قول في العلمانية

أعزائي القراء..

مع قيام ثورات الربيع العربي كثر النقاش حول شكل الحكم في المستقبل والذي يجب ان تسلكه الدول العربية لتتخلص من ازمات الأنظمة القاتلة والمرعبة ، هذه الانظمة التي  يتحكم بها حكام غايتهم البقاء على كرسي الحكم حتى الممات ليورثوا هذا الكرسي من بعدهم لأولادهم وأحفادهم غير مهتمين بمستقبل امتنا  ،فهم  حكام  مزاجيون يحكمون بالعلمانية( بفتح العين)  ولكن لايوفرون استخدام الدين حسب هواهم  عندما ينفعهم ذلك ، فيصبح هذه الحكم خلطة لايجمعها عوامل مشتركة  . فلا فهم هؤلاء الحكام العلمانية  ونتائجها ولا هم فهموا الدين  الحقيقي وتطبيقاته فاصبح مصير هذه الدول كمصير قمر صناعي فقد السيطرة عليه فضاع في الفضاء بلا اتجاه ولاهدف.

هذا هو مصير الامة العربية  اليوم والتي تحتاج لانقاذ .

والثورة السورية الكبرى تعتبر حجر الزاوية بتغيير هذا الواقع المؤلم.

اعزائي القراء ..

تعالوا نتعرف اولاً على الاثار السلبية للعلمانية الغربية ،فهذه المجتمعات التي تربت على العلمانية وحرية الاعتقاد والحرية المطلقة تعاني من الآثار السلبية التي أفرزتها العلمانية، فقد تراجعت نسبة المصلحين الدينيين ، واهتزت العقيدة المسيحية في نفوس أبنائها، كما لم يكونوا راضين عن الأوضاع الاجتماعية التي انتابت الفرد والأسرة، وأدت إلى تفكك الأسرة وانحلال المجتمع، واستغراقه في الحياة الإباحية الماجنة كالمثلية والانحرافات الجنسية ولا اكون مبالغاً اذا قلت انه من المحتمل ان يستلم  بعد سنوات رئاسة دولة غربية منحرف متزوج بذكر مثله ويصبح الأمر عاديا ومقبولاً ، وما تفكك العوائل الغربية الا بعض  مفرزات  هذه العلمانية .

ورغم ادعاء فرنسا من انها ام العلمانية الا انها تتراجع تدريجيا عن علمانيتها عندما ترى ذلك ضروريا فالتطبيق مزاجي ، فماذا يعني مثلاً منع نشر بعض قصائد الشاعر شارل بودلير (1821-1867م) عند اعادة طبع ديوانه (زهور الشر)  بسبب تضمينه قصائد مجافية للذوق السليم وللأخلاق العامة، فكان لابد من حذف تلك القصائد . وماذا يعني قرار  السلطات القضائية الفرنسية تغريم ثلاث مجلات لنشرها صور صديقة الرئيس الفرنسي (فرانسوا رولاند) بملابس السباحة وذلك تعويضاً عن الأذى الناجم عن انتهاك الحياة الخاصة  ولكن علمانية فرنسا تصمت  كصمت اهل القبور  فيما  يتعلق الأمر بالتهجم الوقح على مقام حضرة النبي  محمد صلى الله عليه وسلم، مرات ومرات بينما تجأر بالصوت العالي ضد مجلات لمجرد نشرها صوراً لصديقة الرئيس!! إنه التناقض العلماني في ديار الغرب، وهذا يعبر عن العلمانية الانتقائية المزاجية في تصرفاتهم ، فمرة يهاجمون الإسلام ورموزه هجوماً شرساً، لا هوادة فيه، ومرة يقدمون الإسلام نموذجاً حضارياً لحل مشكلاتهم المستعصية في حال تحبيذهم للبنوك الاسلامية كحل للخروج من ازمتهم الاقتصادية المستعصيةً،

اعزائي القراء 

لنكن صريحين فالدين المسيحي يختلف عن الدين الاسلامي ، فالمسيحية الاصيلة كما  انزلت على سيدنا عيسى عليه السلام هي ديانة روحية لاصلاح النفس واعادة صقلها ايمانياً ، ثم تم تحريفها لاحقاً لتحقق رغبات اباطرة اوروبا . اما الدين الاسلامي فهو يعالج الانسان روحيا وماديا وحياتياً فهو دين ودنيا . لذلك لا يمكن فصل الاسلام الحقيقي  من واقعنا الحياتي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، مع تقديري للاجتهادات الواعية من شخصيات اسلامية معروفة لمراعاة  تغير الظروف الحياتية  دون المساس بجوهر الاسلام . اما ما دعي بالارهاب الاسلامي  فهذا امر اصبح معروفا للجميع كونه اختراع مخابراتي غربي مدعوم من حكامنا الديكتاتوريين  لتدمير العقيدة الاسلامية ولا احد من الواعين يعيره ادنى اهتمام.

اعود الى علمانية الغرب مرة ثانية لاقول انها علمانية انتقائيه  رغم ان المسيحية  مازالت تحتل ظاهرياً جزءا من علمانيتهم ،  فأعلام  اكثر من ٥٠ دولة غربية  مازال يزينها الصليب ، كما ان اول عمل يقوم به رئيس امريكا بعد انتخابه ذهابه مع زوجته  الى الكنيسه للصلاة فيها ، واكثر من ذلك  اذكر عندما كنت حديثا في امريكا  حصلت على وثيقة تمكنني من تدريس مادة  الرياضيات بشكل مؤقت ، فعندما تكون حصتي الاولى ، كنت  اقف باحترام مع الطلاب في الفصل  فيقرأ الطلاب مقطعا قصيرا من الانجيل ويصلبون  وكنت اقف باحترام لدقيقتين لمشاركة الطلاب مشاعرهم وكنت احترم ما يفعلون .

من  هذا الاستعراض السريع لمفهوم العلمانية علينا ان نكون واعين فالعوائل الغربية  تفككت  واقترب المجتمع من حافة الانهيار ورغم ذلك نشاهد بعض الشخصيات  في مجتمعاتنا معجبة بهذه العلمانية  والتي اوصلت البعض في لبنان الى زواج الاخ من اخته باسم الحرية والعلمانية .

بقي كلمة أخيرة 

سيبقى الغرب غرباً والشرق شرقاً، وستبقى المسافة بينهما بعيدة، ثقافياً ودينياً ومعرفياً، وستبقى شقة الخلاف والاختلاف واسعة وجوهرية، وهي بحاجة إلى ما يقربها ويردم الفجوة، ولا أكاد أجد سبيلاً لذلك إلا من خلال قوله تعالى: 

{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.

فهل تصبح الكلمة السواء بلسماً يداوي جراحات النفوس، سواء أكانت في الشرق أم في الغرب؟  وهل يعي بعض اخواننا العرب مخاطر العلمانية المطلقة والمقتبسة من علمانية الغرب !

آمل ذلك..

وسوم: العدد 903