محمد السيد(1)

     أجراها : محمد صالح حمزة   مع     محمد السيّد

يحار المرء بأيّ صفة يُقدّمه: "الأديب" أم "السياسي".. فهو أديب قبل كلّ شيء.. ولكنّ السياسة "تلبّسته" رغماً عنه؛ وسبّبت له الكثير من المعاناة التي يحتسبها راضياً في جنب الله عزّ وجلّ.

أنِسَ إلى الأدب منذ بواكير حياته الحافلة بالهجرة التي ابتدأت من بيارات البرتقال في يافا وحيفا والأرض التي بارك حولها ربّ العزّة..

استأثرت الدّعوة إلى الله عزّ وجل بالكثير من وقته وجهده، فبذل لها العطاء، وتنقّل في صفوفها لا يضنّ برأي أو فكر أو نصيحة، وكان لقلمه في ساحة الإعلام الإسلامي حضور متميّز، يكتب السياسة بروح الأدب، فتأتي مقالاته قطعاً فنية لا تقدّم المعلومة وحسب، وإنّما الجمال الذي يقطر حلاوة.. إنّه الأديب الفلسطيني: محمد حمدان السيّد... فلنستمع إليه:

1- البطاقة الشّخصيّة

محمد بن حمدان السيّد من مواليد حيفا عام 1940م.

 درس الابتدائية والإعداديّة والثانوية في مدارس مدينة درعا، من أعمال سورية، ثمّ درس في جامعة دمشق وتخرّج فيها عام 1966 من كلية الحقوق وعمل مدرّساً في ابتدائيّات وإعداديّات مدارس وكالة الغوث الدوليّة في سورية منذ عام 1959، وحتّى عام 1978، وفي مدارس وكالة الغوث في الأردن حتّى عام  1981.

ثمّ استقال وعمل في مجال العمل الحرّ حتّى الآن.

عضو رابطة الأدب الإسلامي، وعضو رابطة الحقوقيين الفلسطينيين في دمشق سابقاً، كان له حضور في العديد من المؤتمرات والنّدوات الإسلامية والعربية.

2-هل تحدّثوننا عن أهمّ إنتاجكم المطبوع منه والمخطوط؟

لقد ملت إلى الكتابة منذ الصّغر، لكنّني كنتُ أعرض عن النّشر وأكتفي بكتابة ما يجول بخاطري وأحتفظ به لنفسي وذلك اتّباعاً لنصيحة قالها الإمام الشّهيد حسن البنا رحمه الله، وتتلخّص تلك النّصيحة بأن لا يكتب مَن يتعرّض للعمل العام، ثمّ خوفاً من الوقوع في أمر الرياء وحبّ الظّهور.

وعندما أقنعني عديد من الأساتذة الكرام من رجال دعوة الإسلام بأنّ من لا يُبيّن الفكر ويدعو إليه بالكتابة –إذا كان قادراً عليها- قد يلحقه إثم الكتمان، اتّجهت إلى الكتابة والنّشر متأخّراً.

فأنجزت من الكتب:

أ. مجموعات قصصيّة مطبوعة ومنشورة هي:

ـ شاطئ الرؤى الخضر.

ـ ثورة النّدم.

ـ خطّ اللّقاء (مشترك).

ـ المطر المرّ.

ـ وتكلّم الحجر (قيد الطّباعة).

ب. قصص كثيرة منشورة في صحف: اللواء الأردنيّة، وفلسطين المسلمة، والمسلمون اللندنيّة، والمسائيّة السعوديّة، والنّور الكويتيّة، والمجتمع الكويتية وغيرها، ولم تجمع هذه القصص في كتاب أو كتب بعد.

ج. مقالات فكرية وأدبية كثيرة منشورة في: المسلمون، فلسطين المسلمة، اللواء، البيان، المشكاة، النّور، المجتمع.. الخ.

4- الإنتاج الذي تعتزّون به أكثر من غيره.. ولماذا؟

إنّ جميع إنتاجي بالنسبة لي عزيز، لكنّني أحتفظ بنكهة تقدير خاصّة لكتاب المطر المرّ حيث صوّرت فيه كثيراً مما يجيش في الصّدر من آلام تجاه محنة ألمّت بالحركة الإسلامية يوماً ما..

5- آمال عزمتم على تحقيقها:

لقد بنيت آمالاً عديدة، منها الكتابة في الرّواية الإسلامية، ومنها نشر ما تجمّع لدي من مقالات فكريّة مسلسلة في عدد من المواضيع تتعلّق:

1- بفكر زكي نجيب محمود (كتاب مخطوط: أضواء على الفكر التضليلي).

2- بفكر د. محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه الجهاد (ردّ على الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي).

3- بما يتعلّق بالتحدّيات التي تواجه الصحوة الإسلامية المعاصرة (الصحوة وتحدّيات العصر).

4- وبما يتعلّق بالفرق الإسلامية –تاريخياً وإسقاطات على العصر (مئة سؤال وجواب عن الفرق).

وجميع هذه المخطوطات موجودة لديّ لكنّها لم تجد سبيلها إلى النّشر، وذلك بفضل التوجه المادي والتجاري لدور النّشر!!

أمّا بالنّسبة للكتابة في الرواية الإسلامية فإنّه رغم توفر الموضوع والفكرة لديّ.. فلم يسعفني الوقت كي أُنجز ذلك وأرجو الله أن يُعينني على خوض التجربة قريباً.

6- الساحة الأدبية تعجّ بأدعياء الأدب، ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع.. وماذا تقولون لهؤلاء؟

الأديب المسلم الملتزم ليس جامداً لا يُحبّ التّطوّر، أو لا يتحوّل عن القوالب الموجودة كما يُحب كثير من دعاة الحداثة والتقليد أن يصِفوا به أدباء الإسلام، لكنّني أقول: إنّ التطوير والتحديث شيء، والحداثة التي ساد مصطلحها هذه الأيام شيء آخر..

نعم إنّ التطوير والتحديث بمعنى إقامة البناء وهندسته فوق الأساس المتين مع مراعاة العصر والذوق السليم والقواعد المثلى هو الذي يدعو إليه المسلم وينزع إلى اتباعه والتقدم بالمجتمع على هديه..

أما الحداثة بمعنى: "أحرِق ميراثي، أقول: أرضي بِكر ولا قبور في شبابي" على حدّ تعبير راهب الحداثة المجنونة أدونيس فهي دعوة لا حداثة فيها إنّما هي حركة قديمة جديدة تحمل في خفاياها كل الأحقاد والألوان القاتمة للمعركة المدارة ضدّ الإسلام وعقائده وشرائعه وتراثه متلبّسة بعباءات متعدّدة الأشكال والتفصيلات.

7- أعداء الإسلام يتّهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة وبالتالي نفي الآخر.. كيف تردّون على ذلك. وما حكم الإسلام تجاه الرّأي الآخر؟

أقول تجاه هذا الاتهام ما يلي:

ـ إنّ هذه التهمة (الفرية) ليست إلاّ إحدى المحاولات الكثيرة لتطويق الإسلاميين ودفعهم بحركة ذاتيّة على طريق التنازل شيئاً فشيئاً عن ثوابتهم للوصول بهم إلى حالة التعويم "الأيديولوجي" للثوابت الإسلامية في سوق السياسة المليء بشتّى المعروضات الفكرية الأرضيّة المزجاة.

ـ إنّها عملية استدراج مغلوطة، وهي ما زالت -منذ زمن بعيد- تحاول اختراق حصون الدّفاع الإسلامية وذلك بمحاولة وضع عقيدة الإسلام في معرض واحد مع منتجات الفكر البشري الذي ثبت بالتجربة زيف الكثير منه، وعدم صلاحيّته لإنتاج إنسان متوازن.

ـ إنّ الإسلاميين لا يحتكرون الحقيقة عندما يقولون: إنّ مجتمعاتنا العربية والإسلامية ليس عندها إلاّ حقيقة واحدة هي الإسلام الذي يجب أن يدور الاجتهاد والرأي داخل ممكناته الاجتهادية في المجتمع الذي يؤمن بهذا الدّين. وبناء على ذلك فالإسلاميون يؤمنون ويعتقدون بتعدد الآراء والبرامج والمذاهب في صيغ التنفيذ والوسائل والآليات والأشكال، وهم –في حدود ما ذكرنا- أصحاب الرأي القائل: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصّواب، كما أنّهم أصحاب قاعدة: نتعاون فيما اتّفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.

ـ إلاّ أن الآخر في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية يُريد من الإسلاميين خاصّة ومن المجتمع عامة أن لا تكون عنده ثوابت ولا حقيقة يجتمع عليها الجميع وذلك لكي لا يدور الاختلاف في الرّأي داخل معترك الاجتهاد حول أفضل السّبل وأشرف الوسائل للوصول بالتقدم إلى الدّرجات العُلا ضمن حدود الثوابت والحقيقة الواحدة التي تؤطّر كلّ النشاطات الخلافيّة وهم يُريدون من هذا أن يدور الخلاف حول وحدة المجتمع وهويته وأسسه أصلاً.

ـ إنّ هذه الفرية التي تُطرح بالشّكل الذي تُطرح فيه وبالطريقة التي يدور النقاش حولها تشكّل افتئاتاً على الحقيقة، وقلباً للأمور، وخلطاً للأوراق، يقصد منه تغيير الأجواء ليتمكّن ذوو النوايا الخبيثة من المرور دون التوقّف عند الإشارات الحمراء.

8- الأمّة العربية والإسلامية تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة.. كيف تنظرون إلى ذلك.. وما هو في رأيكم الدّاء.. وما هو الدّواء؟

إنّ لكل أمّة ثابتاً تتناقش وتختلف وتتبارى من خلاله ومن خلال الاجتهادات حول أفضل السّبل والوسائل لتطبيقه. فالغرب جميعاً تتناقش شعوبه حول حقيقة واحدة هي الرّأسمالية ومستحقاتها وأفضل السّبل والوسائل لتطبيقها، وكذلك الشرق الاشتراكي يتنافس ويختلف حول الماركسيّة وأفضل الأسباب للترقي بها ونشرها.

أمّا أمّتنا العربية والإسلامية فما زال أعداؤها والضّالعون معهم من أبناء الجلدة يُريدون أن لا يكون لها ثابت ولا حقيقة يدور نقاش الجميع وخلافهم حول أنجع السّبل للتقدّم بهذه الأمّة من خلال الحقيقة الواحدة والثوابت التي تميّز هويّتها.

إنّهم يُريدون لها ضياعاً وشتاتاً يدخلانها في ظلمة حالكة، إذا أدخل الحليم فيها إصبعه لا يكاد يراها.. وهذا هو الداء الذي تتخبّط فيه أمّتنا حالياً.

أمّا الدّواء فهو الرّجوع إلى الإسلام والتّمسّك بهويته الناصعة التي سوف تُنقذ الجميع حاكمين ومحكومين من حلكة الرؤية وعتمة الطّريق وضلال المسعى وخذلان الجهد، بحيث تدور التعدّديّة حول أنجع السّبل والوسائل لتطبيق أحكامه ضمن المنظور الاجتهادي الذي يُنزّل النّص ليضبط الواقع بمنظور مناسب للعصر والظّرف.

9- ما يجول في الخاطر

أودّ لو أنّ بني قومي يسمعونني فأقول لهم:

إنّ كلّ واحد منكم مسؤول عن إقالة عثرة هذه الأمة في أي موقع كان فلا يستقلنّ واحد منا جهده في هذا السبيل وليُحاول الجميع أن يضمّوا الجهد إلى الجهد ليتوجّهوا به في تيار واحدٍ واعٍ مرنٍ متحرّكٍ مُستبصرٍ رفيق باتجاه إنقاذ الأمة ورفعها إلى المكانة التي تستحقها. قال الله تعالى عنها: [ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ]  (آل عمران:110).