الإسلام و ثقافة حسن الظن

يبني الإسلام الحياة الفرد على أسس أساس مبدأ الثقة و مبدأ الوضوح ، فالحياة السعيدة أساسها الاستقرار و استمرار العلاقات ، و أساس العلاقة المسلم مع ربه أساسها حسن الظن ، المسلم ظنه بربه خيرا ، فحسن الظن يقوي الرابطة ،و يظل حسن الظن يرافقنا في كل أحوالنا ، إن أصبحنا أحسنا الظن بالله ، و إن أمسينا أحسنا الظن بالله ، و إن عارضتنا المحن أحسنا الظن بالله ، و إن أقبلت علينا المسرات أحسنا الله بالله .

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :( والذي لا إله غيرُه ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه؛ ذلك بأنَّ الخيرَ في يده ) رواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن.

قال ابن القيم رحمه الله: ( وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأنَّ حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاءً ورجاؤه بطالةً وتفريطاً فهو المغرور)

و يظل خلق حسن الظن يلازمنا و نحن نبني علاقاتنا الاجتماعية مع الناس ، فأساس العلاقات الإنسانية تبنى على حسن الظن ، تبني على هذا لأساس القوي ، تبنى على أساس الثقة المتبادلة ، تبنى على أساس التعارف العميق ، تبنى على العشرة الطيبة ، ثمرة عشرة العمر الطويلة .

و قد رأينا كيف تتهشم العلاقات ،و تنهار علاقات السنين الطويلة ، و تزول المودات العمر الطويلة ، و تضيع علاقات ما كان لها أن تحمى آثارها ، و تضيع مكتسبات ثمينة ، لسبب أن أساس تلك العلاقات هشة ، تتأثر بأول الهزات ، تعري نظاراتها أول سحابة مطلة ، تلك الهشاشة و ضعف العلاقات مرده سوء الظن .

لهذا حرص الإسلام على البناء الخلقي المتين ، فأساس الصلاح متانة الخلق ، المسلم الخلوق لا يتحدث بكل ما سمع ، و لا يصدق كل ما سمع ، فما أكثر من يمتهنون حرفة تخريب البيوت ، و تدمير العلاقات ، حياتهم الكذب و التدليس

ترى الرجل المرأة تتحدث بكل ما هب و دب ، و لو كان ذلك يدمر البيوت أو يجلب المصائب ، كأننا لم نقرأ حديث رسول الله الصحيح " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت "

ليتنا نقتدي بالجيل الأول الذي أرسى دعائم مجتمع حقيقي ، مجتمع قوامه ، سلامة العلاقات و حماية البنيان ، فكان الواحد منهم ، لا يمكنه إساءة الظن بالآخرين ، بل يرى ذلك من المحرمات التي تجلب الخزي في الدنيا و الندامة في الآخرة

في هذا المقام نستعرض قصة بلغة في قصدها قصة أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فقد قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (النور: 12): " هذا تأديب من الله للمؤمنين في قصة عائشة رضي الله عنها، حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السييء وما ذكر من شأن الإفك، فقال: {لَوْلا} بمعنى: هلا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي: ذلك الكلام، أي: الذي رُمِيَت به أم المؤمنين {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي: قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى.. وقد قيل: إنها نزلت في أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما، كما قال الإمام محمد بن إسحاق بن يسار، عن أبيه، عن بعض رجال بني النجار، أن أبا أيوب خالد بن زيد قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكُنْتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منكِ".

علينا إن نتعلم حسن الظن بالله ، فنؤدي طاعة أوامره ، و الحرص على فروضه ، و اجتناب محارمه من الخوض في أعراض الناس ، و تتبع عوراتهم ، و نبش مستورهم ، فليس من حسن الظن بالله أن نبني حياتنا الاجتماعية على سوء الظن المحرم شرعا .

كم هو جميل أن تتجمل البيوت بالتفاؤل ، فيملأ جدرانها حسن الظن بالله و التوكل عليه .

وسوم: العدد 1005