قلبي كصحراء السماوة صبره

يحيى السَّماوي
( إلى أخي الشاعر والناقد المبدع عبد الستار نور علي : صدىً لقصيدته الموسومة
" يا أيها الفرد المحلق في المدى " .. ومطلعها :
" مِنْ فيضِ شعركَ يرتوي السُمّارُ
فصداكَ خمْرٌ ، نبضُكَ الإسكارُ )
أشمَسْتَ كهفا ً غابَتِ الأقمارُ
جيلين ِ عنهُ وعافهُ السُّمّارُ
كانت مُهَشَّمة َ الكؤوس ِ موائدي
وذبيحَة ً في عوديَ الأوتارُ
واليومَ مائدتي على سَعَة ِ المدى
أمّا الطِلى فالطِيبُ والأشعارُ
يا مُعْشِبا ً صخرَ الهموم ِ بوِدِّه ِ
أمسى يُضاحِكُ لحنيَ القيثارُ
ثَمِلٌ .. يُدَثّرني هديلُ فواخِت ٍ..
فالنهرُ بيتي .. والحدائق ُ جارُ !
سَتَرَتْ مودَّتُكَ الدموعَ بمقلتي
إنَّ المودَّةَ ثوبُها " ستّارُ "
قلبي كصحراء ِ السماوة ِ صَبْرُهُ:
يشدو ولو أنَّ الجراحَ كثارُ
روحي مُعَطَّلة ُ الهناءة ِ.. ماالذي
يُغري وأمطارُ الدماء ِ غِزارُ ؟
أعراسُنا في الرافدين ِ شحيحَةٌ
أمّا المآتِمُ والأسى فمدارُ
حصصاً غدَونا قد نُباعُ ونُشترى (1)
سِرّا ً.. ويرهَنُ دارَنا سمسارُ
الساسةُ التجّارُ آفة ُ عصرنا
شرُّ البلاء ِ الساسةُ التُجّارُ
السارقونَ من الطفولة ِ قوتَها
والساجدون وربُّهم " دولارُ "
ياصاحبي والقائمون بأمرنا
تشكوهمو قبل الأنام ِ الدارُ
فُجِعَتْ بهم بغدادُ باعةُ عِرضِنا (2)
الخزيُ يخجَلُ منهمو .. والعارُ
أبطولة ٌ خنقُ الحَمام ِ؟ وهل تقىً
ذبْحٌ ؟ وباب ٌ للجِنان ِ دمارُ ؟
فتراهُ في حرب ِ المنابرِفارسا ً
لكنه عندَ الوقيعة ِ " فارُ "
* * *
جيلٌ .. ورابعُ .. والحقولُ قِفارُ
أمريضة ٌ في أرضِنا الأنهارُ ؟
نُسْقي ولا حَصدٌ سوى أوهامِنا
فالماءُ دمعٌ .. والجراحُ جِرارُ
الجوعُ جاع َفليس يعرفُ صحْنَنا
غيرُ الفتاتِ .. وأُتْخِمَ الأشرارُ
شعبٌ تُدَثِّرُهُ الهمومُ .. وزمرة ٌ
تحتارُ في نعمائِها الأفكارُ
يمشي العناءُعلى الوجوهِ وترتعي
شوكَ الهموم ِ كهولة ٌ وصغارُ
يا صاحبي وأذلُّ عيش ٍ أنْ أرى
وحشا ًلهُ في" الرافدين" قرارُ (3)
ولقد يُسمّى " شاكرا ً " وفعالهُ
خبث ُ اللئيم ِ ونسكهُ استهتارُ (4)
ياصاحبي والدهرُ بحرٌ مدُّهُ
كرٌّ .. وأمّا جزرُهُ : إدبارُ
يا صاحبي ولربّما كان الهوى
حَتفا ً كما لو أنه ُ الأقدارُ
أحببتُ من بين الحِسان ِنديمة ً
تخضرُّ حين مرورِها الأحجارُ
صافحتها يوما ً فغارتْ من يدي
شفتي فبينَ يدي وثغريَ ثارُ !
ولثمتها يوما ً فَخِلتُ رضابَها
طِبّا ً به ِلذوي الهموم ِ عُقارُ( 5)
سِتّا ً بفردوس ِ المَسرّة ِ هانِئا ً
أمضيْتُ من أعنابِها أمْتارُ (6)
التوتُ في الشفتين ِ ينضحُ شهدُهُ
والتينُ في الخدّين ِ والجُمّارُ (7)
تُدني قطوفَ غصونِها فموائدي
فيها من الأنعام ِ ما أختارُ
تُغوي بضحكتِها الربيعَ فينتشي
وتفوحُ قبل أوانِها الأزهارُ
إنْ عانقتْني فالصخورُ سَفَرْجَلٌ (8)
أو خاصَمَتْني فالندى مِسمارُ
طفلين ِ كُنّا .. نستحي من يومِنا
إنْ كان كأسُ اللثم ِ ليس يُدارُ
الليلُ حارسُنا الأمينُ .. ظلامُهُ
عن كلِّ عَين ٍ: خيمةٌ وإزارُ
لولا صياحُ الدِّيكِ ما عرَفَ الفتى
إنْ آبَ ليل ٌ.. أو أطلَّ نهارُ
أيامُ لا أحلى ! نصومُ صَباحَها
نوما ًليبدأ في الضحى الإفطارُ
أغفو لأحضنَ بالجفون ِ طيوفَها
وإذا صحوتُ فللعِناق ِ حوارُ
صدري وسادتها وحضني ثوبُها
ويدي وشاحٌ.. والجفونُ خِمارُ
لا نعرفُ الليلَ النؤومَ من الضحى
إلآ بما تُفضي به ِ الأطيارُ
ثغرٌ على ثغر ٍ .. كلانا مِعْضَدٌ
والساعدان ِ : قِلادة ٌ وسِوارُ
حتى إذا إذا بلغَ الفؤادُ من الهوى
ماليسَ منه سوى الهلاكِ فِرارُ
كفرَتْ بآية ِ أصْغريَّ وصدَّقَتْ
ظنّا ً فعزَّ على المشوق ِ مَزارُ !
يا صاحبي وسوى الحبيبة ِ موطِنٌ
ماكان ليْ عن رافِدَيْه ِ خيارُ
فأنا إذا يبكي الفراتُ : نطيحة ٌ ..
وأنا إذا ضحكَ الفراتُ : هزارُ
وسواهُما " نذلٌ " وليس كمثله ِ
في الجاحِدينَ مُهَتَّكٌ غدّارٌ
زمنٌ قميءٌ .. تستحي منّا به ِ
أسْماعُنا لو تُسْمَعُ الأخبارُ !
تبْنا من العيشِ الرغيدِ .. طِماحُنا
أمْنٌ ... فلا لصٌّ ... ولا جَزّارُ
![]()
(1(1) إشارة إلى مانشرته وسائل إعلام غربية وعراقية عن بعض الساسة العراقيين الذين رشوا السفير الأمريكي السابق بنحو مئة مليون دولار في مقابل تمريره صفقات نفطية مشبوهة (الصفقات النظيفة لاتحتاج رشى )
(2) إشارة إلى اعتراف مؤسسة بلاك ووتر سيئة الصيت بتقديمها مبلغ مليون دولار إلى بعض الساسة العراقيين في مقابل السكوت عن جريمة مرتزقتها بقتل سبعة عشر مواطنا عراقيا ( وثمة تقارير أخرى تحدثت عن رشى أخرى للسكوت عن جرائم سجن أبو غريب )
(3) إشارة إلى المحتل الأمريكي .
(4) إشارة إلى دعيّ نسك غدر بما استودعته ..
(5) العُقار : الخمرة .. وتأتي بمعنى متاع البيت والجيد من الكلأ ، كما تأتي بمعنى الدواء .(6) أمتار : أتزوّد .
(7) الجمار : شحم النخلة يكون شديد البياض والملاسة عادة .
(8) السفرجل : نبات من فصيلة الورديات .. زهوره ذكية الرائحة .