رحم الله الشيخ الغزالي

رحم الله الشيخ الغزالي حين قال

قد لاحَظْتُ أن الثقافة الإسلامية حَدَث فيها شيءٌ من العِوَج، وإذا نَظَرْتُ في فقه المعاملات والعبادات أقول : أنا لا أعرف أمة أطالت الوقت في الفروع الفقهية كأمتنا !

الوضوء، مثلاً، يمكن أن يُتعلم في دقيقتين،

فما الذي يجعل فيه مئات الصفحات والكتب، بل المجلدات، وتختلف المذاهب فيه كلَّ هذا الاختلاف ؟! هذا شيء عَجَب !

حتى إني أسميتُ الوضوءَ [في بعض كتبي] : "علمَ تشريحِ الوضوء" !

ولا شكَّ أن هذه المساحات التي أخذها البحثُ في هذه الفروع الصغيرة : كانت على حساب القضايا الكبيرة !

لقد كان تعاملنا مع القرآن تعاملاً رديئاً.

لقد كان مِن الأفضلِ، بَدَلَ أنْ يُدْرَسَ الوضوءُ خلال ثلاثة شهور مثلاً (!)، أنْ يُدْرَسَ :

- لماذا هلكت عاد ؟ ولماذا هلكت ثمود ؟ وهل المجتمع الآن يشبه مجتمع عاد وثمود أم لا ؟

- وما الفساد الذي حدث في بني إسرائيل ؟ وكيف تحولت الحقيقة إلى شكل ؟ وكيف تحول الدين إلى انتماء عنصري بدل أن يكون انتماءً إلهياً وزكاةً نفسية ؟

كل هذا كان ممكناً من خلال دراسة القصص القرآني،

لكننا أهملناه إهمالاً تاماً، وابتعدنا عنه،

كما ابتعدنا عن دراسة آيات النظر إلى الكون،

فتبدلت العقول !

"التفكير الفقهي" [أيْ نَمَط تفكير الفقهاء ومقاربتهم للأمور] :

- حَبَسَنَا في آفاق القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلادي، حَبَسنا في كيفيات الوضوء، وفي تفاصيل صغيرة تتعلق بالمساجد، وفي بعض أسواقٍ تَبِيعُ الأنعام، وفي بعض صور البيع الساذجة، وفي أسواق النخاسة !

- حيث إن ما عدا ذلك من آفاق تحدث الإسلام فيها : لم تأخذ الاهتمام المطلوبَ

- وأصبح القرآنُ وكأنه كلامٌ من المريخ، لا تعرف الأمة معناه ولا مَغْزاه ولا تمشي في هُداه؛ لأن الأمرَ الذي تمشي في هُداه تماماً هو متون بعض المذاهب الفقهية !

وهذا أيضاً شيءٌ عَجَبٌ !

إن الأمة الإسلامية، للعَجَب، تَرَكت الكتابَ للسنة، ثم تركت السنة لأقوال الأئمة، ثم تركت أقوال الأئمة لمؤلفي المتون !

حتى معاهد الدراسات الدينية : نتعلم لنقرأ، ولا نقرأ لنتعلم !

ولذلك، جُهْدُ المجددين الآنَ مُضاعَفٌ، ومواقفهم يجب أن تتسم بالحماس والقوة والعقل معاً :

- لأننا أمامَ "حُجُبٍ غليظةٍ" على بصائر الناس

وسوم: العدد 843