إنكار

د. محمد عبد المطلب جاد

[email protected]

أستاذ سيكولوجيا الإبداع

جامعة طنطا-جمهورية مصر العربية

لا الخَطُّ خَطِّى ولا الأفكارُ أفْكَارِي

لا الحَرْفُ حَرْفِي ولا الأقوالُ أقوالي

لا السَّطْرُ سطري ولا الإنْشَادُ قافيتي

 ولا الذي تنشدون الآنَ  مَوَّالِى

أنا دمى مُتْرَعٌ مِنْ طَفْحِ مَظْلَمَتِي

فكيف كانَ مِدَادِي مِنْ دَمِى خالي

أنا ألمُلَمْلِمُ أنَّاتٍ أُعَالِجُهَا

فكيف يُصْبِحُ قولي غيرَ أفعالي

أنا بِجَوْفِي قُرُوْحُ الناسِ قاطِبَةً

فكيف يَخْرُجُ قولي هانئَ البال

أنا أُغَنِّى نُوَاحَ الجُوْعِ فى صَمْتِي

فكيف يبدو غنائي فى ذوى المال

أنا يَقُضُّ منامي ساكنو قَبْرٍ

فكيف يَنْشِدُ شِعْرِي قَصْرَكَ العالي

أنا استباحَ تُرابُ الأرضِ عافيتي

وما زرعتُ سوى قَمْحٍ لأطفالي

فكيف يأتي بِشِعْرِي وصْفُ مُغْتَصِبٍ

وتاجرٍ فى دماءِ الناسٍ مُحْتَالِ

أنا تَضَوَّعْتُ مِنْ عَرَقٍ ومِنْ كَدْحٍ

لِتُنْبِتَ الأرضُ سُنْبُلَةً لِغُرْبَالِي

فكيف أكتب عَنْ مَنْ باعَ سُنْبُلَتِي

وأسْلَمَ الناسَ للمُسْتَوْرَدِ البالي

أنا رِفَاقِي وأتْرَابِي وضاحيتي

مِنْ عاشقي الطِّيْنِ فلاحٍ ومّثَّالِ

فكيف يبدو جُفَاةُ الطينِ في شِعْرِي    

من فاسقينَ وأذنابٍ وأنذالِ

أنا شَرَابِي حليبُ الشَّاةِ مِنْ صِغَرِى

وسامري قَصَصٌ مِنْ عِطْرِ إِجْلالِ

فكيف أبدو على أعتابِ حَانَتِكُمْ

بِسَامِرِ اللهْوِ مَغْمُوسَاً بِأَوْحَالِي

أنا دماءُ الفِدَا تجرى بأوردتى

وعِشْقُ هذا الثَّرَى فيها كَشَلالِ

فكيف شِعْرِي يُصَوِّرُنِي طُفَيْلِيَّاً

أبيعُ أرضى وأعْرِضُهَا كَدَلّالِ

أنا برغمِ الحَفَا والعُرْىِ فى صِغَرِى

وَرِثْتُ نَفْسَ أَبِّىٍّ رغم إقلالِي

قدََّمْتُ رُوحِى لأوطانى طَوَاعِيَةً

رغم المُعَانَاةِ مِنْ قَيْدٍ وأغْلالِ

فكيف يَنْضَحُ شِعْرِى بأنانيةِ

وأننى لا أعيشُ لغيرِ آمالى

عقيدتى تنتمى لمؤسِّسِى وطنى

ولم يَزَلْ فى زمانِ الصِّدقِ تِرْحَالِى

فكيف أبدو انتهازيَّاً بأشعارى

أحيا ليومى ولا أبنى لأجيالى

أعيشُ بالدَّيْنِ آكلُ مِنْ رصيدِ غَدِى

وأنقلُ الدَّيْنَ مِنْ أَجَلٍ لآجالِ    

وأُوْرِثُ النَّشْءَ بَعْدِى كُلَّ مَغْرَمَةٍ

وأتْرُكُ الطِّفْلَ مَكْتُوفَاً بأثقالِ

يشكو حفيدى الضَّنَا مِنْ فَرْطِ عَرْبَدَتِى

 ويَسْتَفِيْقُ على    غُرْمٍ وإذْلالِ

خَصُّوهُ بالصَّبْرِ واخْتَصُّوا بِنِعْمَتِها

يحيا لحَمْلِ نوائِبِهَا كَعَتَّالِ

 يُجَالِسُ العُمْرَ مِنْ ظِلِّ إلى ظِلٍّ

بغيرِ كَدٍّ قَضَى عُمْرَاً بِأَقْوَالِ

أنا بِشِعْرِى وَصَفْتُ بَدِيْعَ صَنْعَتِهَا

 فأصْبَحَتْ يَعْتَرِيهَا  كُلُّ إخْلالِ

ومنذُ أصْبَحَتْ الأوغادُ سَادَتَهَا  

فى كُلِّ  يومٍ تُقَلِّبُنِي على حَالِ

وكلما فَاتَنَا مُسْتَنْقَعٌ وَخِمٌ

جاءوا بقومى على المستنقعِ التالي

أنا عشقتُ الثرى ونَظَمْتُهُ شِعْرَاً

وَ ِسْحُت فيها وما أنْهَيْتُ تِرْحَالِى

فكيف أبدو بشعرى تافهاً دَنِسَاً

أَعِيْثُ فيها بإعْلَالٍ وإِبْدَالِ

**

ماذا جرى كَمْ قَسَوْتُ اليومَ يا وطنى

ما لِى أرى قلبَكَ المِعْطَاءَ لِي سَالِي

أهملتنى ،أَلأنِّى لَسْتُ فى سِعَةٍ

لا المُلْكُ عَمِّى ولا الأسْيَادُ أخوالي؟

مَنْ كان يا موطنى يشقى طواعية

يأتيكَ مِنْ أَنْعُمِ الدنيا بأرْطَالِ؟

ولَّيْتَ وجْهَكَ عَنَّا ما أنا وحْدِى 

كَمْ مِنْ ضحايا   بذاتِ الهَمِّ أمثالى؟

أفنيت عمرى أَجِدُّ السَّعْىَ مُحْتَرِقَاً

 فى حُضْنِ أرضى غُدُوَّاً أو بِآصَالِ

 تُعَانِقُ الأرضُ فأسى وهْىَ عاشِقَةٌ

ما كان لى غيرُ جِلْبَابٍ  وسروال

إِنْ كُنْتُ فيها تُرَوِّى الأرضَ عاطفتى

وإنْ أغِبْ كانتْ الأشواقُ مِرْسَالِى

ما كان لى غيرُها أشدو مَحَبَّتَهُ

 يَجُوْلُ فى قصةِ الأجدادِ موالى

كانتْ حياتى وعشقى وصِبَا عُمْرِى  

وكان فى رَبْعِهَا عَدْوِى وتِجْوَالِى

جاروا على قَلْبِهَا واسْتَأْصَلُوا حُبِّى

وبَدَّلُوا  العَصْرَ مِنْ حالٍ إلى حَالِ

لا البيتُ بيتى ولا الأشياءُ مِنْ صُنْعِى

لا العُرْفُ عُرْفِى ولا نَسَجُوا بِمِنْوَالِى

لا الزِّىٌّ زِيِّىْ ولا الأخلاقُ تَعْرِفُنِى

لا السَّمْتُ سَمْتِى ولا الأشْبَالُ أشْبَالِى

لا الناسُ مِثْلِى ولا الأنْغَامُ مِنْ لُغَتِى

لا العَهْدُ عَهْدِى ولا الأحْوَالُ مِنْ حَالِى