدفاع عن الباطل خوفاً، أو انسياقاً، وأنكم تقزّمتم، وصغرتم، وتعلّبتم مرغمين، ومعتادين  ..

***      

سنترك هذا " الماضي" المثقل بكل الموبقات، وهو ممتدّ حتى الأمس القريب، أي حتى تاريخ الخامس عشر من آذار : يوم تدشين انفجار خزين الاحتقان وبدء مسيرة الانتفاضة ـ الثورة الشبابية ـ الشعبية ، ونسأل ضمائركم  :

ـ أليس من حق الشعب، والشباب فيه، بعد هذه العقود المديدة أن يفكر بالحرية، ليكون مثل بقية شعوب الدنيا ؟.. وهل ذلك بكثير عليه؟. هل ذلك مؤامرة فعلاً صنعها الأمريكان والصهاينة وكل العالم على نظامكم " الممانع" ؟؟..

ـ هل يمكن لنظام في الدنيا أن يواجه المخالفين، مهما كان عددهم، وموقفهم، بالقتل والتفظيع والتعذيب والاعتقال، والتشويه الجسدي والمعنوي.. ويدّعي أنه محبوب شعبياً، وانه يمثل حزباً جماهيراً، وأنه ... ؟؟؟؟...

ـ هل هناك مسؤول، بمعنى المسؤولية، عن شعب وبلد ومصير يوجّه الدبابات وعصابات التشبيح المدرّبة وكل جيوشه الأمنية اللجبة ضد مواطنيه المسالمين.. ثم يختلق قصصاً أنتجت في مصنع الأجهزة الأمنية كي يبرر القتل، ويهرب من استحقاقات مطالب الشعب المشروعة ؟؟..

ـ ألا تتساؤلون لماذا لم يبادر نظامكم، قبل اندلاع الانتقاضة، إلى التقدّم ببعض الإصلاحات التي كان يمكن أن تمتصّ الاحتقان، وتوفر عليه وعلى الشعب هذه الضحايا والخسائر؟؟ ..

ـ ولماذا لم يفعل ذلك عندما حصل الانفجار؟.. ولماذا لم يجد سوى تعبير الفتنة، والمؤامرة تفسيراً، وممراً للقتل والدمار ؟..

ـ الا تتساءلون عن مخاطر نظام يتحدث أكبر مسؤول فيه عن الفتنة الطائفية( لن نقف عند مستشارته)، والقتل على الهوية.. بعد إحدى وأربعين عاماً من حكم الحديد والنار، ومن الادعاء بوجود دولة ومؤسسات وحزب وقائد" مؤهل لقيادة العالم وليس سورية وحسب!!!" ؟؟...

ـ وأسأل ضمائركم : أين أنتم من شعبكم ؟..

أين أنتم مما يجري من قتل وفظائع، ومن تحويل أمكنة ومسار ودور الجيش من الجبهة إلى المدن والقرى والشوارع، وماذا يعنيه ذلك على الجيش والوطن والمستقبل ؟؟..

ـ اسألكم سؤالاً أخيراً : ألم يحن الأوان لإعلان وقوفكم في خندق شعبكم؟، وعلى الأقل خروجكم من هذا المستنقع الموبوء، وتطهير أنفسكم من الأدران التي لحقت بكم : بوعيكم، أو من حيث النتيجة ؟؟..