دعوة سيد قطب إلى العري وهم وافتراء

دعوة سيد قطب إلى العري وهم وافتراء

سيد قطب

محمد بركة

 جاء في مذكرات فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي التي نشرها على أحد المواقع الإسلامية الالكترونية تحت عنوان وقفة مع سيد قطب الحلقة الثانية : وقد ذكر الأستاذ محمود عبد الحليم في كتابه الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ واقعة عن سيد قطب في هذه المرحلة ما زلت في شك من أمرها وهي أنه كتب مقالا في الأهرام تدافع عن العري وأنه من الحرية الشخصية للإنسان على غرار ما يكتبه دعاة الإباحية وهذا نفس غريب على مسيرة سيد قطب فلم يكن الرجل على ما أعلم في أي فترة من حياته من دعاة التحلل ...وأرجو من شباب الباحثين أن يحققوا ويبحثوا في مدى صدق هذه الواقعة .

بداية نقول لقد اختلف الناس حول مقولة الأستاذ محمود عبد الحليم فبعضهم أنكرها وبعضهم تشكك فيها وبعضهم اعتمدها .

والذين اعتمدوها منهم من اعتمدها فقط لتلقي بعض الأضواء على شخصية سيد قبل التزامه الإسلام مثل الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي الذي دعا الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي إلى الرجوع لكتاب الأستاذ محمود عبد الحليم لأنه يلقي الضوء على شخصية سيد في جاهليته وفي إسلامه وذلك في تقديه لكتابه نظرية التصوير الفني في القرآن عند سيد قطب .

ومنهم من أسرف في استخدام تلك المقولة وزاد عليها إلحاد سيد قطب في تلك الفترة مثل الروائي سليمان فياض الذي كتب مقالا في مجلة الهلال المصرية عدد سبتمبر 1986 بعنوان سيد قطب بين النقد الأدبي وجاهلية القرن العشرين أورد فيه بعض الروايات والأخبار عن سيد قطب منها ما يتعلق بإلحاده قال فياض : إنه سمع محاضرة لسيد قطب ألقاها في مطلع الخمسينات في قاعة علي مبارك في كلية الآداب جامعة القاهرة وأورد كلاما سمعه بأذنه من سيد قطب يتحدث عن نفسه :ويروي من سيرة حياته (سمعت ذلك بأذني )أنه ظل ملحدا أحد عشر عاما حتى أخذ يكتب كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام فإذا به يعثر على الطريق إلى الله ويخرج من الإلحاد إلى طمأنينة الإيمان .وقد اعتمد على هذه الرواية عادل حمودة في كتابه سيد قطب من القرية إلى المشنقة :تحقيق وثائقي

وكتاب حمودة ملئ بالأخطاء بل لا نجافي الحقيقة إذا قلنا ملئ بالترهات .

هذا عن سليمان فياض الذي قال كلاما يقول أنه سمعه بأذنه وفي قاعة كبرى في كلية جامعية وفي محاضرة عامة .

ونحن بدورنا نتساءل ألم يسمع هذه المحاضرة سوى سليمان فياض ؟ لا شك أن المحاضرة سمعها الكثير فلماذا لم يروها واحد ممن سمعها مثلما سمعها سليمان فياض ؟

وهل صحيح أن سيد لم يتوجه للإيمان إلا بعدما ألف كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام؟

ومن المعلوم أنه ألف كتاب العدالة عام 1948 أي أنه ظل ملحدا في الفترة ما بين 1937 و1948 .

وفي هذه الفترة كتب سيد قطب كتابين من أعظم الكتب الإسلامية التي كتبها وهما:التصوير الفني في القرآن (بدأ نشره على صفحات مجلة المقتطف عام 1939 ) ومشاهد القيامة في القرآن الذي صدرت طبعته الأولى في أبريل 1947 عن دار سعد بالفجالة في مصر ويعد ضميمة لكتابه الأول التصوير الفني ولابد من أن يدرس في سياقه هذا ..

أيكتب هذا رجل ملحد ؟!

فرواية سليمان فياض لا تتفق مع الحقيقة ولا مع التاريخ ولا مع طبيعة سيد ولا مع نتاجه الفكري والأدبي في تلك الفترة .

بينما ذهب الدكتور محمد حافظ دياب في كتابه سيد قطب الخطاب والايديولوجيا إلى توثيق مقولة الأستاذ محمود عبد الحليم فأثبت مقالا لسيد قطب بعنوان دعوة إلى العري منشورا في جريدة الأهرام بتاريخ 17 مايو 1934 ص 7 كما ادعى الدكتور دياب في إعداده للببليوجرافيا عن سيد قطب أنه رجع إلى مواد سيد قطب بصورة مباشرة لتحقيق معلوماتها .

نقول بكل تأكيد أن ما قاله الدكتور دياب كذب وافتراء لأننا رجعنا إلى العدد المذكور من جريدة الأهرام فلم نجد أي كتابة لسيد قطب في ذلك العدد بالذات بل فحصنا جميع الأعداد الصادرة في شهر مايو 1934فلم نجد لسيد قطب مقالا بهذا العنوان .وجريدة الأهرام موجودة كاملة لمن يريد الإطلاع عليها .

ومما يدل أيضا على أن الدكتور دياب لم يطلع على كتابات سيد بشكل جيد نقله لمقال لسيد نشره على صفحات مجلة الشؤون الاجتماعية في شهر يوليو عام 1942 بعنوان صيحة طبيب أسنان لإنقاذ العمال من الانتحار بالجوع فلو قرأ الدكتور دياب المقال لوجد في بدايته صيحة طبيب إنسان وقد فعل ذلك المستشرق الفرنسي ألان روسيون في كتابه عن سيد قطب المجتمع المصري جذوره وآفاقه .

وللحقيقة أقول إنني منذ قراءتي لما كتبه الأستاذ محمود عبد الحليم وأنا أتشكك في مقولته حتى استطعنا القطع بعدم صحتها وجاء الشك نتيجة قراءاتي لمقالات سيد قطب المبكرة والتي نشرها على صفحات مجلة الأسبوع والبلاغ الأسبوعي في عام 1929 والأعوام التالية يحارب فيها الرذيلة ويدعو إلى الفضيلة ويحارب الاختلاط ويدين مساوئه وأضراره وقد كتبت هذا الكلام على صفحات جريدة الشرق القطرية يوم الأربعاء 2 يوليو 1997 وأثبت ذلك في كتابنا "سيد قطب صفحات مجهولة "وندعو الله أن يوفقنا في جمع تراث سيد قطب المبثوث في معظم صفحات المجلات والصحف التي كانت تصدر في ذلك الوقت وأصبحت أثرا بعد عين حتى تستطيع الأجيال القادمة أن تضع سيد قطب في مكانه اللائق من تاريخنا الأدبي والفكري المعاصر .