التطبيع لن ينهي الصراع ويظل الفلسطيني الرقم الصعب في المعادلة

ali902.jpg 

طبعوا كما شئتم، وبيعوا أنفسكم للشيطان كما يحلو لكم، ودوسوا على كراماتكم.. واعقدوا الصفقات التجارية والمالية، وبعثروا مليارت الدولارات من ثروات شعوبكم للترويج لـ»التصالح» مع دولة الاحتلال، كي تحصدوا الجوائز الصهيونية على خدماتكم غير الجليلة.

واسكروا بنبيذ مستوطنات الجولان المحتل، واشربوا نخب دماء الاطفال والشباب الفلسطيني على الحواجز، التي ستعملون على تمويلها، واهدروا مزيدا من مئات مليارات الدولارات في شراء الطائرات الأمريكية الحربية الأحدث كما يزعمون، وخزنوها في ترساناتكم، إلى أن يعتليها الصدأ، أو تجدون ضحية عربية جديدة كالشعب اليمني لتجريبها فيه وفي أطفاله. وأقول عربية لانكم أعجز من أن تتجرؤا على مجرد التفكير بتوجيه هذه الأسلحة نحو «اعداء الأمة» المزعومين، وإيران على وجه الخصوص، أو أي دولة تزعمون أنها معادية مثل تركيا، التي تغرق أسواقكم ببضائعها التي ستستبدلونها قريبا، كما ينادي ضاحي الخلفان بالبضائع الإسرائيلية «الأجود» المصنوعة في مستوطنات الضفة المحتلة. وتأكدوا أن أسيادكم في تل أبيب وواشنطن سيبيعونكم قريبا بأبخس الاثمان، وسيلقون بكم عند اول منعطف، ألم يتجاهلكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وبقية دول 1+5 ولم يأخذوا مخاوفكم في الحسبان، عند توقيع الاتفاق النووي الإيراني.

نتنياهو هذا الذي تعتمدون عليه في أمنكم، وتكتبون له الأشعار، تخلى عن سيده ترامب في أول محنة، وحتى قبل أن تظهر نتائج الانتخابات، وتشعر إدارة ترامب التي قدمت لإسرائيل ونتنياهو شخصيا ما لم تقدمه أي إدارة أمريكية أخرى، بأن نتنياهو خانها ولم يدعم الرئيس علنًا كما كانوا يتوقعون. المشكلة انكم لا تتعلمون ولا تعرفون من التاريخ شيئا، لانكم لا تقرأونه جيدا، وحتى عندما تراهنون فإنكم تراهنون دوما على الحصان الخاسر، كما فعلتم مع ترامب، الذي انفقتم ملايين الدولارات، كي تجيروا أصوات المسلمين لصالحه، وفي النهاية هزم وخسرتم، لانكم دوما الخاسرون، وإن شبّه لكم غير ذلك. اغضبوا إلا أن غضبكم هذا لن يغير من واقع الحال شيئا، وهو أن الشعب الذي تتكالبون ضده وتتآمرون عليه سيبقى الرقم الصعب في الشرق الاوسط، بعد أكثر من قرن من المحاولات لمحوه من على الخريطة السياسية وحتى الجغرافية.

لن يستطيع لا محمد بن زايد ولا ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة الذي خاف أن يفوته قطار التطبيع، فاتصل بالبيت الأبيض، بينما كان الثلاثي ترامب ونتنياهو وبن زايد يعلنون اتفاق نظام أبوظبي مع الاحتلال في أغسطس/آب الماضي، ليذكرهم بأنه معهم على الطريق نفسه، والكلام جاء على لسان آفي بيركوفيتش، الذي حل محل جيسون غرينبلات كمبعوث للرئيس ترامب في الشرق الأوسط، لن يستطيعا فعل شيء امام هذا الواقع. وحتى محمد بن سلمان الذي يعد العدة للسير على خطى التطبيع في انتظار رحيل والده، الذي يعارض الخروج عن الموقف السعودي المبدأي، في ما يخص القضية الفلسطينية، عاجز عن إخفاء هذه الحقيقة، فالشمس لا يمكن حجبها بغربال. ويذكر أن محمد بن سلمان وحمد بن عيسى ومحمد بن راشد آل مكتوم يكرمون بجوائز صهيونية على الأموال التي أنفقوها، والجهود التي بذلوها ويبذلونها في دفع مزيد من الحلفاء نحو التطبيع.

وقد أعلن رئيس «مركز تراث أصدقاء صهيون» مايك أيفانس المسيحي الصهيوني عن اسماء عشر شخصيات فازت بجائزة أصدقاء صهيون من بينها العرب سالفو الذكر، وبالمناسبة فإن هذا المركز تأسس لتشويه حركة المقاطعة «BDS» ومحاربتها.

الشعب الذي يتآمرون عليه سيبقى الرقم الصعب في الشرق الأوسط، بعد أكثر من قرن من المحاولات لمحوه من على الخريطة السياسية والجغرافية

وجاد أيفانس في وصف مزايا محمد بن سلمان بالقول، إنه ليس هناك قائد في العالم الإسلامي أكثر تأثيرا في القرارات التي تتخذ لدفع العالم الإسلامي نحو دعم إسرائيل أكثر منه. لكن الغريب في الأمر أن الجائزة لم تمنح لمحمد بن زايد، فهل يمكن القول إنه قد يكون الشخص الذي يرعى هذه الجائزة ويتكفل بنفقاتها، الله اعلم. ومجددا إفعلوا كل ذلك وحيكوا مزيدا من المؤامرات وواصلوا التطبيع، وهذا لن يزعزع صمود شعب فلسطين، ولا جذوره الممتدة في عمق الأرض، أقول قولي هذا واستشهد بما يعرفه ويقوله على استحياء الإسرائيليون الذين تصدقون كلامهم، أن هذا الشعب سيظل الرقم الصعب. ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط في معهد السياسة الدولية الدكتور ألون بن مئير «يجب على الإسرائيليين التذكر أنه بغض النظر عن عدد الدول العربية التي تقوم بالتطبيع، فإن الصراع مع الفلسطينيين لن يختفي، ويجب معالجته إذا كانت إسرائيل تريد ضمان استقرارها وأمنها على المدى الطويل. مشددا على أن التطبيع وحده ليس مسارا للسلام مع الشعب الفلسطيني، وأن الصراع معه لن يختفي وتجب معالجته. ويستخلص أن «أي شخص يعيش تحت وطأة الوهم بأن الصراع سينتهي نتيجة لتطبيع العلاقات مع عدد متزايد من الدول العربية، لا يمكنه أن يجادل ضد المنطق القائل بوجوب اتخاذ الإجراءات المذكورة أعلاه مع الفلسطينيين، تحت أي ظرف من الظروف». واختتم بالقول حان الوقت لإسرائيل التي تتمتع الآن بالسيطرة والقدرة، أن تفكر في ما سيخفيه المستقبل في غياب سلام إسرائيلي ـ فلسطيني.

أما الباحث والمسؤول الأمني الإسرائيلي السابق بروفيسور ملاطي شطاينبيرغ، فيحذر من استمرار تهرب إسرائيل من تسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني. ويقول «إنها تتقدم نحو دولة ثنائية القومية تكون لاحقا دولة عربية».

واختتم بخبر سار يخرج من رحم الانتخابات الأمريكية، وهو فوز فلسطينية بمقعد ممثلة عن الحزب الديمقراطي في المجلس التشريعي لولاية كولورادو. ونأمل ان تكون هذه خطوة للحاق إيمان جودة بالنائبة الفلسطينية رشيدة طليب، التي جددت فوزها في ولاية ثانية عن ولاية ميشيغان. كما فعلت ذلك بقية اعضاء «عصابة الأربع» التي تضم إضافة لطليب، إلهان عمر ذات الاصول الصومالية التي جددت عضويتها عن ولاية مينسوتا، وألكسندريا أوكاسيو- كورتيز ذات الجذور البورتوريكية التي فازت مجددا بمقعدها عن ولاية نيويورك، وأيانا بريسلي من ماساتشوستس ذات الجذور الافريقية.

وجاء رد إيمان جودة الأول لدى سماعها بالفوز، على موقع (تويتر): «أنا فخورة كمسلمة، وفلسطينية أمريكية، وأتمنى أن أكون قادرة على تمثيل المواطنين في الهيئة التشريعية لولاية كولورادو الآن، لنبدأ العمل». وجودة هي أستاذة جامعية نشأت في ولاية كولورادو لأبوين فلسطينيين هاجرا إلى أمريكا عام 1974، وتقول «عندما أتحدث عن الحلم الأمريكي، فإنها ليست عبارة سياسية مبتذلة أو مكررة، بل إنها قصة عائلتي، ومهمتي التأكد من أن كل شخص لديه فرصة عادلة لتحقيق الحلم الأمريكي».

وأعربت عن فخرها لنضال والديها اللذين بدءا من الصفر، وعملا على تأسيس مشاريع صغيرة وتطويرها مع رعاية أبنائهما الأربعة. وعن علاقتها بفلسطين قالت: «أراد والدانا أن نحافظ على روابطنا بتراثنا وتاريخنا وثقافتنا ولغتنا، وقمنا بزيارة فلسطين في فصول الصيف». وأضافت: «عرّضتني زيارة موطن والديّ للحرب والعنف والقمع في سن مبكرة جدا، وهو ما كان متناقضا مع الأمان والسلام والحرية التي أعرفها هنا في مدينة أورورا».

ويكمن التفاؤل بفوز جودة ومن قبلها «عصابة الأربع» في أنها تعكس التحول الكبير الذي تشهده نسبة كبيرة من الأجيال الشابة في أمريكا حتى في أوساط اليهود. وهؤلاء ما عادوا يتأثرون أو يكترثون بالدعاية الصهيونية البالية ولم تعد تخيفهم تهم معاداة السامية. وهذا ما يرعب الاستراتيجيين في إسرائيل أن هؤلاء الشباب هم قيادات المستقبل غير البعيد، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا. وينشطون في وضع الإستراتيجيات ويخصصون ملايين الدولارات لمواجهة هذا المد الجارف. ويعود الفضل في ذلك إلى حركة «BDS» التي اصبحت في الولايات المتحدة، كما في أوروبا تشكل مصدر قلق لإسرائيل وللقائمين على ماكنتها الدعائية، على الرغم من محاولات اخراجها عن القانون.

وسوم: العدد 902