أخطاء في التربية الأسرية… جذور التفكك وأمل الإصلاح

إن تناول مثل هذه الموضوعات بالتأمل والدراسة أمر بالغ الأهمية، لأن أخطاء التربية تترك آثارًا سلبية على التنشئة الصالحة. ومن البديهي أن التعلم من الخطأ يعدّ ركيزة من ركائز الوعي التربوي، ويُعبّر عن هذا المعنى قول بعض المربين: "من جهلنا أخطأنا، ومن خطئنا تعلمنا."

لذا وجب أن نقف وقفة تأملية جادة لاستدراك ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان.

الأسرة أساس المجتمع

حديثنا يتمحور حول ركيزة من ركائز المجتمع ألا وهي الأسرة، التي أولتها الشريعة الإسلامية اهتمامًا بالغًا، باعتبارها اللبنة الأولى في بناء المجتمع الصالح. ونواة هذه الأسرة هي الزوج والزوجة، فإذا صلحا صلح البناء كله.

وقد وجّه الإسلام إلى حسن اختيار شريك الحياة باعتباره الخطوة الأولى نحو الاستقرار الأسري، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض." [رواه الترمذي]

وكذلك في شأن اختيار المرأة:

"تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك." [متفق عليه]

كل انحراف عن هذه الضوابط يؤدي إلى مشاكل أسرية، من طلاق وتفكك، تشهد بها مجتمعاتنا المعاصرة.

أخطاء شائعة في التربية الأسرية

من أبرز الأخطاء التي لا تُعطى الاهتمام الكافي إهمال البعد العاطفي في الأسرة، والذي يعدّ عنصرًا محوريًا في استقرار الحياة الزوجية وتربية الأبناء.

وفيما يلي بعض الهفوات التربوية المؤثرة:

  1. نزاع الوالدين أمام الأبناء

كثير من الأزواج لا يعيرون أهمية لحل الخلافات الأسرية بشكل راقٍ، فتحدث النزاعات أمام الأبناء، تُرفع الأصوات، وتُقال كلمات نابية، مما يُحدث شرخًا نفسيًا خطيرًا في وجدان الأطفال. وقد أثبتت الدراسات النفسية أن مشاهدة الأطفال لمشاجرات الوالدين تؤثر سلبًا على سلوكهم وشخصيتهم المستقبلية.

  1. التفرقة بين الأبناء

من الأخطاء التربوية الخطيرة تفضيل أحد الأبناء على حساب الآخرين، وهو سلوك مرفوض شرعًا وأخلاقيًا. فقد جاء في الحديث الشريف:

"اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم." [رواه مسلم]

ويكفي أن نذكر ما حدث مع نبي الله يعقوب عليه السلام حينما أحب يوسف عليه السلام أكثر من إخوته، مما أحدث فتنة بين الإخوة.

  1. الانشغال عن الأسرة

قد ينشغل أحد الوالدين بالعمل أو العلاقات الخارجية على حساب العائلة، ويغفل أن للأسرة حقوقًا لا تسقط حتى لو كانت الانشغالات ذات طابع نافع. والمتابعة والرعاية والمرافقة من أساسيات استقرار الأسرة وتماسكها.

  1. فرض السلطة بدلًا من الحوار

بعض الأسر تُدار بالأوامر والنواهي، دون وجود مساحة للحوار والتفاهم، مما يخلق بيئة أسرية خانقة. وقد أثبتت البحوث التربوية أن الأطفال الذين يُربّون في أجواء ديمقراطية حوارية يكونون أكثر توازنًا وثقة بالنفس.

  1. إهمال التربية الروحية والفكرية

يظن بعض الآباء أن توفير الاحتياجات المادية وحده كفيل ببناء شخصية ناجحة، وهو اعتقاد خاطئ. فالتربية الناجحة تجمع بين الرعاية المادية والروحية، كما قال الله تعالى:

"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا" [سورة التحريم: 6]

أي علموهم، وأدبوهم، ووجهوهم نحو الخير.

خلاصة

إن التربية ليست فقط واجبًا تربويًا، بل هي مسؤولية شرعية ومجتمعية، وأي تقصير فيها سيؤثر سلبًا على الأفراد والمجتمع بأسره. فلا بد من مراجعة منهجنا التربوي داخل الأسرة وتصحيح أخطائنا، لأن صلاح الأبناء من صلاح البيت، وصلاح البيت من صلاح الآباء والأمهات.

---

مراجع: : 

صحيح البخاري

صحيح مسلم

سنن الترمذي

القرآن الكريم

دراسات في علم النفس التربوي والأسري

وسوم: العدد 1126