أوهام واقعنا المعاصر

أوهام للأستاذ محمد قطب رحمه الله تعالى في كتاب (واقعنا المعاصر):

كتاب (واقعنا المعاصر) للأستاذ محمد قطب رحمه الله تعالى من الكتب المهمة التي صاغت عقول الشباب، وأثّرت فيها ردَحاً من الزمان، ولكن قد وقعت فيه أخطاء تاريخية، واشتهرت هذه الأخطاء على ألسنة الدعاة والخطباء حتى ظُنَّ أنها حقيقة مسلَّمة لا شك فيها، فكان لا بد من التنبيه عليها في هذه العجالة.

الخطأ الأول:

نسب الأستاذ محمد قطب هذا البيت ص 189 لحافظ إبراهيم :

انا مصري بناني من بنى      هرم الدهر الذي أعيى الفنا

في حين أن هذا البيت هو لأديب الإسلام الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، من النشيد الذي اعتُمد مدة نشيداً وطنيا لمصر في الفترة من 1923 الى 1936، بعد انتهاء الحماية البريطانية رسمياً عن مصر، وأوله:

اسلمي يا مصر إنا للفدى       ذي يدي إن مدت الدنيا يدا

وزاد محمد قطب في الطنبور نغمة، فجعل ذلك البيت علامة على (النعرة الفرعونية) التي كان يذكيها الاستعمار! 

وهذا خطأ، لأن النشيد اعتمد بعد انقضاء الحماية البريطانية كما سلف، ولأن البيت ليس فيه ما يخالف الشرع، بل هو افتخار بعظمة الأجداد، وقدرتهم على البناء، وليس اعتزازاً بدينهم الباطل، فهو مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم :

أنا النبي لا كذب       أنا ابن عبد المطلب

الخطأ الثاني:

( سأجعلها زغلولية لحما ودما)

هذا ما نسبه الأستاذ محمد قطب في (واقعنا المعاصر) ص308 إلى الزعيم سعد زغلول رحمه الله حين عاب عليه أعداؤه توظيفه اقرباءه. 

لكن هل هذا نص كلام سعد فعلا؟ 

يذكر العقاد في كتابه عن سعد ص542 نص الكلام، وهو جزء من حوار صحفي، يقول فيه سعد: أؤكد لك أن لي أقارب كثيرين، كثيرين جدا في الغربية، وفي مناطق عديدة من أقاليم القطر، وأنا آسف جد الأسف لأنهم ليسوا على معرفة ولا كفاءة، وإلا لكنت عيَّنتهم في كل مكان، لتكون لنا بهم إدارة زغلولية حقيقة واسما ودما، ثم ضحك.

انتهى

أرجو مقارنة نص الأستاذ محمد قطب مع النص الأصلي فقط!

الخطأ الثالث:

حادثة حرق الحجاب في ميدان التحرير، وأنه لذلك سمي بهذا الاسم!

هذه الأحدوثة روَّجها الأستاذ محمد قطب - رحمه الله تعالى-  في كتابه (واقعنا المعاصر) ص242، ويبدو أنه قد اخترعها بعض المناهضين لثورة 1919 المناهضة للإنجليز. 

تقول القصة: إن نسوة على رأسهن صفية زغلول تظاهرن ضد الإنجليز أمام ثكنات ميدان قصر النيل، والمسمَّى ميدان الاسماعيلية في مارس 1919،ثم قام النسوة فجاءة بخلعن حجابهن، وسكبن عليه البترول وأحرقنه! وإنه لذلك سمي الميدان ميدان التحرير! 

وأقول في تفنيد هذه الحكاية:

1-لم يذكر حادثة الإحراق هذه أي من المؤرخين المحترمين، فلم يعرج عليها عبد الرحمن الرافعي ولا عبد الوهاب النجار ولا محمد محمد حسين ولا غيرهم، مع ذكرهم لحادثة المظاهرة، ولم يشر حافظ إبراهيم إلى ذلك أيضا في قصيدته الشهيرة عن المظاهرة:

خرج الغواني يحتججن

ورحت أرقب جمعهنه

بل ذكر عبد الوهاب النجار - وهو شاهد عيان- في مذكراته (الأيام الحمراء) ص٣٤ أن النساء خرجن (في حشمة ووقار). 

2-لم تصل المظاهرة إلى ميدان الإسماعيلية أصلا، لأنها انطلقت من جوار بيت سعد زغلول مزمعة الاتجاه الى بيت سعد فشارع قصر العيني، فأوقفها الإنجليز ومنعوها من المسير بقوة السلاح ، كما في كتاب (ثورة1919) للرافعي، ومذكرات هدى شعراوي.

3-ظل الميدان يسمَّى ميدان الإسماعيلية سنين متطاولة بعد تلك الحقبة حتى بداية الخمسينيات، ولم يطلق عليه لقب (ميدان التحرير) إلا بعد ثورة يوليو.

وسوم: العدد 809