في حديث العقل: مكانته في واقعنا وليس في كتبنا !!

رسالة الدين تعليم الناس العقل..

وتعليمهم احترام العقل.

وتعليمهم النزول على حكم العقل.

وتعليمهم تفعيل قوانين العقل.

وجعل العقل نقيضا للدين، أو العكس ليس من عمل الراشدين، ومن باب أولى ليس من عمل المرشدين. وإنما خاطب الرسل من اًقوامهم الذين يعقلون.

استمعوا الى سيدنا ابراهيم يحاجج نفسه، لما رأى كوكبا فقال هذا ربي،

ثم يحاجج قومه، وهو يقول اسألوا كبيرهم..

ثم ابحثوا عن الجوهر المشترك في دعوات كل الرسل. يقول بعض الناس إن تعليم التوحيد هو جوهر كل الرسالات، نعم تعليم التوحيد، ولكن من خلال تعليم العقل . وكان العقل طريق التوحيد ، اقرأ إذا شئت : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ …)

ومات ابراهيم ابن سيدنا رسول الله، في يوم كسفت فيه الشمس، وفتح باب الزعامة عريضا لمحمد بن عبد الله، وكان قومه يعتقدون ان القمر والشمس يكسفان لموت العظماء، وقالوها..كسفت الشمس لموت ابراهيم !!وردهم معلم الناس العقل الى العقل: إن الشمس والقمر آيتان لا تكسفان لموت أحد ولا لحياته..

ونحن في عصر ما بعد الحداثة ويقولون لنا عندما تنزل المطر في يوم زينة أحدهم: السماء تشاركنا فرحتنا!!

كلمات كثيرة، فيديوهات كثيرة نتلقاها كل ساعة تعلمنا قلة العقل. وتعلمنا العجز والتواكل والاستسلام. في أكثر من موضع من القرآن الكريم يعلمنا القرآن أن الله سبحانه وتعالى يفعل بأيدينا، اقرأ إذا شئت: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) فجعل نصرتنا فعل الشرط ونصرته جوابه. وهذا ارتباط حميم، بعضنا اليوم يقرأ إحدى وأربعين مرة سورة ياسين، ويوكل النصرة بشقيها الى الله. أو يقرأ صحيح البخاري وينتظر من الله النصرة. استمع الى الفعل التبادلي يقرره القرآن الكريم، وهو يعلمنا العقل: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) المؤمنون يفعلون، والله سبحانه ينسب الفعل الحقيقي لنفسه، أنه مكننا من الفعل وقدرنا عليه!!

عندما ظن بعض الصحابة يوم طاعون عمواس أن الاستسلام لقدر الله هو الدين، واجتمع رأي أهل الشورى من الصحابة بحضرة عمر أن الدين الحقيقي أن "نفر من قدر الله إلى قدر الله" ذلك المفهوم الايماني الرائع الذي عنونه الشيخ عبد القادر الكيلاني في كتابه فتوح الغيب "منازعة الأقدار بالأقدار" والذي شرح في فصول منه مفهوم منازعة "الدعاء للقضاء"

وننظر اليوم في ثقافة المجتمع المسلم المعاصر، وإذا أردت أن تتأكد من كلامي فارصد حجم الفضائيات العربية التي تشتغل على الرقية- وأكرم بالرقية الشرعية في سياقها- وفك السحر، ورد العين وجلب المحبوب ورد المطلقة وعلاج السرطان والسكري والباه وما شئت من أمر بعد. ورزق النصابين على الهبل. كما يقولون!!

كم مرة يخرج الناس فيهوجون ويموجون لأن مرتسما لظل كلمة الله ظهر على سطح عابر بتموجات سحاب، او تشابك أغصان أو ما شئتم من أمر ..

وكان لنا شيخ حليم عاقل رحمه الله تعالى، ودخل عليه ونحن جلوس حوله واحد منا يحمل مرتسما لمقطع في حبة بندورة تراءى فيه رسم يشبه رسم كلمة الله..

وهاج الناس في الوسط الذي كنا نعيش فيه، وتبارت الصحف في نشر المرتسم، وقال الشيخ يومها إن الاهتمام بمثل هذا ليس من شأن العقلاء..

وإن دين الله ليس بحاجة لمثل هذا ليقيم الحجة على العباد.

أحب أن أميز في هذا المقام بين الفرد العاقل والمجتمع العاقل.

وأقر ان مجتمعاتنا لا تخلو بحق من عقلاء؛ ولكنهم قليل.

وإن المسوقين لفنون الجهل تحت كل العناوين كثير، ولكن الذين يفعلون ذلك باسم الدين أكثر، وجمهورهم أكبر.

وما زالت الاسرائيليات وقصص العجائب والغرائب مصدرا صالحا للتشويق وكسب الاعجاب.

والكرامات التي تنسب لبعض الشيوخ أكثر من اي المعجزات التي صحت لبعض الأنبياء. والشيخ في عصر الهاتف يمكن ان يستعيض عنه بتكة اللباس!!

وأنظر إلى حجم الثقافة التي تحيط بي والرسائل التي تغمرني فلا أجد دعوة لا إلى العقل ولا إلى التعقل.

في شريعتنا العقل مناط التكليف، ويسمى الانسان العاقل "المكلف" وغير العاقل لا..

وهذه أعجبتني من حكايات بني إسرائيل:

ودعا رجل من بني إسرائيل ربه، قال: يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري!!

سمعه سيدنا موسى فنهره واشتد عليه: فأوحى الله إليه: يا موسى إنما أجزيهم على قدر عقولهم.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 963