العلويون يدفعون ثمنا باهظا مقابل الولاء لبشار الٍأسد

في الحرب الدائرة في سوريا,

العلويون يدفعون ثمنا باهظا

مقابل الولاء لبشار الٍأسد

روث شيرلوك

دايلي تيلغراف

7\4\2015

في قلب معقل نظام الأسد القوي, يرسل الضباط المقتولون في سيارات الإسعاف, في حين تعود جثث الجنود العاديين في شاحنات صغيرة عادية.

ثم تأتي الأخبار بأن قوات النظام تداهم البيوت لإيجاد بدلاء بالقوة للانضمام إلى صفوف الجيش السوري الذي يشهد نقصا كبيرا.

يتشارك العلويون مع الرئيس الأسد بالطائفة, وكانوا لفترة طويلة يشكلون عصب وجود النظام السوري. ينظر المتمردون إلى هذه الطائفة بأنها لا زالت موالية إلى أبعد الحدود.

ولكن داخل هذا المجتمع, تبدو الصورة مختلفة تماما: مع مقتل أبنائهم بالجملة في خطوط المواجهة, وتوقف المزايا الاقتصادية – المساعدات والدعم- يشعر العلويون بصورة متزايدة بأنهم مجرد أدوات وليسوا مستفيدين من النظام.

في سلسلة من المقابلات الحصرية, أخبر مجموعة من العلويين في محافظة اللاذقية الساحلية, معقل الطائفة الدايلي تلغراف, كيف أنهم واقعون الآن ما بين الجهاديين الذين يعتبرونهم مرتدين, والنظام الفاسد الذي أخبرهم من قبل بأن الحرب سوف تكون في متناول أيديهم بسهولة.

يقول عمار, وهو رجل أعمال في اللاذقية :" المعظم ليس لديهم رواتب, والبعض ليس لديهم طعام حتى. سألتي صديفي: ما الذي سوف نفعله؟ النظام يريد أن يأخذنا كجنود. سوف نموت. وليس لدينا مال أيضا لنخرج من هنا".

حجم الخسائر في صفوف الطائفة مذهل: يبلغ عدد العلويين حوالي 2 مليون نسمة, أي 10% من عدد سكان سوريا. ربما تباهي العلويون يوما أن هناك 250000 رجل منهم في سن القتال. اليوم حوالي ثلثهم قتل, وفقا لما يقوله السكان المحليون ودبلوماسيون أجانب.

العديد من القرى العلوية التي تقع في الجبال في محافظة اللاذقية أصبحت خاوية من الشباب. والنساء يرتدين لباس الحداد الأسود فقط.

يقول عمار, الذي تحدث للتلغراف باسم مستعار لحماية نفسه وأسرته :" في كل يوم هناك على الأقل 30 رجلا يعودون من جبهات القتال في توابيت".

"في بداية الحرب كان يحتفل بالقتلى في جنازات مهيبة. ولكن الآن يلقون في الجزء الخلفي من الشاحنات".

الحكومة السورية لا تنشر أرقاما رسمية حول قتلاها في الحرب. والتلفاز الرسمي السوري غالبا ما يتجنب ذكر الأخبار حول الجنود القتلى من العلويين, وعوضا عن ذلك فإنه يتلاعب في عدد القتلى من رفاقهم السنة, في محاولة منه للحصول على دعم السنة.

    كشف تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في نهاية العام الماضي بأن الجماعات المقاتلة الموالية للحكومة عانت من أكبر نسبة من الإصابات, مع ما يزيد على 22000 قتيل من الجنود والميليشيات لقوا حتفهم في عام 2014 فقط.

العدد الأكبر من هؤلاء هم من العلويين. يقول أحد السكان العلويين, وهو جندي سابق طلب عدم ذكر اسمه :" في القتال مع الجماعات السنية المسلحة, فإن الحكومة لا تثق بأن لا ينشق جنودها السنة. وهكذا فإن العلويين يرسلون إلى الصفوف الأمامية".

الخسائر في الأوراح تتسبب حاليا في تمرد هادئ في صفوف الطائفة؛ مع استيائهم من المعارضة المسلحة التي تزداد تطرفا, فإن الكثيرين يشعرون بأنه ليس لديهم خيار سوى الوقوف إلى جانب النظام. ولكنه تحالف تشوبه الكراهية.

تقول امرأة من مدينة اللاذقية, طلبت عدم ذكر اسمها أيضا :" الأمهات يهتمون لأمر أبنائهم أكثر من اهتمامهم ببشار, وبدأوا يحاولون إخفاءهم".

مع دفعهم إلى حافة الهاوية, ووجود غريزة البقاء, يعيد السكان تذكر حالات قامت فيها النساء بوضع حواجز طرق في مداخل بعض القرى الجبلية من أجل منع الجيش من الوصول بسهولة إلى أبنائهم لسوقهم إلى الخدمة الإلزامية.

يقول عمار, مشيرا إلى قول إحدى النساء احتجاجا حيث كان يعيش :" اذهبوا وأحضروا أبناء المسئولين الكبار للحرب وبعد ذلك سوف نعطيكم أبناءنا".

كما أن المجتمع أصبح محور حركة التمرد أيضا, التي  يسيطر عليها الآن الجهاديون السنة الذين يعتبرون أن العلويين كفرة. وهم يعلنون علنا رغبتهم في "تطهير" ما يصفونه بأنه "قذارة خطيرة" من البلاد.

العلويون الذين انشقوا عن النسخة الشيعية من الإسلام في القرن التاسع, يعتقدون بأن الصلاة غير ضرورية و لا يصومون ولا يؤدون الحج. العديد من مواد ديانتهم سرية, غموض هذه الطائفة يغذي الأساطير التي تدور حولهم من قبل معارضيهم.

العلويون سكان الجبال الذين كانوا يعتبرون من الطبقات الدنيا, صعدوا إلى السلطة بعد سقوط الدولة العثمانية, عندما كان حكام سوريا من الفرنسيين بحاجة إلى جنود مستعدين للدفاع عن النظام في مواجهة الانتفاضة السنية. وقد وجدوا رغبة في التجنيد لدى العلويين, الذين كانوا يشعرون بالغبطة لمحاربة "مضطهديهم" السنة.

قوتهم المتصاعدة في الجيش قادت الجنرال حافظ الأسد, إلى السيطرة على السلطة, التي سلمت بعده إلى ابنه بشار. منذ ذلك الحين أثرى النظام أفراد الطائفة, وعين رجالها غير المناسبين في مناصب سياسية وعسكرية ومالية رفيعة.

ولكن غالبية العلويين لا زالوا فقراء لحد الآن.

يقول أحد السكان العلويين:"الأسد لم يزد رواتبنا خلال فترة حكمه. في قريتي هناك عدد قليل من الفلل التي تقع بين مئات من البيوت العادية".

مع استمرار الحرب دون وجود نهاية محتملة في الأفق, أدى انهيار الاقتصاد إلى زيادة العازة لدى الفقراء.

قطع النظام المساعدات التي كانت تدعم الكثير من العائلات. الكهرباء غير منتظمة في مدينة اللاذقية وغالبا ما تقطع في الجبال. الوقود اللازم للمواصلات والتدفئة باهظ الثمن وهناك صعوبة في وصوله.

قوة أمراء الحرب تتزايد بصورة كبيرة, كما هو حال الرجال الذين ينضمون إلى صفوفهم,والذين يرفضون أن يذهبوا إلى الجيش للقتال في المناطق التي لا يتواجد فيها العلويون.

في إقطاعياتهم, أمراء الحرب مستقلون تماما. يشعر قادة الميليشيات أنهم قادرون على رفض الأوامر الصادرة من القادة والقادمة من دمشق, وفقا لجوشوا لانديز, أستاذ التاريخ في جامعة أوكلاهوما والذي يجري اتصالات مستمرة مع عناصر من الطائفة العلوية.

العديد من عناصر عائلة الأسد, التي كانت قوية جدا فيما مضى, قتلوا في اللاذقية في ظروف غامضة, بحيث يمكن أن يفسر البعض هذا الأمر على أنه تنافس من قبل الآخرين للحصول على المال والسلطة المحلية.

يلف الغموض مقتل محمد الأسد الشهر الماضي, وهو ابن عم الرئيس بشار الأسد الثاني, والذي كان شخصا مهاب الجانب من الشبيحة ومن ميليشيا التهريب التي ظهرت من أسرة الأسد في ريف اللاذقية في الثمانينات.

مع ذلك, فإن معظمة أفراد الطائفة العلوية لا زالوا يعتقدون بان أي تحركات يمكن أن تضعف النظام يمكن أن تؤدي إلى سقوطهم في يد المعارضة وبالتالي حصول عمليات الانتقام الطائفي.

ولهذا فإنهم مستمرون في دفن رؤوسهم في الرمال, ويعانون بصمت وهم يشاهدون عودة أبنائهم في حقائب الموت.

قال محمد, سائق التكسي :" لا أحد يبتسم في اللاذقية حاليا, كل أسرة فقدت شخصا ما. ملك الموت يعمل بصورة جيدة هذه الأيام".