داء فرط التفكير

فرط التفكير بات مؤخرا الداء الذي  يعاني منه الجميع على اختلاف في حدته وأثره بين الناس . بسبب الضغوطات اليومية والأحداث التي لا قدرة لنا على صــدِّ هجماتها الشرسة على الإنسان أو إيقافها . وربمـــــــا يستغرب البعض من قدرة القلائل من الناس على التحكم برباطة جأشه ، وبحسن اتزان مشاعره رغـــــــم قسوة المشاهد المرعبة ، وهول الأخبار الموثقة والمرعبة التي اجتاحت وسائل الإعـــلام التي نثق بمصداقيتها ، بل وباستطاعـــــته توجــــــيه تفكيره  المفـــــرط نحــــو الجانب الآخر الإيجابي رغم سوداوية المؤشرات على أرض الواقع . 

تضحك إحداهـــــن قائلة : أمضيتُ الليلة وأنا أخبز الكعـــــــــك لأطفالي الذين ساعدوني بعجنه وخبزه ، ثم تناولناه مع الشاي ، ونسينا أمر الضغوط التي نعاني منها منذ أيام ، وتشارك أخرى في الحديث قائلـــــــة : التفكير مرض وشدته لعنة ... هنا لا بأس ببعض التجاهل ... ثم إننا نبذل دائما جهودا مضاعفة لتكون الأمور على مايرام ، فلابأس إن هدأنا قلـــــــــيلا وتركنا السفينة تغرق .. تقــــول إحداهن ذلك من باب الفكاهة ! 

وقفت تلك الأخيرة قبل أن تنصرف قائلة: عانيت طويلا من المشاكـــل النفسية والتي كادت أن تقودني نحو جنون حتمي ، ولكني عــــــدت إلى رشدي بعد

أن أدركت أن كل القلق والحزن والاكتئاب سببه تلك القاعدة الشريرة . فرط التفكير ، أنا الآن أفضلُ من ذي قبل ، أصبحت أهتم بما يجعلني أتطور بالاتجاه الإيجابي ولكل ما يفيدني لأميز بين الواقع والزيف ، وبين فقدان الإنسان لإرادته الإيمانية التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان ، لا يهمني أن أكون عبقرية في التفكير لأنهي حياتي من أعلى شرفة منزلي ، أو مصوبـــــة المسدس نحـــــــــو رأسي . 

ليست هذه النهايات النموذجية والتي يُقتدى بها في حياة أورثنا إياها الله عز وجل

لنعمرها ونترك فيها الأثر الحسن ، وهنا موقف له دلالاته وأثره البالغ في حياة الفرد ، وفي حياة المجتمعات . 

أهل الخبرة يقولون بأن فرط التفكير وحدته عملية عصبية ، يتطور مع تقدم الإنسان في العمر ، ومرحلة الرشد هي الحــــــد الفاصل بين طغيان هـــــذه العصبية وبين طمأنينة النفس إلى حــــد كبير . وتبقى هذه العصبية مرتبطة ارتباطا مباشرا بأحداث أو فجائـــــع عاتية ، أو مصائب كبيرة ، كالــزلازل التي وقعت في بلادنا ــ حفظها الله وبـــــــــلاد المسلمين ــ ، ويقول أهل الخبرة إن العلاج القائم على التربية القويمة هو المنقذ من النتائج الوخيمـــــة إذا ماوقــع الإنسان في قبضة العصبية المحمومة . فالإنسان إذا ما استسلم لحالة عصبية فإنه يصعب عليه مشاركة مجتمعه في مقارعة النوازل التي قد تصيب المجتمع عامة ، بل يعيش صاحب العصبية وأسيرها بالقلق الذي يحرمه من التفكير الصحيح ، ومن النوم الهادئ حيث يسيطر عليه السهاد ... إلى آخر ماهنالك من آثار جانبية قاسية في حياة الإنسان .

 

إن داء فرط التفكير داء قديم حديث ، ولكن آثاره لم تلحق الجميع ، ففرعون الذي ادَّعى الألوهية وطغى وبغى واستكبر ، تلاشت قوته وكبرياؤُه عند نزلت به الكارثة المزلزلة ، وانسحب من بيئة التفكير التي كانت تلازمه ، وانهار أمام ما لاطاقة له به ، فقال بصوت عالٍ : آمنتُ بالذي آمنتْ به بنو إسرائيل ، انهيار تام لقائد أعظم دولة في ذلك الزمان . هذه صورة للإنسان الذي تجاهل عن كونه مجرد إنسان ، ومع ذلك لم يغش بسلوك الإنسان السوي . فتهدت أركان دولته ، وتداعى أيضا إيوان حكمه وإلى الأبد .

بينما نجد أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، حاملي القيم السماوية لم ينل منه فرط التفكير ، لأنهم علموا أن للكون ربا يدبره بمنتهى حكمته وجبروته وبرحمته ، فأخذوا بالأسباب , وعالجوا الأذى والبغي بقيم ربانية عالية ، فآلت إليهم أمور التوفيق وأسبابها ، وانتصروا في كل المواطن التي شاء لهم الله أن ينالوا منها ثمرات صبرهم ويقينهم بتأييد الله ، وأن كل ماجرى لهم إنما كان بعلم الله وتقديره . فكان للأنبياء كامل النصيب من أنموذج تحمل وقْعِ الأحداث الجسام في التحمل ، وفي معالجة آثار تلك الأحداث .

فالبيئة الأولى التي نراها اليوم : في تصرف إحداهنَّ : ( تضحك إحداهـــــن قائلة : أمضيتُ الليلة وأنا أخبز الكعـــــــــك لأطفالي الذين ساعدوني بعجنه وخبزه ، ثم تناولناه مع الشاي ، ونسينا أمر الضغوط التي نعاني منها منذ أيام ، وتشارك أخرى في الحديث قائلـــــــة : التفكير مرض وشدته لعنة ... هنا لا بأس ببعض التجاهل ... ثم إننا نبذل دائما جهودا مضاعفة لتكون الأمور على مايرام ، فلابأس إن هدأنا قلـــــــــيلا وتركنا السفينة تغرق .. تقــــول إحداهن ذلك من باب الفكاهة !) ، فهي بيئة خلت من قيم عالية كانت لأمتنا ولبنيها ، وبيئة أخرى أهلها من تلاميذ المدارس الربانية التي تعلم الناس لمحات من معاني مشيئة الله القدير وهكذا : ( نجد أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، حاملي القيم السماوية لم ينل منهم فرط التفكير ، لأنهم علموا أن للكون ربا يدبره بمنتهى حكمته وجبروته وبرحمته ، فأخذوا بالأسباب , وعالجوا الأذى والبغي بقيم ربانية عالية ، فآلت إليهم أمور التوفيق وأسبابها ، وانتصروا في كل المواطن التي شاء لهم الله أن ينالوا منها ثمرات صبرهم ويقينهم بتأييد الله ، وأن كل ماجرى لهم إنما كان بعلم الله وتقديره . فكان للأنبياء كامل النصيب من أنموذج تحمل وقْعِ الأحداث الجسام في التحمل ، وفي معالجة آثار تلك الأحداث ) . وآن لنا كأفراد ، وآن لنا كأمة أن نستعيد بيئتنا التي أراد الله لنا أن نعمرها بالصبر والحكمة وحسن الظن بالله رب العالمين . فالثبات عند نزول الكوارث ، ومواجهة نتائجها بالحكمة والصبر وبعزم الأمور : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور) 186 / آل عمران . ولعل مفتاح أبواب الرضا يكمن في قوله تعالى : ( الّذِينَ إذا أصَابَتَهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَيهِ راجِعُونَ ) . فإن كنتَ عبدا لله ، وأنك إليه راجع لامحالة ، فستعيش في بيئة النبوة ، حيث الطمأنينة والفلاح والعاقبة التي تزفك إلى جنات الخلود بمشيئة الله تبارك وتعالى .

إضــاءة :

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) 155/ البقرة .

وسوم: العدد 1022